رحلة سمير نصري... من «زيدان جديد» إلى اسم شارف على الاختفاء من عالم الكرة

وفقا لكل التوقعات انتهت مسيرة لاعب خط الوسط الفرنسي سمير نصري ورحل عن مانشستر سيتي، ولعل الحظ حالفه في أن أحد الأندية وافقت على ضمه رغم أن قضية تعاطيه لمنشطات ما زالت منظورة أمام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا». انضم نصري إلى صفوف أنطاليا سبور التركي لكرة القدم بعقد لمدة عامين. وكان نصري (30 عاما) قد انضم إلى مانشستر سيتي قادما من آرسنال عام 2011. وبعد أن قضى الموسم الماضي معارا لأشبيلية الإسباني، شارك مع مانشستر سيتي في جولته بالولايات المتحدة لكنه استبعد من قائمة الفريق تحت قيادة المدير الفني جوسيب غوارديولا في المباراة الأولى بالموسم أمام برايتون.
ولا شك في أن نصري تعود على حياة الدوري الممتاز سريعاً، ومع هذا فإنه في غضون ثلاثة شهور من أول مباراة له في صفوف آرسنال، بدا أن ثمة ما يعكر صفو مزاجه. كان الموسم بوجه عام قد عاود السيناريو المألوف له القائم على حالة من عدم الاتساق. إلا أن نصري اعتقد أنه ورفاقه تجري معاملتهم على نحو غير منصف. كان آرسنال قد نجح للتو في إنزال الهزيمة بتشيلسي على ملعب ستامفورد بريدج، لكن قبل المباراة التالية - وكانت مباراة لآرسنال على أرضه أمام ويغان أتلتيك علقت لاحقاً في الأذهان بسبب المعاملة السيئة التي تعرض لها مدافع آرسنال الإيفواري إيمانويل إيبوي من جانب الجماهير - اشتكى نصري من الانتقادات القاسية والظالمة التي تعرض لها آرسنال من قبل الصحافة.
اليوم، مرت تسع سنوات على هذا الموقف، وربما يرى نصري الآن، الذي كان في الـ21 حينها، أن تلك كانت الأيام التي كانت تجري خلالها الإشارة إليه باعتباره «زيدان الجديد»، وكانت أمامه آنذاك أسباب أقل بكثير تدعو للقلق. على النقيض تماماً، عايش اللاعب قبل رحيله إلى تركيا حالة أشبه بالتيه، وحاول مانشستر سيتي، دمجه مع باقي عناصر الفريق إلى حين إبداء نادي آخر رغبة جادة في ضمه إليه. والسؤال الواضح هنا: كيف تردى الحال على هذا النحو بالنسبة للاعب لا يزال يبدو صغيراً على مثل هذا التراجع الحاد في مكانته؟
وقبل انضمامه إلى صفوف أنطاليا سبور التركي، تمثل القلق الأكبر الذي يساور نصري في قضية تناول المنشطات التي يواجهها، التي يشرف عليها «يويفا»، والتي تظل كسيف على رقبته في أعقاب العلاج الذي قال إنه تلقاه في عيادة بلوس أنجليس العام الماضي. ورغم أن مانشستر سيتي لم يعلن قراره بخصوص اللاعب إلا قبل فترة قصيرة، فإن الأمر كان غامضا، وكان السؤال الملح هو هل هناك ناد آخر سيبدي أي اهتمام بضم اللاعب ما دام ظلت تلوح في الأفق احتمالية التعرض لعقوبة الحرمان من اللعب لفترة طويلة.
وربما يتضح لاحقاً أن نصري ببساطة جفاه الحظ، لكن الصورة الأكبر تشير إلى أنه يميل إلى جلب المشكلات لنفسه. في الواقع، لم يشهد الدوري الممتاز خلال السنوات القليلة الماضي سوى القليل من الشخصيات التي تشبهه من حيث إثارة المشكلات. في الواقع، أحد الأمور القليلة المؤكدة بخصوص نصري موهبته. وجدير بالذكر هنا أنه منذ ثلاث سنوات فقط، أثار نصري إحباط روبرت مانشيني جراء عدم الاتساق في أدائه لدرجة دفعت مدرب مانشستر سيتي السابق لإعلان أن ثمة رغبة تراوده «لتوجيه لكمة» إلى اللاعب. أما تحت قيادة المدرب مانويل بيليغريني، فقد استعاد نجوميته من جديد. ومن يدري ربما ينجح نصري في التألق مرة أخرى مع الفريق التركي، لكن ثمة مؤشرات توحي بأن الجسور احترقت بينه وبين أقرانه في الفريق بسبب ما اعتبروه غطرسة من جانبه خلال فترة ما قبل انطلاق الموسم الجديد.
من ناحية أخرى، فإن التذمر الذي أبداه نصري تجاه وسائل الإعلام في ديسمبر (كانون الأول) 2008 بعد شهر من إحرازه هدفين خلال مباراة انتهت بفوز ناديه آرسنال على مانشستر يونايتد، كشف النقاب عما هو أعمق من الوجه الذي بدا عليه اللاعب في ذلك الوقت. حقيقة الأمر، أن نصري شخصية حساسة سريعة التأثر يحرص على قراءة المراجعات والتعليقات التي تتناول أداءه، وعادة ما يظهر رد فعل تجاهها. وتجلت هذه السمة في شخصيته في حادثة التراشق بالألفاظ التي وقعت بينه وبين صحافي فرنسي أثناء بطولة «يورو 2012» أسفرت عن خروجه من المنتخب.
من جانبه، عبر فيكاش دوراسو، اللاعب الفرنسي الدولي السابق والذي يعي تماماً حجم الاغتراب الذي قد يصيب البعض داخل عالم كرة القدم، عن حالة نصري بدقة وتعاطف بقوله في إطار مقال صحافي كتبه منذ خمسة أعوام: «آمل فحسب عندما يختار الاعتزال، أن يدرك نصري حينها متعة العمل الجماعي». وكانت تلك ملحوظة ذكية للغاية نظراً لأن نصري واجه اتهامات واسعة بعدم احترام تيري هنري بتعمده الجلوس على مقعده في حافلة المنتخب الفرنسي، وعلى ما يبدو نادراً ما يسير نصري مع الحشود. في عالم كرة القدم، لا يخدمك ذلك كثيراً، وربما نبعت معاناة نصري داخل الملعب بسبب كونه لاعبا لا يمكن للمدرب بناء هجمة حوله.
داخل آرسنال، تنافس نصري سعياً للظهور وجذب الأنظار في مواجهة سيسك فابريغاس وروبين فان بيرسي، ونجح بالفعل في التفوق على الاثنين خلال موسم رائع له عامي 2010 - 2011 وداخل مانشستر سيتي، كان يميل نصري لتقديم أفضل أداء لديه عندما يتعرض ديفيد سيلفا، اللاعب الأقل توهجاً، لكنه أكثر تناغماً مع باقي عناصر الفريق، للتهميش.
في الواقع، لم يحظ نصري قط بالمكانة التي رأى أنها تناسب إمكاناته وقدراته، الأمر الذي لم يترك دوماً تأثيراً إيجابياً. ومن بين أحدث الأمثلة على ذلك البطاقة الحمراء التي نالها بعد تعرض إشبيلية، النادي الذي شارك معه على سبيل الإعارة، للتراجع أمام ليستر سيتي في دور الثمانية ببطولة دوري أبطال أوروبا، الأمر الذي شوه الفترة الجيدة التي قضاها في إسبانيا.
ويرسم كل ما سبق صورة لاعب أناني يتعذر الاعتماد عليه ويعاني من سوء الحظ، نظراً لأنه فيما يتعلق بالأفكار المبتكرة دائماً ما بدا نصري أكثر اتقاداً عن الكثير من اللاعبين الآخرين. الملاحظ أنه خلال المواسم الأولى له في إنجلترا، كان نصري عادة ما يتحدث على نحو ينم عن معرفة كبيرة ووضوح فيما يخص اللاعبين الآخرين والفرق، ولم يكن أحد ليجرؤ على اتهامه بالجهل بكرة القدم، بل وربما يكون السبب الجوهري وراء محنته الحالية مغالاته في التفكير، بينما يشرع الآخرون ببساطة في التكيف مع المهام الموكلة إليهم.
وسيحتاج نصري إلى شخص يتميز بشخصية مشابهة للعمل معه كي يتمكن من تحقيق ما كان يبدو ممكناً أمامه منذ عقد مضى. كما أنه بحاجة لأن يحيط نفسه بأشخاص يهتمون بأمره بصدق. الواضح أن اسم نصري شارف على الاختفاء تماماً في ظل تألق أسماء أخرى في المنتخب الفرنسي مثل كيليان مبابي وعثمان ديمبيلي على النحو الذي توسمه الكثيرون في نصري لدى بداياته. وداخل إنجلترا، يتنقل لاعبون من أصحاب مهارات أدنى منه بكثير بين الأندية مقابل مبالغ تضاهي أضعاف ما سيتطلبه انتقاله من مانشستر سيتي.
قال نصري عبر حسابه بموقع شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر»: «فصل كبير من مسيرتي الاحترافية انتهى الآن... أود التقدم بالشكر لكل فرد عملت معه خلال فترة وجودي بمانشستر سيتي، أشكركم». وقضى نصري ستة مواسم مع مانشستر سيتي شارك فيها في 176 مباراة وسجل خلالها 27 هدفا.
اليوم، ما تزال الفرصة سانحة أمام نصري لتجنب أن يصبح اسما من الماضي. أما إذا اقترف مزيدا من الأخطاء، فإن تعرضه لعواصف من النقد القاسي سيصبح بمثابة السيناريو المألوف في مسيرته الكروية.