روسيا تستدير للشرق الأقصى بصفقة غاز مع الصين بـ400 مليار دولار

وقعت شركة غاز بروم الروسية، التي تسيطر عليها الدولة، يوم أمس، اتفاقا طال انتظاره لتزويد الصين بالغاز الطبيعي يضمن لأكبر دولة مستهلكة للطاقة في العالم مصدرا جديدا مهما للوقود النظيف ويفتح لموسكو سوقا في ظل بحث أوروبا عن مصادر أخرى للطاقة.
وبموجب الصفقة، تورد روسيا 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويا للصين لمدة 30 سنة، وتقدر قيمة الصفقة بما يزيد على 400 مليار دولار.
أمام ذلك، أكد خبيران سعوديان في مجال النفط والطاقة أن العقد المبرم بين الصين وروسيا لا يؤثر على أسواق النفط السعودي في منطقة شرق آسيا، في حين رجح أحد الخبراء أن يؤثر العقد على الصادرات القطرية من الغاز المسال على المدى الطويل.
ويوم أمس، شهد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ توقيع الصفقة في شنغهاي بين شركة غاز بروم الحكومية وشركة البترول الوطنية الصينية (سي إن بي سي).
وقال بوتين إن بلاده سوف تستثمر 55 مليار دولار في التنقيب عن الغاز ومد خط أنابيب إلى الصين.
وبحسب «رويترز»، قالت مصادر في صناعة الغاز إن الصين كانت لها اليد العليا في المفاوضات مع دخولها مرحلتها النهائية، نظرا لدراية بكين بحاجة بوتين لعملاء جدد في ظل تزايد عزلته في أوروبا.
وقال بوتين: «هذا حقا حدث تاريخي لقطاع الغاز في روسيا والاتحاد السوفياتي. هذا أكبر عقد في تاريخ قطاع الغاز في الاتحاد السوفياتي السابق».
وأضاف أنه كان هناك عمل شاق على مستوى الخبراء وكانت المفاوضات مع الصينيين صعبة، وتابع: «تمكنا من خلال حل وسط من التوصل إلى شروط مقبولة ومرضية للطرفين بخصوص هذا العقد، ورضي الجانبان في نهاية المطاف بالحل الوسط بخصوص الأسعار والشروط الأخرى».
وتشير تقديرات في صناعة الغاز إلى أن السعر في الاتفاق ربما يبلغ نحو 350 دولارا لكل ألف متر مكعب، ويبلغ المتوسط في غرب أوروبا 380 دولارا.
وقالت مصادر في «غاز بروم»، أن الصين عرضت دفع أكثر مما تدفعه مقابل إمدادات الغاز من تركمانستان الذي يبلغ نحو تسعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما بلغ أقل عرض من روسيا نحو 9.67 دولار.
وكانت هناك نقطة شائكة أخرى تمثلت فيما إذا كانت الصين ستدفع مبلغا كبيرا مقدما للمساهمة في تمويل تكلفة البنية التحتية.
وقال أليكسي ميلر الرئيس التنفيذي لـ«غاز بروم»، إن تلك المسألة لا تزال دون حل، لكن بوتين قال إن الصين ستدفع 20 مليار دولار لأعمال التطوير والبنية التحتية، وإن صيغة السعر مماثلة للأسعار الأوروبية المرتبطة بالقيمة السوقية للنفط والمنتجات النفطية.
وقال محللون إن عوامل سياسية أوسع لعبت على الأرجح دورا في المفاوضات، وسيجري نقل الغاز عبر خط أنابيب جديد يربط حقول الغاز في سيبيريا بمراكز الاستهلاك الرئيسة في الصين قرب الساحل.
ويمثل الاتفاق نصرا رمزيا كبيرا لبوتين في مسعاه لتأسيس شراكة جديدة بآسيا، في حين يحاول العملاء في أوروبا تقليص الاعتماد على الغاز الروسي في أعقاب الأزمة بأوكرانيا.
وارتفعت أسهم «غاز بروم» نحو اثنين في المائة عقب إعلان الصفقة، لكن المكاسب تراجعت إلى 0.8 في المائة. بدوره، شكك الدكتور راشد أبا نمي، وهو خبير نفطي سعودي، أن يؤثر العقد الضخم الذي يمتد على مدى 30 سنة في أسواق النفط السعودي والخليجي، بسبب ضخامة السوق الصينية وتعطشها لاستيعاب أي مصدر للطاقة، وأيضا وتيرة النمو العالية التي يشهدها الاقتصاد الصيني.
وقال أبا نمي: «إن السوق الصينية تنمو بمعدلات عالية، وقريبا سيتخطى استهلاك الصين من النفط والغاز الكميات التي تستهلكها الولايات المتحدة الأميركية» وتابع: «كانت الصين بحاجة إلى عقد مثل هذا للتخفيف من معدلات التلوث التي تعانيها المدن الصينية والتي تشكل عوامل ضغط على بكين من المنظمات البيئية».
وأضاف أبا نمي أن الضغوط ستكون في قطاع الفحم الحجري باعتبار الصين أكبر مستهلك للفحم الحجري في العالم، مما يفسر معدلات التلوث العالية التي تعانيها الصين.
كما أشار أبا نمي إلى أن العقد المبرم بين روسيا والصين يندرج ضمن السياسات الاقتصادية للدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، فالدول المنتجة تنوع أسواقها، والدول المستهلكة تنوع مصادر الطاقة التي تستهلكها حتى لا تقع فريسة الابتزاز السياسي الاقتصادي، كما هو التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
كما عد أبا نمي العقد دليلا على أن الجدوى الاقتصادية للغاز والنفط الصخريين غير مقنعة، فالصين وهي أكبر بلد لديه احتياطيات من النفط والغاز الصخري - بحسب أبا نمي - لم تستثمر 400 مليار دولار في تطوير هذا القطاع من ناحية التقنيات والإنتاج، وإنما تعاقدت مع روسيا لشراء الغاز على مدى 30 سنة.
بدوره، قال سداد الحسيني، وهو خبير نفطي سعودي، إن هذه الصفقة الضخمة ليس لها تأثير في الأسواق التي تستهدفها السعودية، لأن الصين تهدف إلى استبدال الفحم بالغاز. وتابع: «الصين تعتمد بشكل كبير على الفحم الذي تنتجه محليا بشكل أساسي وتستورد جزءا من الولايات المتحدة»، هنا سيجري استبدال جزء كبير من الفحم بالغاز.
ولفت الحسيني إلى أن الغاز المصدر إلى الصين بالأنابيب سيحل محل الغاز المصدر بالسفن، وهنا ستتأثر صادرات قطر من الغاز لأنها تعتمد على السفن في تصدير غازها المسال، كما يمكن أن تتأثر الصادرات الأميركية إلى شرق آسيا من الغاز المسال - الولايات المتحدة تخطط لتصدير الغاز إلى آسيا بعد ثورة الغاز الصخري ونمو إنتاجها منه - لكن المنطقة العربية، بحسب الحسيني، ستستفيد من هذا العقد على المدى الطويل لأنه قلل من منافسة منطقة الشرق الأقصى على الغاز المنتج في المنطقة. إلا إنه أضاف أن العقد الروسي - الصيني لن يحيد منطقة الشرق الأقصى ويخرج الدول المصدرة للغاز من المنافسة على أسواقها، لأن الكمية، بحسب الحسيني، محددة وتورد للسوق الصينية على المدى الطويل ولن تتحول الصين إلى مصدر للطاقة، وزاد أن السوق الصينية متعطشة للغاز وبحاجة إلى كميات هائلة، لكنه يقلل من اعتمادها على الفحم.