بخل مالك توتنهام يدفع نجومه للرحيل

ثمة قصة تتردد كثيراً داخل مانشستر يونايتد ربما توجز السبب وراء اتباع الإدارة السابقة في يونايتد سياسة تقوم على رفض الدخول في أي صفقات تجارية مع توتنهام هوتسبير، وتأكيد سير أليكس فيرغسون ذات مرة أن الجراحة التي خاضها في الفخذ كانت تجربة ألطف بالنسبة له من محاولة الوصول إلى أرضية مشتركة مع رئيس نادي توتنهام داني ليفي عندما يتعلق الأمر بالمال. وتعود هذه الفكرة إلى موسم لاعب خط الوسط لوكا مودريتش الأخير مع توتنهام عندما تلقى فيرغسون معلومات تفيد بأن اللاعب الكرواتي ربما يكون سعيداً بالانتقال إلى مانشستر يونايتد لسد الفراغ الناجم عن اعتزال بول سكولز.
في ظل الظروف العادية، كان مودريتش سيبدو اللاعب النموذجي لهذه المهمة، لكن الظروف آنذاك لم تكن عادية على الإطلاق؛ ذلك أن فيرغسون لم ينس قط مشقة تجربة التعامل مع ليفي في خضم ملحمة طويلة دارت حول انتقال البلغاري ديمتري بيرباتوف، والتي أطلق عليها فيرغسون «مسلسل ديمتري بيرباتوف الذي لا ينتهي».
وعندما أثار المدرب الأمر مع ديفيد جيل، الرئيس التنفيذي آنذاك لمانشستر يونايتد، خلص الرجلان نهاية الأمر إلى أنهما يفتقران إلى القوة اللازمة لخوض مثل هذه التجربة المريرة من جديد. ورغم مثالية مواصفات مودريتش، عجز الاثنان عن تقبل فكرة خوض عملية مفاوضات جديدة مع رئيس نادي توتنهام.
وبالنظر إلى الشخصيات الإدارية على صعيد كرة القدم الإنجليزية ككل، من الصعب العثور على أي شخص آخر يملك سمعة مشابهة لسمعة ليفي فيما يخص قدرته الأسطورية على دفع الأشخاص الذين يتفاوض معهم إلى نقطة الانفجار. من جانبه، نظر فيرغسون إلى مودريتش باعتباره واحداً من أفضل اللاعبين من حيث القدرة على تمرير الكرة، وبعد خمس سنوات، ربما لا يزال رأيه كما هو دونما تغيير. ومع ذلك، فضّل هو وجيل الاكتفاء بموقف المتفرج بينما ينتقل اللاعب إلى ريال مدريد، بدلاً عن محاولة إعادة فتح قنوات اتصال مع توتنهام.
جدير بالذكر، أن جيل كان قد سبق له التفاوض مع ليفي من قبل، ونقل بيلي وايلدر عنه قوله متحدثاً إلى ليفي: «لقد سبق وأن التقيت الكثير من الشخصيات العنيدة، لكنك تتسم بصلابة رأس استثنائية». ولا يعتبر ذلك بالأمر السيئ بالضرورة، وبخاصة عندما نضع نصب أعيننا أنه منذ وقت ليس بالبعيد انهالت الإشادات على ليفي لنجاحه في الجمع ما بين ميزانية صحية وفريق كان بمقدوره اقتناص بطولة الدوري الممتاز. وبوجه عام، يشير سجل ليفي إلى أنه رجل يتخذ من الإجراءات الصائبة ما هو أكثر بكثير عن الأخرى الخاطئة. كما أنه لا يرضخ أمام أي شخص، والمؤكد أنه لا يشعر بالرضا عن المحاولات التي بذلها أحد لاعبيه خلال الأيام الأخيرة للضغط عليه.
المؤكد أن داني روز أبلى بلاءً حسناً داخل الملعب، ويملك دراية جيدة بتكتيكات كرة القدم الحديثة. وعلى ما يبدو، يرغب اللاعب في الانتقال إلى ناد آخر، ويود الإسراع من وتيرة هذه العملية. وتكمن الأهمية الكبرى هنا في قراءة ما بين السطور، وفي حالة روز يبدو أنه بدأ لتوه عملية طويلة الأمد من المغازلة والتودد بينه وبين مانشستر يونايتد. في الواقع، أقدم روميلو لوكاكو على أمر مماثل الموسم الماضي. كما اعتمد لويز سواريز على الخدعة ذاتها، وإن كان بذكاء أقل بكثير، عندما حاول الانتقال بالقوة من ليفربول إلى برشلونة، في الوقت الذي ربما يفكر فيليبي كوتينيو في اتباع تكتيك مشابه إذا ما راودته رغبة حقيقية في سلك الطريق ذاته. ويعرف هذا الأسلوب بمجال الصفقات التجارية باسم «ممارسة ألاعيب». ومع أن كوتينيو ربما لا تروق له هذه الفكرة، لكن تظل الحقيقة أن الوقت ينفد أمامه، ومثلما ذكر ستيفين غيرارد، فإنه عند هذه المرحلة يبدو الأمر مسألة «أي نمط من الحروب لديك الاستعداد لإشعاله».
بالنسبة لروز، من الواضح أنه اختار إطلاق الرصاص. وعليه، فإنه لا ينبغي له الشعور بدهشة كبيرة إذا وجد نفسه في مشكلات جمة مع مسؤولي النادي. ومع هذا، بدا أن هناك تغييرا إيجابيا في سياسة النادي عندما تمكن من قراءة مقابلة كاملة مع لاعب دونما تدخل من المسؤول الصحافي بالنادي بحذف أي من الأجزاء الحساسة. بيد أنه من وجهة نظر النادي، تسببت هذه المقابلة في مشكلة كبرى عشية انطلاق الموسم الجديد وثارت علامات استفهام حول التوقيت ـ على أقل تقدير. وعليه، لا يمكن لروز ادعاء الشعور بالدهشة إزاء تعرضه لعقاب من النادي في صورة خصم أجر أسبوعين.
من ناحية أخرى، تضمن حديث اللاعب مع صحيفة «الصن» عددا من الحقائق. ومن المؤكد أن ليفي سيكون قد أخطأ كثيراً في تقدير الموقف لو أنه لم يستشف من هذه المقابلة أن ثمة سيناريو محتملا يدور حول شروع بعض من لاعبيه، وبخاصة مع احتلال الفريق المركزين الثالث والثاني على الترتيب خلال الموسمين الماضيين في بطولة الدوري، في طرح مثل تلك التساؤلات التي أثارها روز خلال المقابلة.
وعند إمعان النظر في حجم الأموال التي أنفقتها أندية الدوري الممتاز على انتقالات اللاعبين خلال السنوات الخمس الأخيرة، سنفاجأ جميعاً بأن توتنهام يأتي في ذيل القائمة. وتشير الأرقام إلى أن توتنهام أنفق 253.9 مليون جنيه إسترليني على ضم لاعبين جدد إلى صفوفه خلال تلك الفترة، بينما حصد 321.4 مليون جنيه إسترليني من وراء اللاعبين الذين باعهم؛ ما يجعله واحداً من ثلاثة أندية فقط (بجانب ساوثهامبتون وسوانزي سيتي) حققوا أرباحاً صافية. ويعني ذلك أنه في المتوسط، جنى النادي 13.5 مليون جنيه إسترليني في الموسم الواحد.
وبالنظر إلى الأندية التي تحتل مرتبة متقدمة على هذا الصعيد، نجد أن متوسط صافي إنفاق مانشستر سيتي على اللاعبين الجدد خلال فترة السنوات الخمس ذاتها بلغ 110 ملايين جنيه إسترليني، أعقبه مانشستر يونايتد (87.4 مليون جنيه إسترليني)، ثم آرسنال (47.6 مليون جنيه إسترليني)، ومن بعده تشيلسي (26.8 مليون جنيه إسترليني)، وليفربول (22 مليون جنيه إسترليني)، وكريستال بالاس (21.9 مليون جنيه إسترليني). حتى هدرزفيلد تاون، الذي يشارك في الدوري الممتاز للمرة الأولى منذ عام 1972، أنفق مبالغ في موسم الانتقالات الحالي أكثر من توتنهام الذي احتل المركز الثاني بالدوري الممتاز الموسم الماضي.
الأغرب من ذلك، أن بيرتون ألبيون، الذي احتل المركز الـ20 في دوري الدرجة الثانية (تشامبيونليغ) أنفق في المتوسط أكثر عن توتنهام. وجاء اعتذار روز بمثابة مجرد خطوة تقليدية تستلزمها قواعد العلاقات العامة. والمؤكد أن ثمة لاعبين آخرين داخل توتنهام بمقدورهم فعل ما هو أكبر عن ذلك. وبطبيعة الحال تخالجهم تساؤلات حول ما إذا كانت هناك مغامرات أكبر يمكنهم خوضها في أماكن أخرى.
ومن المؤكد كذلك أنهم لن يشعروا بالرضا إزاء حقيقة أنهم النادي الوحيد في الدوري الممتاز الذي بدأ الموسم الجديد دون إبرام صفقة انتقال واحدة. الملاحظ أن غالبية الأندية الأخرى تفضل إنجاز صفقاتها في أسرع وقت ممكن. في المقابل، يبدو أن ليفي يشعر بحافز غريب من فكرة أن السعر سيتبدل إذا ما حافظ على رباطة جأشه وانتظر طويلاً. وعليه، ينجز الكثير من الصفقات في وقت متأخر.
في كتابه «الصفقة»، يسرد جون سميث قصة حياته بوصفه وكيل أعمال للاعبي كرة قدم، وقد أوجز هذا الأمر على نحو رائع بقوله: «أتذكر إجراء دانييل اتصالاً هاتفياً في السادسة صباحاً في اليوم الأخير لإحدى سوق الانتقالات، وانطلاقه في الحديث بنبرة حماسية وسؤاله: (حسناً، ما الذي سنفعله اليوم؟)» وبالفعل، نجح سميث في إنجاز الصفقة التي انتقل هاري ريدناب بمقتضاها من بورتسموث إلى توتنهام عام 2008، لكنه اختلف مع ليفي حول مبلغ 50.000 جنيه إسترليني بسبب العمولة. في النهاية، وافق ليفي على دفع المبلغ الإضافي شريطة أن يشتري سميث، أحد عاشقي آرسنال، مقصورة خاصة داخل استاد وايت هارت لين معقل توتنهام، مقابل 48.000 جنيه إسترليني.
بالتأكيد يكشف هذا الموقف الكثير عن أسلوب تفكير ليفي. وتشير الأرقام إلى أنه على امتداد مواسم الانتقالات الصيفية الـ10 الماضية، ضم توتنهام إليه 44 لاعباً إلى صفوف الفريق الأول، وجرى إتمام 20 من هذه الصفقات بعد انطلاق الموسم. وانتقل 17 من هؤلاء اللاعبين إلى ناديهم الجديد في اليوم الأخير من موسم الانتقالات أو خلال الـ48 ساعة السابقة له. وعلى ما يبدو، فإن هذه الاستراتيجية ستنجح مع روس باركلي لاعب إيفرتون أيضاً. والمؤكد أن مثل هذه الاستراتيجية لا تجعل الحياة يسيرة أمام المدرب أو الفريق ككل.
ومع ذلك، فإن المشكلة الأكبر تكمن بالتأكيد في أن اللاعبين عاينوا للتو ارتفاع راتب زميلهم كايل ووكر لأكثر من الضعف بانتقاله إلى مانشستر سيتي، وأصبحوا مدركين على نحو متزايد، مثلما أوضح روز، لفكرة أنهم يتقاضون أجوراً ضئيلة مقارنة بأقرانهم في الأندية الأخرى التي تحتل ترتيباً متقدماً في جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز، بل والكثير من الأندية الأخرى الأقل من هذا المستوى.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هاري كين يعتبر اللاعب صاحب الأجر الأعلى على مستوى النادي؛ ذلك أنه يتقاضى 100.000 جنيه إسترليني أسبوعياً. ورغم أن هذا المستوى للأجر يعتبر جيداً، فإنه يشكل الحد الأدنى للأجور داخل أندية كبيرة أخرى مثل تشيلسي أو مانشستر يونايتد، وقرابة ربع ما سوف يتقاضاه أليكسيس سانشيز - 325.000 جنيه إسترليني أسبوعياً بجانب بعض الحوافز الأخرى - إذا ما نجح مانشستر سيتي في إقناع آرسنال في السماح له بالرحيل. أما غالبية لاعبي توتنهام الآخرين، بمن فيهم روز وإريك داير والحارس هوغو لوريس، فتتراوح أجورهم بين 60.00 و75.000 جنيه إسترليني. واللافت أن أندية أخرى مثل بورنموث وستوك سيتي وكريستال بالاس بإمكانها دفع أجور أعلى عن ذلك.
ماذا يخبرنا ذلك؟ أولاً، ما ينبغي أن نكون جميعاً مدركين له بالفعل: أن توتنهام حقق نجاحاً يفوق مكانته في ظل قيادة المدرب ماوريسيو بوكيتينو. وقد نجح المدرب الأرجنتيني في إثبات أن بمقدور توتنهام الفوز على الأندية بالغة الثراء، لكن ليفي في حاجة بالتأكيد إلى التفكير طويلاً وجدياً بشأن إقرار زيادة كبيرة في أجور اللاعبين، وإلا سيواجه مخاطرة اتساع رقعة حركة التمرد داخل الفريق. في الواقع، يجب على إدارة النادي تقديم شيء للاعبين؛ ذلك أنه بغض النظر عن دوافع اللاعبين - وسواء كنت تنظر إلى مطالبهم بزيادة الأجور باعتبارها تنم عن جشع أو غيرة - تظل الحقيقة القائمة أن رجال بوكيتينو يتقاضون مبالغ هزيلة مما يمكنهم الحصول عليه في ناد آخر. ولا بد أن ليفي أدرك أن هذه الحقيقة ستأتي حتماً، والآن وبعد أن أصبح أمامها وجهاً لوجه، سيكون من الخطأ أن يفترض أن هذا الأمر يتعلق بلاعب واحد فحسب.
في الواقع، لا يعدو روز كونه اللاعب الذي جرؤ على إعلان صوته بالاعتراض أولاً، لكن ليفي عنيد للغاية في تعامله مع الشؤون المالية لدرجة لا ينبغي أن يشعر معها أي شخص بالدهشة إذا ما اختار الوقوف ساكناً حيال ما يجري. هنا تكمن النقطة الرئيسية. هل سيقر مسؤولو توتنهام بأنهم كانوا يبخسون لاعبيهم حقهم ويسعون لإصلاح الوضع؟ وهل بمقدورهم تحمل تبعات الامتناع عن ذلك، مع العلم أن ثمة موجة من السخط تتعاظم خلف الستار؟
وأثار روز، الذي ابتعد عن الملاعب لمدة ستة شهور بسبب إصابة في الركبة، الجدل عقب مقابلته مع صحيفة «الصن» التي أكد فيها تقاضيه مع زملائه رواتب لا تتناسب مع إمكاناتهم، وانتقد سياسة النادي للتعاقدات الجديدة. وقال خلالها إنه سيبحث انتقاله إلى ناد آخر في حال تلقيه العرض المناسب. وقال للصحيفة «مثل أي لاعب آخر بالفريق ومن وجهة نظري أنا أستحق أكثر مما أتقاضاه من أموال. لا أقول إني أريد الرحيل، لكن لو تلقيت عرضا لن أتردد في الكشف عن وجهة نظري مع أي شخص بالنادي. «هناك شيء واحد مؤكد هو أني أستحق أكثر مما أحصل عليه، وسأتأكد حينها من حصولي على ما أستحق. لا أتحدث بدلا من لاعبين آخرين، لكن هذه وجهة نظري».
من ناحية أخرى، ومع بداية الموسم الجديد للدوري الإنجليزي، ربما تكون هذه فرصة مناسبة لنتذكر كيف طرح الكاتب الرياضي المخضرم ديزموند هاكيت، في مقال له في صحيفة «ديلي إكسبريس» في عصرها الذهبي، تغطيته أحد مواسم توتنهام خلال الحقبة التي شارك خلالها بيل نيكلسون، بالسطر الافتتاحي التالي: «توتنهام هوتسبر، الذي كان ذات يوم ملكاً متوجاً دونما منازع لشمال لندن، بل ومجمل إنجلترا وأوروبا، لا يزال يتحسس طريقه بحثاً عن المجد الضائع». كان ذلك في 15 أغسطس (آب) 1970، ولا تزال هذه العبارة قابلة للتطبيق على النادي يومنا هذا، رغم مرور ربع قرن. وبالنظر إلى الأسلوب الذي بدأ به النادي موسمه الجديد، يبدو من الصعب تخيل أن هذا العام سيشهد التغيير المنشود في صفوفه.