«ماسبيرو»... الكيان العجوز ينتظر قبلة الحياة في أكتوبر

لطالما كان مبنى «ماسبيرو» رمزا للإعلام والفن المصري منذ ستينات القرن الماضي، بمبناه ذي الشكل الأسطواني الذي يعلوه برج كبير والرابض على نيل القاهرة، لكنه تحول إلى رمز كبير للترهل الحكومي، بعدما تجاوز عدد العاملين به 40 ألف شخص، وانفضت عن شاشاته الجماهير المصرية والعربية؛ ولكن مؤخرا انتبهت الحكومة المصرية لذلك وبدأت خطة لتطويره تؤهله لاستعادة دوره.
«الهيئة الوطنية للإعلام»، التي حلت محل وزارة الإعلام، أعلنت مؤخرا عن 5 لجان للتطوير الهيكلي والمؤسسي، وتناقلت الصحف المصرية مقترحات للتطوير؛ منها: عودة الإنتاج الدرامي والتلفزيوني، وتطبيق سياسة الدمج بين بعض القنوات والمؤسسات الصحافية الحكومية، وأنباء أخرى عن تسريح بعض العاملين، أو بيع أسهم «ماسبيرو» في شركة «نايل سات» لتسديد ديونه المتراكمة التي بلغت 25 مليار جنيه، لكن تظل الرؤية لمستقبل ماسبيرو «ضبابية» بعض الشيء، خصوصا أن الإعلاميين العاملين بـ«ماسبيرو» لا توجد لديهم فكرة عن تفاصيل خطة التطوير، بل، وفقا لكثير منهم، «نسمع عنها من وسائل الإعلام».
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء بعض من أعلام ماسبيرو والخبراء وأعضاء لجان التطوير المؤسسي به.
يؤكد خالد مهنا، رئيس قطاع الأخبار بماسبيرو، لـ«الشرق الأوسط» أن «التطوير جار الآن في جميع إدارات القطاع وبرامجه، من حيث الشكل الفني أو المحتوى، وعلى رأسها برنامج (صباح الخير يا مصر) الذي يجرى تطوير (استوديو2) التخيلي من أجله، مع تطوير محتوى وشكل ومضمون البرنامج، وقائمة الضيوف، والتترات والفواصل، وإضافة مجموعة جديدة من المذيعين لتقديمه، حيث سيقتصر على مذيعي ومذيعات قطاع الأخبار فقط، كما سيرى الجمهور تنوعا في أماكن الإذاعات الخارجية من مواقع مختلفة يوميا، تجدد الإطلالة الصباحية اليومية للبرنامج».
ويشير مهنا إلى أن هناك تغييرا كبيرا بحلول شهر أكتوبر الحالي في جميع البرامج الحوارية والأخرى الأسبوعية والمسائية؛ ومنها برنامج «حوار اليوم»، و«مساحة للرأي»، وغيرهما، إلى جانب تحديث شكل النشرات الإخبارية من حيث الشكل الفني والشاشات الخلفية ومقدميها.
ويوضح أن الخطة الجديدة للتطوير، التي يتم حاليا السعي الحثيث لتنفيذها، تتضمن الاستفادة من جميع الكوادر في مختلف القنوات الإقليمية، قائلا: «تم عقد اجتماع مع نائلة فاروق، رئيسة القنوات الإقليمية، حيث ستتم الاستعانة بمراسلي القنوات، مثل (الرابعة) و(الدلتا) و(الإسكندرية)، لتغطية الأحداث المحلية لحظة وقوعها، مع الدفع بعدد كبير من كاميرات النقل المباشر عبر الإنترنت».
ويكشف مهنا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن انطلاقه جديدة لموقع «إيجي نيوز» التابع لقطاع الأخبار بماسبيرو، وتطوير في شبكة الأخبار المسموعة التي يتم بثها على الإذاعات المصرية، ودعم «راديو مصر»، وإطلاق وكالة إخبارية مرئية تقدم خدمة مختلفة عن وكالة الأنباء الرسمية (أ.ش.أ)؛ «هذه الوكالة الجديدة ستمثل إعادة إحياء للوكالة التي كانت تتبع شركة (صوت القاهرة)».
نظرة إيجابية متفائلة بقدرة ماسبيرو على النهوض ومنافسة القنوات الفضائية العربية الأخرى، يتبناها الدكتور حسين أمين، أستاذ الإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة عضو لجنة التطوير المؤسسي لـ«ماسبيرو» بالهيئة الوطنية للإعلام، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن أهمية (ماسبيرو) تكمن في دوره الكبير في تثقيف المجتمع المصري، ومصر تعد في مقدمة الدول المتقدمة إعلاميا بما لديها من خبرات وكوادر، ومؤسسات ضخمة وعريقة، فضلا عن أن لدينا جميع الإمكانات؛ من مدينة إنتاج إعلامي، وقمر صناعي، وقرية ذكية، وشبكة ألياف ضوئية، ومنظومة إعلامية متكاملة، لكن التنسيق بين كل هذه الإمكانات وتوظيفها يحتاج لإدارة جيدة، وأتوقع أن يشهد (ماسبيرو) طفرة جديدة، خصوصاً مع إعادة تغيير لوائح العمل الداخلية، وإقبال مصر على مرحلة جديدة من التطوير في جميع المجالات، لا سيما التعليم».
وحول ما أشيع عن تأسيس وكالة أنباء رسمية جديدة، أشار أمين إلى أن هناك عشرات المقترحات التي تقدم بها قيادات «ماسبيرو»، والتي هي محل دراسة، ملمحا إلى وجود سياسات الاندماج الإعلامي، بين «ماسبيرو» ومؤسسات أخرى، قائلا: «هناك اتجاه عالمي لاندماج وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في أميركا، متمثل في (سي إن إن)، و(تايم وانر)، و(أميركا أون لاين)»، رافضا أن يتم تعليق جميع جهود التطوير «باعتبار أنه أداة الدولة الإعلامية، فقد تأخرنا في تحديث القوانين التي تنظم العمل الإعلامي نحو 20 سنة».
وتواجه خطط تطوير «ماسبيرو» انتقادات من أعضاء البرلمان المصري؛ بعض يرفض المساس بأصول «ماسبيرو»؛ حيث كشفت النائبة غادة صقر، عضو مجلس النواب، عن أن أزمة «ماسبيرو» هي عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة في ظل هروب الكوادر المتميزة للقنوات الخاصة، «وبالتالي يجب التركيز على ملف أجور الإعلاميين والعاملين به، وضمان إمداده بأحدث الأجهزة التكنولوجية التي تمكنه من منافسة الفضائيات»، لافتة إلى أن «البيروقراطية أدت لإهمال موارده التي يمكن أن تحل أزمة الديون وتدر عائدا ماديا كبيرا».
وانقسم أبناء «ماسبيرو» إلى فريقين؛ الأول يرى أن «ماسبيرو» لن يحرك ساكنا، وأنه سيظل مكبلا ما دامت القيادات الحالية لا تزال في مواقعها، وهو الفريق الذي يخشى التصريح باسمه خشية الإطاحة به، في حين يرى فريق آخر أن «ماسبيرو» سيعود لمكانته من جديد.
ويرى الإعلامي جمال الشاعر عضو «الهيئة الوطنية للإعلام» الرئيس السابق لقناة «النيل الثقافية» (حكومية)، أن الرهان الحقيقي ليس على تاريخ «ماسبيرو»؛ بل على مستقبله، مشيرا إلى أن «ماسبيرو» له مهام كثيرة؛ منها التعليم والترفية والتثقيف والإخبار ورفع مستوى الوعي الجماهيري؛ «فهو إعلام خدمة عامة، مثل قنوات «bbc»، لكن يجب إعادة ترتيب أوضاع البيت من الداخل، واستغلال شبكة القنوات التلفزيونية والإذاعية، وتحفيزها ماليا ومهنيا على الإنتاج المتميز الذي كانت عليه».
ويتمنى الشاعر أن يرى «شاشة قادرة على المنافسة وتستعيد نصيبها من المتابعة الجماهيرية العربية»، مؤكدا: «لدينا الكوادر والخبرات المتميزة، ولكن الجدوى الاقتصادية هي التي ستحدد ذلك أيضا. هناك قلق مشروع على مستقبل (ماسبيرو) لأنه يجب أن تكون لدينا خطة لاستعادة (الطيور المهاجرة) التي هجرت (ماسبيرو)، وإن كان لها دورها الريادي في إعلام الدولة المصرية ككل وفي القنوات الخاصة التي تهتم بمصر، وكلها خبرات مهمة وتصب في مصلحة الشارع المصري، لكن صناعة النجوم تحتاج لوقت، ومكلفة جدا، فإذا تمكننا من جذب الكوادر المهاجرة مرة أخرى فسيكون التغيير سريعا».
عقدت «لجنة المقترحات والرصد وحقوق الجمهور» بـ«ماسبيرو»، أول جلسة لها، بعد قرار تشكيلها برئاسة شكري أبو عميرة، عضو «الهيئة الوطنية للإعلام»، وتركزت الجلسة على وضع آليات لتلقي اقتراحات تطوير العمل من العاملين بقطاعات الهيئة المختلفة، «وذلك وفق آلية منضبطة، تتيح تفعيل هذه المقترحات بعد دراستها، لتحقيق طفرة سريعة، لتحسين جودة المحتوى الإعلامي المسموع والمرئي والرقمي، الذي تنتجه قطاعات (ماسبيرو) المختلفة».
من جانبه، أكد المخرج شكري أبو عميرة، عضو لجنة التطوير بـ«الهيئة الوطنية للإعلام» أنه يجري حاليا رصد جودة المحتوى الإعلامي على الشاشات التلفزيونية والمحطات الإذاعية المملوكة للهيئة، «للوصول لأعلى درجات الجودة المهنية الممكنة؛ مع تفعيل مكاتب خدمة الجمهور، وتقديم أفضل خدمة إعلامية ممكنة، من خلال الكم الكبير من القنوات والإذاعات الإقليمية».
وعدّ أبو عميرة أن عودة الإنتاج الدرامي لـ«ماسبيرو» سيمثل طفرة كبرى، «خصوصا أن أكثر البرامج والمسلسلات التي أنتجتها الدولة، حقق جماهيرية كبيرة، ومن المنتظر المشاركة بقوة في ماراثون رمضان 2018».
أما النائبة هالة أبو علم، وهي مذيعة بالتلفزيون المصري، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد رؤية واضحة لتطوير (ماسبيرو) تم الاتفاق عيها وإعلانها، كل ما نعرفه هو ما نقرأه في الجرائد» وتضيف: «بالطبع أي تطوير لشكل الشاشة شيء مرحب به جدا؛ سواء من حيث البرامج، وتوقيتها، ومضمونها، ومقدميها، وضيوفها، وموضوعاتها التي تلائم احتياجات المواطن، أو الديكورات الخاصة بها». وتشير إلى أن «ماسبيرو» يعاني من حزمة من المشكلات التي تكبل العمل الإعلامي وأدت لتراجعه عن الصدارة؛ «على رأسها: ضعف الموارد المالية؛ لأن صناعة الإعلام مكلفة جدا، كما أنها تقوم على الإبهار؛ سواء في الشكل أو المضمون».
وتؤكد أهمية تحرير «ماسبيرو» أولا من القيود الإدارية «التي تكبل العمل الإعلامي، والتي لا تحقق الانطلاقة المرجوة منذ عدة سنوات. أعتقد أن لدينا المحتوى الجيد الهادف، ولكن ينقص فقط إطلاق العنان للمعدين والإعلاميين لتقديم أفكار وخطط برامجية جديدة تناسب المشاهد العربي وتجذبه من جديد».