ريـال مدريد يهوي من القمة إلى القاع في زمن قياسي

حاول 35 فريقا من ثمانية بلدان مختلفة في 73 مباراة على مدى نحو 18 شهرا منع نادي ريـال مدريد الإسباني من إحراز أهداف في شباكهم، لكنهم فشلوا جميعا في ذلك. ونجح لاعبو النادي الملكي في هز شباك كل هذه الفرق، بما في ذلك مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وبايرن ميونيخ ويوفنتوس وبروسيا دورتموند ونابولي وسبورتينغ لشبونة وسبورتينغ خيخون، بالإضافة إلى أندية أخرى من المكسيك واليابان وبولندا وقبرص. وحتى العملاق الكتالوني برشلونة قد فشل في أن يخرج بشباك نظيفة في أربع لقاءات أمام لاعبي الفريق الملكي، الذين نجحوا في إحراز الأهداف أيضا في مرمى كل من لاس بالماس وإيبار وأتلتيك بلباو وغرناطة ومالقة وألافيس وليغانيس.
لكن نادي ريـال بيتيس نجح مساء الأربعاء الماضي في أن يوقف الآلة التهديفية للنادي الملكي ويخرج بشباك نظيفة. وبينما كان ذلك اللقاء يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان الجميع ينتظر أن ينجح ريـال مدريد في التسجيل في الوقت القاتل كعادته في الكثير من المباريات الصعبة، فقد كانت عقارب الساعة تشير إلى 11:47 مساء وكانت اللوحة الإلكترونية في ملعب سانتياغو بيرنابيو تشير إلى التعادل السلبي ببين الفريقين. واحتسب حكم اللقاء خمس دقائق كوقت محتسب بدلا من الوقت الضائع، بينما كان جمهور ريـال مدريد يطالب لاعبي فريقه بالتقدم للأمام من أجل إحراز هدف الفوز وتحقيق رقم قياسي جديد، لكن نادي ريـال بيتيس كان له رأي آخر على ما يبدو.
وكان فوز ريـال مدريد على ريـال سوسيداد يوم الأحد الماضي في المرحلة السابقة قد رفع عدد المباريات المتتالية التي نجح خلالها النادي الملكي في تسجيل الأهداف إلى رقم قياسي يعادل الرقم المسجل باسم نادي سانتوس البرازيلي في ستينات القرن الماضي. وبعد ثلاثة أيام من تلك المباراة، ومع عودة نجم الفريق كريستيانو رونالدو للمشاركة في المباريات بعد انتهاء إيقافه لخمس مباريات، كان من المتوقع أن يكسر ريـال مدريد الرقم المسجل باسم سانتوس.
ويوم الثلاثاء، نشرت صحيفة «ماركا» الإسبانية على صفحتها الأولى صورة للنجم البرازيلي بيليه وعليها عنوان «مدريد هو الملك». لكن رونالدو لم يتمكن من هز الشباك وارتطمت الكرة الرائعة لغاريث بيل بالعارضة ومنع حارس مرمى ريـال بيتيس أنطونيو أدان الكثير من الفرص المحققة. لقد سدد لاعبو ريـال مدريد 27 كرة على المرمى، لكن المدير الفني للنادي الملكي زين الدين زيدان قال بعد انتهاء المباراة: «لم تكن الكرة تريد أن تدخل الشباك».
لكن الكرة دخلت الشباك في حقيقة الأمر، لكن في الجهة الأخرى. وقال زيدان: «لقد خلقنا 26 أو 27 فرصة»، في حين قال المدير الفني لريـال بيتيس، كيكي سيتين: «لقد وضعوا الكرة في منطقة جزائنا 20 أو 25 مرة»، مضيفا: «لكي تحقق الفوز هنا فأنت تعرف أنك سوف تعاني وتعرف أن حارس مرمى فريقك يجب أن يكون خارقا: من المستحيل تحقيق الفوز هنا من دون معاناة».
ورغم أن حارس مرمى ريـال بيتيس كان خارقا بالفعل في بعض الهجمات ورغم أن ريـال مدريد أضاع عددا كبيرا من الفرص، لكن القوة الهجومية للنادي الملكي لم تكن بالشراسة المتوقعة، وكما كان الحال في المباراة التي انتهت بالتعادل أمام ليفانتي، لم يظهر ريـال مدريد بالشكل الهجومي المخيف الذي يصنع الكثير والكثير من الفرص المحققة. كما لم يكن ريـال بيتيس متراجعا للغاية في الناحية الدفاعية ومحصنا في منطقة جزائه، والدليل على ذلك يظهر جليا مما حدث بعد ذلك.
لقد أنقذ أدان فرصة أخرى للتهديف، وكانت هذه المرة من بورخا مايورال، لكن حارس مرمى ريـال بيتيس لم يشتت الكرة أو يحاول أن يضيع الوقت، لكنه لعب الكرة كما ينبغي. وقبل المباراة، تجمع لاعبو ريـال بيتيس في دائرة المنتصف، وطالب قائد الفريق الجناح الأيمن خواكين سانشيز لاعبي فريقه بأن يظهروا «شخصية» داخل المستطيل الأخضر، وقال لهم: «سوف ندافع عندما نفقد الكرة، لكن بمجرد الاستحواذ عليها سوف نستمتع بوجودها بين أقدامنا». أما المدير الفني لريـال بيتيس فقال للاعبي فريقه: «كونوا بعيدين عن التوتر والعبوا بهدوء، وخاصة عندما تستحوذون على الكرة. وثقوا فيما تقومون به. دعونا نلعب بهدوء ونلجأ إلى الخيارات الملائمة». وقال مساعده، إيدر سارابيا: «يجب أن نحقق هدفنا، وهذا هو المطلوب. سوف تتاح لنا فرص بكل تأكيد». وقد ثبت أن ذلك كان صحيحا، فبينما كانت اللوحة الإلكترونية في الملعب تشير إلى الدقيقة 92:11 من عمر المباراة، أمسك حارس مرمى ريـال بيتيس بالكرة وبدأ الهجمة التي أسفرت عن الهدف القاتل.
وتسلم خافي غارسيا الكرة ولعبها للأمام قبل أن تُنقل ناحية اليسار ثم بالقرب من خط التماس ثم إلى داخل الملعب ثم إلى منتصف الملعب وبعدها إلى نصف ملعب ريـال مدريد قبل أن تعود لمنتصف الملعب مرة أخرى. وعندما وصلت الكرة إلى كريستيان تيلو، انطلق بها ومررها إلى أنطونيو باراغان. وعند حافة منطقة الجزاء من ناحية اليمين، كان لاعبو ريـال بيتيس أكثر عددا من لاعبي ريـال مدريد، وأرسل باراغان كرة متقنة إلى أنطونيو سانابريا، الذي لم يتوان في إيداع الكرة الشباك في الوقت القاتل من عمر المباراة ويحتفل بهذا الهدف الحاسم، الذي ألهب حماس جمهور ريـال بيتيس في المنطقة المخصصة له في مدرجات الملعب. أما في باقي أنحاء الملعب، فقد وقف جمهور ريـال مدريد يستعد للخروج من الملعب، في الوقت الذي كانت فيه المباراة قد وصلت إلى الدقيقة 93:20.
وبينما كان جمهور ريـال مدريد يبحث عن هدف الفوز ويرى أن التعادل من دون أهداف سيكون إنجازا كبيرا لريـال بيتيس، نجح النادي الضيف في خطف هدف قاتل والحصول على نقاط المباراة الثلاث. وفي الحقيقة، خلق لاعبو ريـال بيتيس بعض الفرص أيضا من بداية اللقاء، حيث أنقذ ظهير ريـال مدريد الأيمن داني كارفاخال هدفا محققا من على خط المرمى، وحتى عندما مالت دفة المباراة لصالح ريـال مدريد، لجأ لاعبو ريـال بيتيس إلى حماية أنفسهم عن طريق الاستحواذ على الكرة قدر المستطاع ونجحوا في ثلاث أو أربع مناسبات في المرور بالكرة، قبل أن يمرروها بشكل خاطئ أو تقطع منهم عن طريق حائط الصد القوي المتمثل في البرازيلي كاسيميرو. وفي بعض الأحيان، كانت تلك الأخطاء تسبب للاعبي ريـال بيتيس متاعب كبيرة.
لكن بالقرب من خط التماس كان المدير الفني لريـال بيتيس يقف ليوجه لاعبيه ويحمسهم، قائلا: «يتعين عليكم أن تكونوا أذكياء في استخلاص الكرة والحفاظ عليها بين أقدامكم وإجبارهم على الركض وأن تتحلوا بالهدوء في اللحظات الصعبة. وفي الدقائق العشرين الأخيرة سوف ترونهم وهم يمررون كرات سهلة بشكل خاطئ، وذلك لأن المجهود الكبير الذي سيبذلونه والركض الكثير سيجعلهم لا يتمتعون بنفس دقة التمرير التي كانوا عليها في الدقائق الخمسة الأولى». وكان سيتين يطالب لاعبيه بألا يتوقفوا عن المحاولة.
لقد أجرى ريـال بيتيس تغييرات، واضطر لاعب خط الوسط فيكتور كاماراسا، الذي كان أفضل لاعبي فريقه، إلى الخروج مصابا قبل نهاية شوط المباراة الأول. ورغم كل ذلك، تمكن ريـال بيتيس من أن يصبح أول فريق في 74 مباراة يمنع ريـال مدريد من التسجيل، ليكتفي النادي الملكي بالاشتراك مع الرقم القياسي الذي يحتفظ به سانتوس البرازيلي منذ ستينات القرن الماضي بقيادة الجوهرة البرازيلية بيليه. ولم يكتف ريـال بيتيس بذلك، لكنه سجل هدفا قاتلا وفاز على ريـال مدريد في عقر داره، وهو ما لم يحققه أي فريق آخر غير برشلونة أو أتلتيكو مدريد على مدى ست سنوات ونصف، كما تعد هذه هي أول مرة يفوز فيها ريـال بيتيس على ريـال مدريد في آخر 19 مباراة بين الفريقين. أما بالنسبة لسيتين، فهذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يواجه فيها ريـال مدريد من دون خسارة.
وقال سيتين: «إنها ثلاث نقاط فقط، لكنها ثلاث نقاط ثمينة». وسوف تساهم هذه النقاط الثلاث في تعزيز هوية الفريق وتزيدها قوة. وفي الحقيقة، لا يوجد كثير من المديرين الفنيين الذين يملكون هوية واضحة تنعكس على أداء فرقهم بهذا الشكل. وقال سيتين: «في هذه الأيام التي يعتقد الجميع فيها بأنك سوف تركض وتقاتل وتعمل وتنافس، أطالب لاعبي فريقي بأن يفكروا أولا».
أما بالنسبة لزيدان، فهناك الكثير من الأمور التي يتعين عليه أن يعيد التفكير فيها، فهذه هي المباراة الثالثة التي يخوضها ريـال مدريد على ملعبه في الدوري الإسباني ويفشل في تحقيق الفوز في أي منها. ربما كان الفريق قادرا على تحقيق الفوز في هذه المباريات الثلاث لو وقف الحظ إلى جانبه، ويكفي أن نعرف أن الفريق سدد ما يقرب من 80 تسديدة على المرمى في هذه المباريات الثلاث، كما أن الفوز في هذا العدد الكبير من المباريات المتتالية يدل على أن الفريق لا يفتقد للفعالية الهجومية المطلوبة، لكن ريـال مدريد يفتقد لبعض السلاسة والانسيابية في أدائه، كما أن الفرص التي تتاح للفريق ليست دائما بالشكل الذي تظهره الإحصائيات. والحقيقة هي أن الفريق لا يبدو على ما يرام في الوقت الحالي.
وقال نجم خط وسط الفريق إيسكو: «عندما نخوض المباريات على ملعبنا نجد صعوبة أكبر في اللعب». لقد اتسمت الأمور بالفوضوية في بعض فترات اللقاء، لدرجة أننا وجدنا لفترة وجيزة وجود 12 لاعبا من ريـال مدريد داخل الملعب، بعدما لم يدرك لاعب خط الوسط الكرواتي لوكا موديريتش بأنه سوف يخرج مستبدلا - ولم يكن الجميع سعداء بخروجه من الملعب - في الوقت الذي سأل فيه جناح ريـال مدريد الأيمن لوكاس فاسكيز زيدان مرتين عن المكان الذي يتعين عليه أن يكون فيه. وعلاوة على ذلك، اتسم أداء لاعبي ريـال مدريد بالتسرع الشديد والرغبة في إرسال الكرة بأي شكل إلى منطقة جزاء ريـال بيتيس. وقال كاسيميرو إنه «كان من الصعب أن يفهم» ما حدث، لكنه أشار إلى أنه كان يتعين عليهم أن «يفكروا» أولا. في الحقيقة، يجب على ريـال مدريد أن يوقف نزيف النقاط في أسرع وقت ممكن إذا كان يريد أن ينافس على لقب الدوري الإسباني الممتاز.
قد ينجح ريـال مدريد في الخروج من تلك الكبوة سريعا، لكن الأضرار التي لحقت به من تلك الفترة السيئة كانت بالغة، حيث تعادل في مباراتين، أمام فالنسيا وليفانتي، وخسر أمام ريـال بيتيس، لتكون هذه هي أسوأ بداية للفريق على ملعبه خلال 20 عاما. ولم يفشل النادي في تحقيق الفوز في أول ثلاث مباريات في الدوري إلا في موسم 1969-1970 وموسم 1995-1996، والأسوأ من ذلك، كما قالت إحدى الصحف على صفحتها الأولى، أن الفريق بات متخلفا الآن عن برشلونة بسبع نقاط كاملة. لم يكن من المتوقع أن يحدث ذلك، لكنه حدث بالفعل. وعن ذلك يقول زيدان: «هذه هي كرة القدم، ويتعين علينا أن نقبل ذلك. ربما حققنا الفوز العام الماضي في بعض المباريات التي لم نكن نستحق الفوز بها، والآن يحدث العكس». وقد ذكر زيدان الجميع بكلمة يحبها وتلخص شخصيته تماما، وهي: الطمأنينة والهدوء. فعندما سئل: «هل يجب عليك أن تشعر بالقلق؟، رد قائلا: «لا، لا أعتقد ذلك».