كاتالونيا تنظم إضراباً يشل الإقليم

يشهد إقليم كاتالونيا العمل بنصف طاقته فقط، وذلك بسبب إضراب عن العمل دعت إليه أو أيدته نقابات عمالية للاحتجاج على عنف قوات الأمن الإسبانية، من «الشرطة الوطنية» و«الحرس المدني»، خلال الاستفتاء الأحد الماضي حول الاستقلال عن إسبانيا. لكن بعد أعمال العنف، الأحد، التي تطلبت تقديم مساعدة طبية لأكثر من 800 شخص، قررت النقابات الكبيرة الانضمام إلى الإضراب العام لإظهار وحدة الصف في مواجهة هذه الاعتداءات. كما دعت للإضراب الجمعيات والأحزاب الداعية لاستقلال كاتالونيا، التي تملك قدرة كبيرة على التعبئة.
وذكرت صحيفة «الباييس» الإسبانية، أمس (الثلاثاء)، أن ساعات الذروة (من السادسة والنصف حتى التاسعة والنصف صباح اليوم) قد شهدت الحد الأدنى من الخدمات في قطارات الأنفاق والحافلات والقطارات. وأيدت حكومة إقليم كاتالونيا الإضراب، وأعلن قادة كاتالونيا أنهم ينوون جدياً إعلان الاستقلال، بعد فوز مؤيدي الاستقلال في الاستفتاء بأكثر من 90 في المائة من الأصوات، بحسب نتائج غير نهائية.
وأثارت أكبر أزمة دستورية تشهدها إسبانيا منذ عشرات السنين مخاوف من الاضطرابات، وإطالة أمد التوتر السياسي في أغنى مناطق البلاد، مما قد يعمق الانقسام بين مدريد وبرشلونة، ويهدد الآفاق الاقتصادية للبلاد.
وفتح الاستفتاء الأزمة السياسية الأعمق التي تمر بها إسبانيا منذ وفاة الديكتاتور فرانكو، وإرساء الديمقراطية فيها في 1977، في حين تتسع الهوة على ما يبدو أكثر مع مدريد.
وأدت المحاولات التي بذلتها حكومة مدريد لمنع الاستفتاء باستخدام قوة الشرطة إلى انتقادات من دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، من بينها بريطانيا وبلجيكا. وقد طلب الاتحاد الأوروبي من مدريد أن تعتمد الحوار. وعبرت الأمم المتحدة عن رغبتها في إجراء تحقيق حول أعمال العنف، في حين عبرت برلين وباريس عن دعمهما لوحدة مملكة إسبانيا. وأعلن البرلمان الأوروبي أنه سيجري نقاشاً، اليوم (الأربعاء)، حول الوضع في كاتالونيا.
وقال رئيس كاتالونيا، كارليس بيغديمونت، الذي يسعى من خلال الإضراب إلى أن يظهر أن المجتمع يدعمه في صراعه مع سلطات مدريد للحصول على الأقل على استفتاء لتقرير المصير: «أنا مقتنع بأن دعوة الإضراب ستلقى تجاوباً كبيراً». وعملياً، فإن الإضراب مقرر في ميناء برشلونة والجامعات العامة ووسائل النقل ومتحف الفن المعاصر والأوبرا، وحتى الكاتدرائية الشهيرة «ساغرادا فاميليا». ويريد المنظمون أن يكون الإضراب مظاهرة «سلام».
ودعا بيغديمونت إلى وساطة دولية لحل الأزمة مع مدريد، وقال في مؤتمر صحافي أمس: «هذا ليس شأناً محلياً»، مضيفاً: «من الواضح أننا نحتاج إلى وساطة... لا نريد انفصالاً مفجعاً... نريد تفاهماً جديداً مع الدولة الإسبانية».
وإقليم كاتالونيا مركز للصناعة والسياحة، وهو يمثل نحو خمس الاقتصاد الإسباني، ويعد قاعدة إنتاجية لشركات عالمية كبرى، مثل «فولكس فاغن» و«نستله»، كما أنه يضم أسرع موانئ الشحن نمواً في أوروبا.
ورغم دعوته إلى الوساطة، قال بيغديمونت إن الاستفتاء قانوني وملزم، ويجب تنفيذ نتائجه.
وفتحت تصريحاته الباب أمام احتمال إعلان الاستقلال في غضون أيام، رغم أن مدريد سترفض هذا تماماً. ويأتي الإضراب بعد تعاظم الحراك الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة في كاتالونيا.
واجتمع رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي مع قادة الحزب الاشتراكي وحزب المواطنة (وسط معارض لاستقلال كاتالونيا) لبحث «التحدي الخطير الذي تطرحه» هذه الأزمة.
ومن المقرر أن يتوجه راخوي إلى البرلمان، ومن المتوقع أن يوجه دعوة لجميع الأحزاب السياسية للمشاركة، في محاولة للتعامل مع الأزمة الكاتالونية. وفي الداخل، لا يبدو أن الأزمة عرضت للخطر التأييد لحكومة الأقلية التي يرأسها راخوي، كما أيدت الأحزاب الرئيسية عموماً معارضته لاستقلال كاتالونيا. وتنامت مشاعر الاستقلال في كاتالونيا منذ 2010، إثر أزمة اقتصادية وإلغاء جزئي من المحكمة الدستورية لوضع كان يمنح كاتالونيا سلطات أوسع. ومنذ 2012، تزايد عدد الكاتالونيين الذين يطالبون مدريد بتنظيم استفتاء لتقرير المصير من أجل حسم النقاش، وذلك رغم انقسام سكان كاتالونيا إزاء الاستقلال. لكن حكومة راخوي لا ترغب مطلقاً في الخوض في الأمر، مشيرة إلى أن هذا الخيار غير منصوص عليه في الدستور.
وطرحت تصريحات بيغديمونت تحدياً أمام راخوي الذي يملك السلطة الدستورية لإقالة حكومة الإقليم، وبسط السلطة المركزية على كاتالونيا، لحين إجراء انتخابات جديدة. وقال وزير العدل رفائيل كاتالا إن إسبانيا قد تستخدم هذه السلطة، إذا أعلن برلمان الإقليم الاستقلال. وحث بيغديمونت راخوي على تحديد ما إذا كان يريد الوساطة التي قال إنها ينبغي أن تكون تحت إشراف الاتحاد الأوروبي. ورفض متحدث باسم الاتحاد قول ما إذا كان التكتل سوف يتوسط.
وقالت حكومة كاتالونيا إن 2.26 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء، بنسبة مشاركة بلغت نحو 42 في المائة، رغم حملة الشرطة. ولم تكن النتيجة مفاجئة، في ضوء توقع عدم مشاركة كثير من مؤيدي البقاء ضمن إسبانيا. وأظهرت استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة أن نحو 40 في المائة فقط يؤيدون الاستقلال.