المحللون على الشاشات الباكستانية... وجوه مألوفة ومحتوى متكرر

كان من شأن بزوغ فجر وسائل الإعلام الإلكترونية داخل المجتمع الباكستاني ظهور طبقة جديدة من المعلقين والمحللين القادرين على الحديث لساعات دون توقف ودون أن يتفوهوا بمعلومة ذات أهمية.
في حياتهم اليومية، قد يكون هؤلاء من أبناء أي مهنة - سياسيين أو محامين أو صحافيين أو جنرالات أو دبلوماسيين - لكن على شاشات التلفزيون يتحولون إلى معلقين حصلوا على فرصة الحديث لساعات بخصوص أمور تحمل أهمية وطنية.
وتحتفظ القنوات الإخبارية الباكستانية بقوائم بأسماء هؤلاء (وكذلك عناوينهم وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام هواتفهم المحمولة) حيث يمكنهم أن يطلبوا منهم الحضور إلى الاستوديو للتعليق على قضية ما في أقصر وقت ممكن.
ومع تنامي عدد القنوات التلفزيونية، ظهرت مجموعة حاشدة جديدة من هؤلاء المعلقين والمحللين الذين يظهرون في مختلف جنبات صناعة الإعلام الباكستانية. وكثيرون منهم يظهرون باستمرار عبر الشاشات ويتحدثون لساعات دون الإدلاء بأي معلومة ذات قيمة حقيقية.
ومن بين السمات الرئيسية لهؤلاء المعلقين والمحللين أنهم يتعاونون مع القنوات التلفزيونية دونما مقابل. وفي هذا الصدد، أكد أحد المسؤولين التنفيذيين بقناة تلفزيونية أنه: «لا ندفع لهم أي شيء».
واللافت أن هؤلاء المعلقين والمحللين يقفزون من قناة لأخرى دون مجهود يذكر، بل وفي بعض الأحيان يظهرون على شاشة أكثر من قناة في الوقت نفسه لمشاركتهم في برامج مسجلة سلفاً.
إلا أنه في الفترة الأخيرة لجأت بعض القنوات الإخبارية الكبرى مثل «جي إي أو» إلى الاستعانة ببعض المعلقين المهنيين للعمل لديها براتب منتظم، مع امتناعهم عن الظهور في قنوات أخرى.
أما أكثر المعلقين شعبية الذين تسعى خلفهم القنوات للتعاقد معهم فهم الجنرالات السابقون الذين بمقدورهم الحديث على نحو مهني حول قضايا تتعلق بالحرب ضد الإرهاب والصدامات الحدودية مع قوات أمن هندية داخل كشمير.
وغالباً ما يبدي هؤلاء الجنرالات تأييدهم للعمليات العسكرية الجارية ويوجهون سهام النقد والإدانة للمسلحين، وعادة ما يعبرون عن مشاعر عداء تجاه كل من الهند والولايات المتحدة. كما أن بعضهم ينتقد الديمقراطية وسياسيين بعينهم عبر شاشات التلفزيون.
وفي بعض الأحيان، تندلع صدامات على الهواء بين هؤلاء الجنرالات المتقاعدين ومعلقين سياسيين ليبراليين الذين أصبحوا هم أيضاً من الضيوف المتكررين في القنوات التلفزيونية. اللافت أنه بمرور الوقت، أصبح هؤلاء المعلقون الموالون للجيش أكثر تشدداً في تعليقاتهم أمام شاشات التلفزيون.
جدير بالذكر أن المؤسسة العسكرية الباكستانية تعرضت لانتقادات شديدة من جانب اليسار الليبرالي وكذلك اليمين داخل المجتمع الباكستاني. وتركزت انتقادات اليسار على ما اعتبروه ميلا من جانب المؤسسة العسكرية باتجاه مشاعر دينية يمينية، بينما ينتقد أنصار تيار اليمين المؤسسة ذاتها لإطلاقها عملية عسكرية ضد الإسلاميين. وفي مثل هذا الموقف، لا يقف إلى جوار المؤسسة العسكرية دون قيد أو شرط سوى القوميين المتشددين (المنتمين آيديولوجياً لتيار اليمين).
ويتوافق خطاب الجنرالات وضباط الجيش المتقاعدين عبر شاشات التلفزيون بصورة أساسية مع توجهات هذه المجموعة الضيقة، لكنه في الوقت ذاته يجتذب جمهوراً أوسع بفضل طرحه عبر شاشات إخبارية رائدة يقدر عدد مشاهديها بالملايين.
الملاحظ أن جودة النقاش الدائر حول السياسة الخارجية الباكستانية عبر شاشات القنوات الجديدة كان دون المستوى. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالعلاقات الباكستانية - الهندية فقد جرى تناولها باستخدام ألفاظ وتعبيرات مبتذلة لا تختلف من حيث الرداءة عن لغة الحوار في الشارع.
وتظهر قيادات ومتحدثون رسميون من أحزاب سياسية بانتظام على شاشات القنوات الإخبارية باعتبارهم معلقين سياسيين، إلا أن تحيزهم لصالح الأحزاب التي ينتمون إليها لا يترك مساحة تذكر لأي تحليل أو تعليق سياسي جاد.
وكثيراً ما يدخلون في منافسات صراخ أمام ممثلي أحزاب سياسية منافسة. أما من حيث التحليل الحقيقي أو المعلومات، فلا تحمل أحاديثهم أهمية تذكر. وعن ذلك، قال عاصف فاروق، المعد البارز في «بي بي سي إسلام آباد»: «في الغالب تكمن قيمتهم في الجانب الترفيهي، فالناس يشاهدونهم يتحدثون ويستمتعون بذلك».
يذكر أن واحدة من القنوات الإخبارية البارزة وتدعى «بي أو إل» تعاقدت في الفترة الأخيرة مع ثلاثة ممثلين عن أحزاب سياسية بارزة، واتخذت ترتيبات بحيث يظهرون معاً في برنامج حواري يذاع في وقت الذروة. وأكد المسؤولون التنفيذيون بالقناة أنهم «يجتذبون معدلات مشاهدة مرتفعة في الوقت الحالي».
ومنذ وقت ليس ببعيد، استعانت القناة ذاتها بالرئيس السابق الجنرال بيرفيز مشرف للتعليق في أحد البرامج الحوارية، وخلال البرنامج حرصت المذيعة على تقديمه بألقاب «رجل الأفعال» و«بطل كارغيل» و«الرئيس الباكستاني». ويحمل البرنامج اسم «باكستان أولاً»، وهو برنامج حواري يذاع كل أحد في وقت الذروة ويشارك به الجنرال بيرفيز محللا. وخلال البرنامج، يشن الجنرال مشرف انتقادات مستمرة ضد الحزب الحاكم وافتقار النظام الحاكم والقيادات السياسية التي صعدت في أعقاب الإطاحة بمشرف عام 2008 للكفاءة. جدير بالذكر أن هذه القيادات كانت في المنفى خلال فترة وجود مشرف في السلطة (1999 - 2008)، والآن يسيطرون هم على السلطة بينما يعيش مشرف في منفى اختياري في دبي.
يذكر أن ظهور مشرف الأول على شاشة قناة «بي أول إل» المثيرة للجدل، خلا من أي فحوى حقيقية، وتركز حول إلقاء اللوم على الهند لنشر القلاقل داخل باكستان واستغلال الأراضي الأفغانية كنقطة لانطلاق الهجمات. وتمثل الهدف الثاني لهجماته في الأحزاب السياسية والقيادات الحاكمة للبلاد والمجموعات التي انصب عليها جام غضب مشرف أثناء وجوده بالسلطة. واتهم مشرف هذه الجماعات باتخاذ مواقف متخاذلة إزاء الهند.
وقال خلال حديثه الأول عبر شاشة القناة: «ينبغي أن تصبح باكستان دولة متقدمة وأن يحيا شعبها في سعادة، وينبغي أن توفر حكومتها فرص العمل للمواطنين... أما الهنود فينشرون القلاقل داخل بالوشستان... ويجب علينا التعامل مع الهند بقبضة حديدية... وينبغي أن نوجه للهند إنذاراً».
ويتمثل نمط آخر من المتحدثين عبر القنوات الباكستانية التلفزيونية في الدبلوماسيين المتقاعدين، الذين تجعلهم خلفيتهم مؤهلين للتعليق على العلاقات الخارجية للبلاد على الصعيدين الإقليمي والدولي.