المدارس اليابانية... هل تمثل طوق نجاه للتعليم المصري؟

يبدأ العام الدراسي في مصر هذا العام بوجود نوعية جديدة من المدارس هي المدارس اليابانية، والتي تطبق أسلوب «توكاتسو»، لتقدم نظاما تعليميا موازيا للمدارس الأميركية والبريطانية والألمانية والفرنسية في مصر.
ومنذ أن أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية عن بدء التقدم لهذه المدارس وهناك جدل كبير بين أولياء الأمور وخبراء التعليم حول جدوى هذه المدارس وعددها 28 مدرسة، خاصة أنها تطبق المناهج المصرية وتعتمد نظام «توكاتسو» التربوي.
يقوم نظام التعليم الياباني «توكاتسو» الذي من المفترض تطبيقه بالمدارس اليابانية بمصر على مبادئ التنمية السلوكية والشخصية للأطفال في المراحل العمرية الأولى، ووفقا لتقرير «عالم التوكاتسو» الصادر عن جامعة طوكيو، فإن أنشطة «توكاتسو» تعتمد على تنمية قدرات التفكير من خلال التعلم في المدارس، واكتساب المهارات لأساليب الحياة، وتكريس التعاون بين الطلاب.
وتقول رشا سعد شرف، مدير مشروع المدارس المصرية اليابانية ومنسق التعاون الدولي بوزارة التربية والتعليم، إن المشروع تم إطلاق مرحلته التجريبية الأولى خلال العام الدراسي الماضي في 12 مدرسة في القاهرة، على أن يتم تطبيقه في مائة مدرسة، ومن المستهدف التوسع في التجربة لتشمل 212 مدرسة في مختلف المحافظات بنهاية عام 2019.
وتوضح أن المشروع يستهدف المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، بشرط ألا يزيد عدد طلاب الفصل الدراسي على 40. هذه المناطق عادة ما تضم الفصول الدراسية فيها نحو مائة طفل، كما تختفي منها الأنشطة الترفيهية والرياضية.
وقد تم تدريب عدد من المعلمين لتطبيق نظام «توكاتسو» وسيتم ابتعاث 550 معلما آخرين للحصول على التدريب المكثف في اليابان، وتنفيذ برامج تدريبية لمدربين معتمدين بواسطة خبراء يابانيين بمصر.
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من خبراء التعليم حول ما مدى إمكانية تطبيق أسلوب تعليمي دون مناهج تتوافق معه، وفي مجتمع مختلف عن البيئة التي أنتجته؟. يرى الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث أن هناك أركانا أساسية للعملية التعليمية لا بد أن تكتمل، وأنه للاستفادة من أي نظام تعلمي يجب الانطلاق من الأسس الداخلية أولا، من خلال زيادة ميزانية التعليم، أعداد المعلمين وتدريبهم، وتوفير معلمين مهنيين برواتب مجزية تتيح لهم التفرغ التام للتدريس بالمدارس الحكومية، وميزانية للأنشطة الترفيهية المكملة للعملية التعليمية». ويؤكد مغيث: «لا بد أن يكون لدينا نسق تعليمي يقوم على التعامل مع القدرات العقلية للطلاب وفقا للمرحلة التعليمية، لا يجب أن تترك المناهج كما هي ثم نأتي بأسلوب تعليمي من الخارج لنطبقه في (المدارس اليابانية) وهو بعيد عن ثقافة المجتمع، وبالتالي لن تحقق الهدف المرجو منها» ويرى «ستتحول تلك المدارس إلى مجموعة من المدارس الخاصة كغيرها لأن القانون المصري لا يسمح بتدريس مناهج غير المقررة من الوزارة، ضاربا المثل بمشروع مدارس (مبارك - كول) الذي كان يطبق النظام الألماني وظلت كبؤر منفصلة ولم يستمر».
أيضا يتفق معه الباحث التربوي الدكتور علي الخواجة، المتخصص في الجودة وتكنولوجيا التعليم والتدريب، ويقول: «أعتقد لو أردنا تطبيق التجربة اليابانية في المدارس نحتاج أولا لتعديل ثقافة المجتمع العربي» مؤكدا أن «ثقافة اليابانيين وسلوكياتهم مختلفة جذريا عن ثقافتنا العربية؛ ولذلك نظامهم التعليمي نجح حتى وإن لم يكن هناك منهج دراسي في المراحل الأولى من التعليم، فالتركيز على المهارات الحياتية واحترام المجتمع يسير جنبا إلى جنب مع قيم مجتمع اليابان الذي يقدس العلم وطالب المدرسة، وحريص على مساعدة الطلاب على الالتزام بالقواعد السلوكية التي تعلمها في المدرسة، بعكس المجتمع العربي للأسف».
وأضاف الخواجة «بالنسبة لنا في البلاد العربية هناك فجوة بين النظام التعليمي والسلوك؛ لذا أعتقد أن طلاب المدارس اليابانية الموجودة في البلاد العربية سيجدون فجوة بين ما يتم تعلمه في المدرسة والممارسات في الحياة المجتمعية».
فيما تختلف مدير برامج التعليم بمنظمة اليونيسيف بمصر الدكتورة إيناس حجازي، وتؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «أي نشاط أو أسلوب تعليمي يستهدف بناء شخصية الأطفال، نحن بحاجة ماسة إليه في ظل التراجع القيمي والسلوكي في المجتمع المصري».
وترى أن «أفضل طريقة لتغيير المجتمع هي غرس القيم والسلوكيات في الأطفال وخصوصا في المراحل الأولى، وإن كان من الضروري موائمة أسلوب (توكاتسو) مع البيئة المصرية، ومع الوقت سيحدث التغيير في المجتمع المصري».
وتضيف مؤكدة أن «التعلم النشط» الذي يشبه «توكاتسو» ليس بجديد على التعليم المصري، في المدارس كافة يتم تعليم الطلاب قيادة الفصول الدراسية والنظافة وغيرها، ولكن من المهم أن يتم تغيير نظرة المجتمع أيضا وهو أمر سيتطلب وقتا طويلا».
وتلفت «من الرائع أيضا أن يتم دمج الطلاب ذوي القدرات الخاصة بهذه المدارس اليابانية، حيث تتغير نظرة الطلاب وبالتالي المجتمع لهم من ناحية والأهم هو أن يحصل هؤلاء الطلاب على حقهم في التعليم دون تفرقة، وهو ما طبقته اليونيسيف مع وزارة التربية والتعليم منذ عام 2009 حيث تم بالفعل دمج عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس الحكومية العادية، وأصبح الطلاب لديهم القدرة على التعامل معهم بشكل ملائم وآدمي».