«على خطى ريكمنز»... رحلة علمية لتوثيق محتوى أول رحلة أثرية في السعودية

رحلة علمية فريدة؛ تطلقها السعودية، على خطى أول بعثة أثرية في وسط وجنوب الجزيرة العربية، لإعادة تصور وتوثيق المحتوى العلمي لنتائج الرحلة الاستكشافية والتجربة التي أحصت كثيراً من «المعثورات والمأثورات»، وكشفت عن استيطان جزيرة العرب على مدى آلاف السنين. إعادة تصور علمي لتاريخ السعودية، ومناطقها الزاخرة بالتراث والآثار، تحييها الرحلة الجديدة بعد مضيّ نحو 74 عاماً من البعثة التي حظيت بدعم الملك عبد العزيز، واعياً بقيمتها العلمية وأثرها المعرفي، في توثيق جوانب من النقوش والكتابات القديمة في المملكة.

وأطلقت هيئة التراث في السعودية مشروع الرحلة العلمية، بالتعاون مع «دارة الملك عبد العزيز» وجامعة «لوفان» وجامعة «لوفين» البلجيكيتين، وذلك احتفاء بالبعثة البلجيكية، بصفتها أولى البعثات الاستكشافية الأثرية التي جرت في عهد الملك عبد العزيز، وقام بها مجموعة من الباحثين البلجيكيين المختصين من جامعة «لوفان»؛ هم: كونزاك ريكمنز أستاذ اللغات السامية في جامعة لوفان، وفيليب ليبينز الخبير في تخطيط الرسوم والآثار القديمة والنقوش، وجاك ريكمنز المختص في علم اللغة المقارن وعلم النصوص القديمة، والتاريخ الحميري والسبئي، وترأسها عبد الله فيلبي، واستمرت نحو 4 أشهر بين عامي 1951و 1952.

اهتمام أصيل بالتراث

ويشهد قطاع التراث نهضة استثنائية غير مسبوقة، تتوج جهود حفظ وصون التراث الذي أولته المؤسسات السعودية المعنيّة بشأنه اهتماماً كبيراً منذ أول بعثة آثارية في السعودية، حظيت بدعم ومساندة الملك عبد العزيز آل سعود، الذي وجّه بالموافقة على إجراء البعثة، وتحمل جميع تكاليفها، وتشمل المأكل والتنقلات والمصاريف الأخرى على نفقته الخاصة، كما وجّه أمراء المناطق بتسهيل مهام البعثة وتيسير عمل فريقها العلمي.

وفي منتصف الستينات، صدر الأمر السامي بإنشاء إدارة مختصة في الآثار والمتاحف لدى وزارة المعارف (التعليم)، وقد شهدت مجموعة تطورات وتبلورات حتى تأسيس «المجلس الأعلى للآثار» عام 1972. وفي 2003 ثم في 2008 انتقلت اختصاصات قطاع الآثار إلى الهيئة العليا للسياحة، وأصبح جزءاً من اسمها ومهامها، وحظي القطاع بتطور مهم ولافت، قبل أن ينتقل بشكل كامل إلى وزارة الثقافة عام 2020 ويلتزم بالاستراتيجية الوطنية للثقافة التي بثّت روحاً جديدة في القطاع تواكب حجم الثراء والغنى الذي تتمتع به السعودية عبر تاريخها.

يقطع فريق سعودي وبلجيكي مشترك أكثر من 5400 كيلومتر على خطى ريكمنز في مختلف مناطق السعودية (واس)

5 آلاف كيلو من البحث والتوثيق

وعلى خطى «ريكمنز»، وهو عنوان المشروع العلمي الفريد، يقطع فريق سعودي وبلجيكي مشترك، أكثر من 5400 كيلومتر في مناطق غرب وجنوب ووسط السعودية، التي كانت جغرافياً المسوح العلمية لأول بعثة استكشافية للآثار، وكانت تاريخياً مسرح كثير من ملاحم التاريخ وأيام الإنسان القديمة.

ويقوم المشروع بتوثيق مسار الرحلة، وما ضمّته من بحوث عن الآثار والنقوش وتصويرها وتسجيل الملحوظات اليومية لأفرادها، ويشارك عدد من الخبراء والمختصين فـي البحث العلمي والآثار والتاريخ القديم لتوثيق مسار البعثة التي تنطلق من مدينة جدة، وتعبر مجموعة من المدن السعودية، وصولاً إلى العاصمة الرياض، مُجهزة بأحدث الإمكانات والأجهزة والتقنيات والدعم اللوجيستي لإنجاح مهمتها. وسيعمل المشروع على تحويل النصوص والوثائق الخاصة بيوميات البعثة من الكتابة بخط اليد إلى الصيغة الرقمية، وترجمتها من اللغة الفرنسية إلى اللغتين العربية والإنجليزية تمهيداً لنشرها على نطاق واسع، وإصدار فيلم وثائقي عن مجريات البعثة الحديثة وربطها ببعثة «ريكمنز» القديمة، وإصدار كتاب تذكاري عن البعثة وأبرز نتائجها، باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والهولندية. ويسعى المشروع إلى زيادة الاهتمام بتوثيق النقوش والكتابات القديمة في المملكة، وتحفيز المجتمع للاهتمام بالتراث والمحافظة عليه، وزيادة الوعي بالتراث الوطني، وتعزيز جهود مكافحة أعمال التخريب للمواقع الأثرية، واستجلاء التغيرات الاجتماعية والثقافية وأيضاً البيئية في السعودية على مدى 7 عقود.