إقليم كردستان: استفتاء الاستقلال غداً والتفاوض مع بغداد بعد التصويت

أغلق إقليم كردستان في العراق أمس الباب في وجه أطراف محلية وإقليمية ودولية تضغط عليه لإرجاء استفتاء الاستقلال، وأكد تمسكه بإجرائه في موعده المحدد غداً الاثنين. وفيما بدأ اقتراع الأكراد في الخارج إلكترونياً، عقد وفد إقليم كردستان اجتماعات مع التحالف الشيعي الحاكم في بغداد ناقلاً رسالة أربيل الأخيرة قبل الاستفتاء والتي تمثلت بأنه لا تراجع عن التصويت على الاستقلال وبأن المفاوضات بين الجانبين ستبدأ بعد إجراء الاقتراع وليس قبله.
وقال عضو المجلس الأعلى للاستفتاء في كردستان، عبد الله ورتي، لـ«الشرق الأوسط»: «الغرض من زيارة الوفد الكردستاني إلى بغداد هو إنشاء تفاهم وإبلاغها أننا في كردستان قررنا إجراء استفتاء الاستقلال، وينبغي على الجانب العراقي أن يتفهم مستقبلاً حلم الشعب الكردي التاريخي بالاستقلال، وسنكون حلفاء في الحرب ضد الإرهاب، وستكون بيننا علاقات حسن جوار». ولفت إلى أن «دولة كردستان» ستكون مصدراً للاستقرار في المنطقة.
وشهدت أمس مواقع التواصل الاجتماعي انتشار أخبار عن تأجيل الإقليم للاستفتاء والتوصل إلى اتفاق مع الدول المطالبة بذلك. لكن المجلس الأعلى للاستفتاء في إقليم كردستان سرعان ما نفى صحة ذلك. وقال في بيان: «نشر بعض الوسائل الإعلامية خبراً مفاده بأن بافيل طالباني (نجل الرئيس السابق جلال طالباني) قد أفاد بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني قد توصلا إلى اتفاق ينص على قبول مبادرة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا بتأجيل عملية الاستفتاء. ‏إننا نؤكد في المجلس الأعلى للاستفتاء بأن هذا الخبر لا أساس له وعار عن الصحة، وأن عملية الاستفتاء ستجرى في موعدها المحدد». بدوره نفى المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، محمود محمد، عقد أي اتفاق لتأجيل الاستفتاء، وأوضح في بيان: «عقب نشر المدونة من قبل بافل الطالباني، نؤكد للجميع أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يعقد أي اتفاق مع الاتحاد الوطني لتأجيل استفتاء كردستان»، لافتاً إلى أنه «بعد إجراء اتصالات مع الاتحاد الوطني اتضح أن لا صحة للأنباء التي تتحدث عن تأجيل الاستفتاء».
في المقابل، حذفت صفحة بافل طالباني المنشور المنسوب له، وأصدر مكتبه الإعلامي توضيحاً ذكر فيه أن أحد كوادره نشر المدونة على صفحة نجل طالباني الرسمية بالخطأ، وأنه بعد إعلام مدير مكتبه حُذف المنشور. وكشف مكتب طالباني: «يواصل بافل طالباني حالياً جهوده للوساطة بين قيادة كردستان والمسؤولين العراقيين ودول العالم للتوصل إلى اتفاق لحل مشاكلنا ويحقق لشعبنا حقه المشروع».
وأفيد أمس أن المؤتمر الصحافي الذي كان يفترض أن يعقده رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني صباح السبت في شأن الاستفتاء على الاستقلال، أرجئ حتى اليوم، حيث يُتوقع أن يعلن فيه موقفه النهائي في الضغوط الكبيرة لإلغاء خطوة الأكراد المثيرة للجدل لنيل «الاستقلال».
ولم يتبق أمام الكُرد في العراق سوى 24 ساعة ليتوجهوا إلى صناديق الاقتراع في محافظات إقليم كردستان والمحافظات المتنازع عليها بين أربيل وبغداد. وذكر بيان لرئاسة إقليم كردستان، أمس، أن بارزاني أبلغ السفير الفرنسي لدى العراق خلال اجتماع جمعهما في أربيل أن قرار الاستفتاء ليس بيد أي حزب أو شخص بل هو قرار شعب كردستان، مشدداً على أنه «فات الأوان للحديث عن تأجيله وسنجريه في موعده المحدد».
بدوره أكد عضو المجلس الأعلى للاستفتاء رئيس حزب التنمية التركماني، محمد سعد الدين، لـ«الشرق الأوسط» أن «الوفد الكردستاني ذهب إلى بغداد ليطمئنها أن المفاوضات والحوار بين الجانبين سيستمران، وأن الإقليم لم يتلق أي مقترحات أو بدائل ترضي شعب كردستان وتكون أفضل من الاستفتاء لإرجائه، لذا سيجري الاستفتاء في موعده»، مشيراً إلى أن الخطوة الثانية التي تلي الاستفتاء هي التفاوض مع بغداد لتنفيذ الخطوات الأخرى بالتنسيق والاتفاق.
وتزامناً مع التحركات السياسية، كشفت المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في كردستان أمس عن أعداد المراقبين الدوليين الذين سيراقبون عملية الانتخابات. وقال المتحدث الرسمي باسم المفوضية، شيروان زراري لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن سجّل 136 فريقاً دولياً أسماءهم لمراقبة العملية، وهذه الفرق تنتمي إلى كافة دول العالم»، مشيراً إلى أن المفوضية أنهت كافة استعداداتها للعملية. ونقل موقع «السومرية نيوز» أمس عن المتحدث باسم مفوضية الاستفتاء شيروان زراري قوله إن «عملية التصويت في استفتاء استقلال كردستان بدأت اليوم (أمس السبت) في الخارج»، مبيناً أن «عملية التصويت ستكون إلكترونية وتعتمد على وثيقة شهادة الجنسية العراقية كشرط للتصويت». وأضاف زراري أن «العملية ستستمر لمدة ثلاثة أيام».
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية أمس عن عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، رزكار علي، قوله إن كافة الأطراف تبحث حالياً تأجيل الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها، ومنها كركوك، وكل المناطق المشمولة بالمادة 140. وقال المسؤول الكردي، في تصريح صحافي، إن «الاتحاد لن يخرج من الإجماع الكردستاني بخصوص موضوع التحاور مع بغداد». وأضاف: «نحن لم نقرر بعد إجراء الاستفتاء أو رفضه، ولكن بسبب الضغوط والمخاوف الكبيرة من حصول كارثة في كردستان والمناطق المتنازع عليها، فإن قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني تخشى على الأمن والاستقرار في كركوك، لذا فإن المباحثات جارية لإنهاء أزمة الاستفتاء، بما يرضي الجميع».
وفي بغداد، أفيد أن الوفد الكردي الرفيع الذي وصل إلى العاصمة العراقية يضم نائب رئيس الوزراء السابق روز نوري شاويس والقيادي في حزب الاتحاد الوطني سعدي بيرة ورئيس ديوان إقليم كردستان فؤاد حسين والنائبة الإيزيدية فيان دخيل. واجتمع هذا الوفد مع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ولجنة التفاوض في «التحالف الوطني» الشيعي المؤلفة من شخصيات برلمانية يتقدمها النائب عن حزب الدعوة علي العلاق والنائب عن منظمة بدر محمد ناجي.
إلى ذلك، استقبل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ونائب رئيس مجلس النواب همام حمودي زيارة الوفد الكردي بالتأكيد على أن «عدم الانصياع لقرارات المحكمة الاتحادية تجاوز علني للدستور»، في إشارة إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بعدم دستورية الاستفتاء. واعتبر حمودي في بيان على هامش استقباله السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، أن إصرار الكرد على موضوع الاستفتاء «خارج الأطر الدستورية ودون شرعية قانونية مع إجماع أممي كامل برفضه سيقود البلد إلى الفوضى والتصعيد».