العام الدراسي الجديد في ليبيا... طموح يغالب الخوف

على ساق واحدة، وأخرى صناعية، مشى الطالب يوسف سعد، (13 عاماً)، أولى خطواته إلى مدرسته، بحي الصابري في مدينة بنغازي، بين المئات من زملائه يحدوهم الأمل، مع بداية العام الدراسي الجديد، الذي بدأ في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي في شرق ليبيا وجنوبها.
جاء انطلاق الموسم الدراسي، للتعليم العام، متأخراً عشرين يوماً، في الشرق عن الغرب والسبب إضراب المعلمين عن العمل للمطالبة بزيادة رواتبهم، بالإضافة إلى تضرر أكثر من 500 مدرسة جراء الحرب على «الإرهابيين» في بعض المدن، بحسب إحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى جانب استغلال بعضها كملاجئ للنازحين والمشردين من بلداتهم.
وقدرت المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات عدد طلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، بنحو مليون و225 طالباً وطالبة، وفقا لآخر تقرير أصدرته في أبريل (نيسان) العام الماضي، مشيرة إلى أن رواتب قطاع التعليم بلغت عام 2015 خمسة مليارات دينار ليبي، أي بما يعادل ربع حجم الإنفاق الحكومي على المرتبات البالغة 20 مليار دينار.
ولفتت المنظمة الليبية إلى أن قطاع التعليم يضم أكثر من 680 ألف موظف بينهم 400 ألف معلم.
وتعمقت أزمات التعليم تدريجياً، في البلد الغني بالنفط، الذي تضربه الفوضى منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011، بسبب ما لحق بالبنية التحتية من أضرار بالغة، وإرجاء الدراسة أكثر من مرة، الأمر الذي وصفه خبراء، وأولياء أمور، لـ«الشرق الأوسط» بـ«المأساة التي قد تؤثر على أبنائهم، والأجيال المقبلة».
- صفوف ملغمة
دفعت مدارس كثيرة في مدن عدة، فاتورة الحرب على «الجماعات الإرهابية» في البلاد، وأضحى غالبيتها، مهدماً، والفصل الدراسي، إمّا مفتوحاً على الشارع، أو مهشم الحوائط والنوافذ والأبواب. ولم تكن حالة الطالب يوسف سعد هي الوحيدة، فقد ظهرت حالات مماثلة في بعض مدارس بنغازي، بسبب انفجار الألغام التي زرعها التنظيم في الشوارع وبمحيط منازلهم.
وفي حي الصابري بمدينة بنغازي (شرق البلاد)، استبق عدد من معلمي مدرسة الزهراء، وبعض أهالي المنطقة بدء العام الدراسي، بحملة نظافة واسعة للمدرسة، على نفقتهم الخاصة، وقالت إحدى المعلمات لـ«الشرق الأوسط»: «إن مدرستنا كانت هدفاً للإرهابيين، فسبق تفجيرها من ثلاثة أعوام، والأسبوع الماضي تم تنظيفها من مخلفات الاشتباكات التي شهدتها المنطقة قبل تطهيرها من الإرهابيين الخوارج».
وأضافت المعلمة، التي رفضت الإفصاح عن اسمها، «مدرستنا كانت أحسن حظاً من مدارس أخرى بالمنطقة، طالتها أيادي الدمار، وأحالتها إلى خرابات»، مشيرة إلى أن بعض الطلاب الذين هُجّروا مع أسرهم منذ ثلاثة أعوام من مناطق الصابري والليثي والقوراشة، عادوا إلى مدارسهم، والبعض الآخر لم يتمكن بسبب نزوح أسرهم إلى مدينة بعيدة».
ورأى الدكتور سعد المريمي، رئيس لجنة التعليم في مجلس النواب، أن «أزمة التعليم في ليبيا زادت خلال حرب 2011، وما أعقبها من تدمير للبنية التحتية في بعض المدن مثل بنغازي، وتاورغاء، وسرت، ودرنة».
وأضاف المريمي لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التدمير خلّف الكثير من المشكلات المادية والنفسية للطالب والأسرة بصفة عامة، بالإضافة إلى النقص الشديد في الاحتياجات الضرورية من مقاعد ووسائل إيضاح، ومعامل»، مشيراً إلى أن استخدام المدارس كمقار لإقامة اللاجئين والمهجّرين من مناطق أخرى زاد من مِحنة العملية التعليمية.
- معاناة من الانقسام السياسي
تعاني منظومة التعليم في ليبيا كباقي القطاعات، من الانقسام السياسي الحاد، الذي أدى إلى وجود وزارتين في البلاد، الأولى تتبع حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً، في طرابلس، (غربا)، والثانية للحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرقا) مما ترتب عليه نقص في المخصصات المالية، والكتب الدراسية.
وسبق النقابة العامة للمعلمين في البلاد، تعليق الدراسة في كل أنحاء ليبيا، بداية من 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالتزامن مع الموعد المحدد سلفاً لبدء العام الدراسي للمطالبة «بإقرار تأمين صحي للمعلمين، وزيادة رواتبهم وحمايتهم وكل العاملين في العملية التعليمية من الاعتداءات».
وأمام تمسك المعلمين بمطالبهم، وافق البرلمان في «شرق ليبيا»، على زيادة المرتبات، وقرر تشكيل لجنة مختصة لتقدير حجم الزيادة، على أن تقدم المقترح في شكله النهائي للمجلس، تمهيداً لإصداره في مدة أقصاها نهاية نوفمبر الحالي.
وعلى الرغم من أن رئيس لجنة التعليم في مجلس النواب، قال إن «مدارس التعليم الأساسي والثانوي في مدينة بنغازي تعاني منذ عام 2013 من دمار شبه شامل»، بسبب الاقتتال، فإن ما لحقها يظل هيناً، مقارنة بما هو عليه الحال الآن في مدينة سرت (غرب البلاد) والتي شهدت حرباً شرسة من أجل طرد تنظيم داعش بقيادة غرفة عمليات «البنيان المرصوص» التابعة لحكومة الوفاق، نهاية العام الماضي، ومنها مدارس، خولة بنت الأزور، واليرموك، وعقبة بن نافع، وشهداء تاقرفت.
ورصدت إحصائيات لمصلحة المرافق التعليمية بسرت تضرر 65 مدرسة من الحرب على الإرهاب التي دارت في المدينة، بجانب نقص الكتب الدراسية.
ورد عميد بلدية سرت مختار المعداني، الذي كان يتجول على مدارس السواوة، والشموخ، والفارابي، الأسبوع الماضي، على شكاوى نقص الكتب، والمعامل، وشح المياه، والتكدس في بعض الفصول نتيجة نقص المقاعد، وقال: «أعددنا تقريراً بالاحتياجات، وأحلناه لمراقب التعليم في المدينة من أجل العمل على توفير النواقص».
ووصفت بثنية علي، مديرة مدرسة «شهداء تاقرفت» بمدينة سرت الأوضاع في مدرستها بـ«المأساوية»، بسبب استغلال المدارس كمخابئ للإرهابيين، خلال الحرب.
وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «قبيل بداية العام الدراسي، رفعنا شكاوى للمسؤولين بالحالة المزرية للمدرسة، وما آلت إليه من دمار وتحطم للنوافذ والأبواب، ولم يتحرك أحد»، مستدركة: «وزارة التعليم في طرابلس أسندت المهمة إلى المجلس المحلي، لكن لم نجد منه أي استجابة».
وقال الطالب، عبد الله الربيّع، متحسراً: «هذا العام سيكون صعب عليناً، فـ(داعش) دمر كل شيء في مدرستنا (شهداء تاقرفت)، ولم يترك لنا شيئاً، حتى (المراحيض)».
بدوره قال عميد بلدية سرت: «وجهنا رسالة عاجلة إلى مدير مشروعات بلدية سرت، بضرورة وجود حل سريع لهذه المطالب، أو على الأقل، حلحلة ملف النوافذ والإنارة حالاً، إلى أن تتم صيانة المدرسة بشكل كامل»، متابعاً: «مدينتنا شهدت تدميراً واسعاً».
وأوضح مسؤول التعليم في سرت، مفتاح عبد الكافي أن مدارس المدينة تضم نحو 19 ألف طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي (ابتدائي وإعدادي)، وبها 102 مدرسة تم البدء في صيانة 39 منها، مشيراً إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وعد بالمساهمة في دعم قطاع التعليم، وصيانة 14 مدرسة كدفعة أولى.
وذكر برنامج الأمم المتحدة، أنه خصص للمدينة 7.64 مليون دولار كمساعدات، تشمل صيانة تلك المدارس.
- شهادات من أولياء الأمور
تواصلت «الشرق الأوسط» مع أولياء أمور بعض الطلاب، في مدارس الهداية، والسواوة، والشموخ، والفارابي، «وأبدوا حزنهم الشديد على ما لحق بهم، بجانب التكدس الكبير في الفصول، ونقص الكتب الدراسية».
وأمام شكاوى نقص الكتاب المدرسي، قال مدير إدارة المعلوماتية والتوثيق بوزارة التعليم بحكومة الوفاق، يوسف أبو زويدة، لـ«الشرق الأوسط» إن الشحنة الخامسة من الكتاب المدرسي، وصلت إلى ميناء طرابلس البحري قادمة من إيطاليا، وتضم 200 حاوية، مشيراً إلى أن ذلك يمثل ما نسبته نحو 50 في المائة من الكمية الإجمالية المتعاقد على طباعتها وتوريدها للعام الدراسي الحالي.
وبدا واضحاً، أن قلة الإمكانات، ونقص المخصصات المالية، باتت تعاني منه غالبية مدارس ليبيا، وهو ما دفع فاطمة بن سعود، الموظفة بقطاع التعليم في مدينة مصراتة، إلى القول: «الدولة غائبة، ولا توجد أموال لإنشاء معامل للطلاب»، مضيفة: «كل المدارس تحتاج إلى صيانة عاجلة، بالإضافة إلى بناء أخرى جديدة لحل مشكلة التكدس».
وتابعت: «نزوح العائلات من المدن التي جرى فيها الاقتتال ومحاربة (داعش) فاقم الأزمة، والأوضاع في ليبيا باتت متشابهة»، لافتة إلى أن «كل هذه المشكلات لم تمنع المدرسات من أداء رسالتهن، بالمجهود الذاتي».
وذهب المحلل الليبي مصطفى الفيتوري، إلى أن الأزمات التي مرت على البلاد خلال الست سنوات الماضية، فتحت الباب للمدارس الخاصة، التي انتشرت في كل أرجاء البلاد.
وأرجع الفيتوري ذلك «لتوفير تلك المدارس وسائل نقل آمنة للأطفال الصغار، بغض النظر عن التكلفة المرتفعة التي تصل سنوياً إلى نحو ألف دينار ليبي، نحو 1500 دولار بأسعار السوق السوداء.
وبين الفيتوري أن المناطق الداخلية والقرى والبلدات البعيدة «كانت أقل تأثراً بما يحدث في البلاد»، متابعاً: «لا تزال معظم المدارس في بني وليد (شمال غربي البلاد) على سبيل المثال، مجهزة بالكامل، وتعمل بشكل طبيعي، على الرغم من اكتظاظها، وينطبق الشيء ذاته على المدن الصغيرة الأخرى، مثل ترهونة والخمس (جنوب وشرق العاصمة).
ورصدت المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات، في تقريرها الأخير، بعض الجوانب السلبية في العملية التعليمية، وقالت إنه «لا توجد أي خطة مكتوبة تحدد أغراضها والهدف منها»، ولفتت إلى «ضعف المنهج الدراسي المعتمد للمراحل التعليمية، وتدني التحصيل العلمي وتسرب الطلاب من المدارس».
في مقابل ذلك، أطلع رئيس لجنة التعليم بمجلس النواب «الشرق الأوسط» على «الحلول الممكنة» التي اقترحتها لجنته البرلمانية لتسهيل العملية التعليمية، كي تستمر على الأقل بـ«الحد الأدنى»، وقال: «اقترحنا استخدام المدارس التي لم يطلها التخريب في التدريس فترتين، وكذلك استخدام نظام التعليم عن بُعد».