التسويق جعل ​صعود قمة «إيفرست» أسهل وأكثر جذباً

عندما انطلق كامي ريتا شيربا في أول رحلة استكشافية له إلى جبل إيفرست في عام 1992، اضطر إلى الترحال لفترة تقترب من شهر، من أجل الوصول إلى معسكر قاعدة إيفرست. وبسبب عدم وجود رحلات جوية منتظمة إلى «لوكلا» في ذلك الوقت - وهي بلدة صغيرة تقع في شمال شرقي نيبال، وهي تعد اليوم نقطة انطلاق شهيرة لتسلق أعلى قمة في العالم - اضطر فريقه إلى التحرك لفترة استمرت عدة أسابيع من «جيري»، وهي بلدة تقع على بعد نحو 190 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة كاتمندو، من أجل الوصول إلى معسكر القاعدة.

وفي ظل عدم وجود أي فنادق أو مقاهٍ على طول الطريق، اضطر أعضاء المهمة إلى الطهي لأنفسهم باستخدام مواقد الكيروسين، أو حتى كانوا يستخدمون في بعض الأحيان الأعلاف المجففة لإعداد وجباتهم.

خيام لمتسلقين في قاعد لجبل إيفرست (أ.ف.ب)

وفي ذلك الوقت، كانت الرحلات الاستكشافية تستغرق ما يصل إلى 90 يوماً، يقضي خلالها المشاركون ما يقرب من شهرين في الارتحال.

ويقول شيربا: «في الوقت الحاضر، صارت هذه الأمور شيئاً من الماضي. يمكنك الآن الهبوط بشكل مباشر في المعسكر الأساسي، وطلب أي طبق - تقريباً - تطلبه في الفنادق ذات الخمس نجوم في كاتمندو». ويضيف: «إذا أتيح المال لدى المرء، فإنه يمكنه الحصول على كل شيء تقريباً داخل المعسكر الأساسي الذي يمكن الحصول عليه في كاتمندو، من حيث الإقامة المريحة والطعام الرائع الشهي وخدمة الإنترنت والمرافق الطبية».

ويعني توفر الفنادق والنزل والمروحيات ومقاهي بيع الشاي، بالإضافة إلى العشرات من الرحلات اليومية إلى «لوكلا»، أن الرحلات الاستكشافية إلى إيفرست في الوقت الحالي، تستمر بالكاد لأكثر من نحو 45 يوماً.

وتعكس شهادة شيربا تأثير التسويق لصناعة التسلق في ظل زيادة حجم الاستثمارات في المنطقة، مما جعل التسلق أسهل كثيراً على مر العقود. ومع ذلك، فإن ارتفاع التكاليف يعني أنه صار من الممكن تحقيق المغامرة بشكل متزايد فقط من جانب نادٍ حصري مقصوراً على الأثرياء الذين يستطيعون إنفاق آلاف الدولارات للوصول إلى أعلى قمة في العالم.

متحف لمخلفات جبل إيفرست

بجانب كون إيفرست صاحب أعلى قمة جبل في العالم فهو أيضا صاحب أعلى قمة مليئة بالمخلفات في العالم! فقد ترك المغامرون 140 طنا من القمامة على مدار السنوات، كما تركوا خلفهم كل شيء من الخيام المكسورة وقناني المياه الفارغة ناهيك عن 40 طنا من البراز البشري وأكثر من 300 جثمان.
والآن يريد المدافعون عن البيئة استخدام تلك القمامة بشكل جيد فيما من المقرر أن يفتح متحف الهيمالايا والمتنزه المستدام أبوابه في وقت لاحق من العام الحالي.
وقال فينجو شيربا رئيس المشروع لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) إن الفكرة وراءه هي لفت الانتباه إلى المشكلة الهائلة التي يعانيها إيفرست مع القمامة.
ويوضح شيربا ان "الفكرة هي تحويل المخلفات غير القابلة للتدوير والصلبة التي جرى جمعها من جبل إيفرست إلى تماثيل وأعمال فنية ومنتجات تصميم". ويضيف أن المتحف الذي من المتوقع أن يكون جاهزا في أواخر 2021، سوف يعمل مع الفنانين المحليين والأجانب لتحويل القمامة إلى فن على أن يكون هدفه طويل المدى هو خلق صناعات منزلية في المنطقة. مبينا أن فكرة المتحف جاءت بعد العمل مع فنانين في عامي2011 و2012 تطوعوا لإعادة تدوير المخلفات إلى عمل فني. وجرى عرض تلك الأعمال الفنية فيما بعد في كاتماندو والسويد.
ويؤكد شيربا "جعلنا المعرض ندرك أن مثل تلك الأعمال الفنية يمكن أن تساعد حقا في نشر رسالة إيجابية". ويضيف أن الأمر مهم للغاية بالوضع في الاعتبار أن إيفرست غالبا ما يتصدر عناوين الأخبار كموقع مخلفات بسبب
زيادة نسبة التلوث فيه.

تزايد الجاذبية

اجتذبت قمة إيفرست، وهي الأعلى في العالم بارتفاع 8848.86 (8849) متراً فوق مستوى سطح البحر، عدداً متزايداً من المتسلقين خلال الأعوام الأخيرة، حتى في ظل استمرار ارتفاع التكاليف المرتبطة برسوم التصاريح وخدمات الرحلات الاستكشافية. وقد أدى ذلك، بالإضافة إلى وجود أمور أخرى، إلى حدوث مشاكل مثل التكدس والتلوث.

وعلى مدار العقود الثلاثة الأولى منذ تسجيل أول عملية صعود ناجح إلى قمة إيفرست على أيدي تينزينج نورجاي وإدموند هيلاري في عام 1953، لم ينجح سوى 158 شخصاً، من بينهم 30 مرشداً، في تسلق القمة، بحسب قاعدة بيانات الهيمالايا.

طائرة هليكوبتر تُظهر قمة جبل إيفرست أعلى جبل في العالم (أ.ف.ب)

ومنذ ذلك الحين، صار هناك ارتفاع فلكي في أعداد المتسلقين، مع ظهور رحلات استكشافية تجارية. وحتى الآن، تم تسلق قمة إيفرست أكثر من 11 ألفا و341 مرة، بينها 5721 مرة بواسطة مرشدين من نيبال والصين.

كما شهدت الأعوام الأخيرة ارتفاعاً حاداً بشكل خاص في أعداد المتسلقين، حيث عادة ما كان يتسبب وجود عدد متزايد من المتسلقين مع نوافذ الطقس القصيرة، في حدوث اختناقات مرورية بالقرب من القمة. وحصل 325 متسلقاً على تصاريح لتسلق جبل إيفرست في عام 2022، بحسب بيانات وزارة السياحة. أما في عام 2023، فقد بلغ العدد 478 متسلقاً بحلول مايو (أيار).

الطريق إلى قمة إيفرست... طوابير طويلة وضحايا

ظلت قمة جبل إيفرست الهدف المنشود لمتسلقي الجبال، حيث حاول الكثيرون الوصول لها ولكن قلة سجلت هذا الإنجاز. كان هذا الحال في العقود الماضية، ولكن إيفرست هذه الأيام أصبح مزدحماً لدرجة كبيرة جداً، حتى إن المتسابقين أصبحوا يصطفون في طوابير طويلة عليه لانتظار الوصول للقمة.
ومع ذوبان الثلوج بفضل الاحتباس الحراري، ظهرت للعيان مناظر حزينة لجثث من حاولوا الوصول من قبل وتوفوا على تلك الممرات الجبلية الوعرة ودفنتهم الثلوج. وبالأمس انضم محامٍ أميركي إلى عداد موتى إيفرست بعد نجاحه في الوصول للقمة، وهو ما أوصل مجموع من توفوا على الجبل إلى 11 شخصاً في 2019. وحسب ما ذكرت «سي إن إن»، فالمحامي الأميركي كريستوفر جون كوليش (62 عاماً) توفي أول من أمس الاثنين بعد وصوله للقمة من الجانب النيبالي، وأثناء هبوطه أصيب بالإعياء وتوفي على الفور. وحسب بيان لعائلته فإن كوليش تسلق الجبل مع مجموعة من الأصدقاء وشاهد منظر الغروب من القمة وسجل اسمه على قائمة السبعة الذين نجحوا في الوصول لقمم سبعة جبال في قارات العالم.
ويوم السبت الماضي، توفي متسلق بريطاني اسمه ربوت هاينز فيشر بعد أن أصابه الوهن والضعف الشديد، بحيث لم يعد قادراً على نزول الجبل، وقال مسؤولون إنه ثامن متسلق يموت على أعلى قمة في العالم والثامن عشر الذي يتوفى في الهيمالايا خلال موسم التسلق الحالي. وقال مسؤولون إن غالبية الوفيات نجمت عن الإعياء والإجهاد وفترات التعطل والتأخير على الطريق المزدحم إلى القمة التي يبلغ ارتفاعها 8850 متراً.
وحسب التقارير المتوالية عن اندفاع الكثيرين لتسجيل أسمائهم على قائمة من تسلق ومن نجح في الوصول لقمة إيفرست، فيبدو أن الأمر قد تحول لعملية سياحية بحتة من قبل شركات السياحة من جانب دولتي نيبال والتبت، مما نتج عن ازدحام كبير سجلته الصور والأفلام. وكان المتسلق البريطاني فيشر قد وجه رسالة تحذيرية لمن ينوي المغامرة، قال فيها إن الصاعدين للقمة يقابلون الازدحام الذي قد يتسبب في وفاة البعض، وأضاف على موقع «انستغرام» يوم 19 مايو (أيار) الحالي أنه ينوي تسلق الجبل مرة أخرى، ولكن القدر شاء أن يتوفى بعد معاناته من تأثير الارتفاع أثناء رحلة العودة من القمة.
وحسب التقرير فإن جموع من المتسلقين يواجهون التعطل والانتظار في طوابير طويلة صاعدة للقمة في منطقة أطلق عليها اسم «منطقة الموت» بسبب انخفاض الأوكسجين. ومن جانبه، يرجع دليل إيفرست أدريان بالينغر لـ«سي إن إن» أن الكثيرين يرون في تسلق إيفرست «التحدي الأكبر»، ولكن المشكلة التي يراها دائماً تكمن في «قلة خبرة المتسلقين، وأيضا في الشركات التجارية التي تقدم خدمات لهم. وقلة الخبرة من الجانبين تسببت في صور الازدحام التي نراها اليوم حيث يتخذ المتسلقون قرارات خاطئة توقعهم في مشكلات ضخمة وهم أعلى الجبل تتسبب في وفيات يمكن تفاديها. وأضاف بالينغر: «المتسلقون المحترفون يعرفون أن أي منطقة على الجبل على ارتفاع 26 ألف قدم فما أعلى تعتبر «منطقة موت»، فهو مكان لا يصلح للإنسان، وحتى عندما يحضر المتسلق معه أنبوبة أكسجين وأخرى إضافية، فإن لديه عدداً قليلاً من الساعات من الحياة حتى تبدأ أجهزة الجسم في التوقف، وهو ما يعني أنه إذا وجد المتسلق نفسه محصورا في طابور بشري على ارتفاع 26 ألف قدم فإن النتائج ستكون وخيمة».
من جانب آخر، وصف أحد المتسلقين مناظر الموت والفوضى على قمة إيفرست حيث يمضي المتسلقون في طريقهم للقمة متخطين جثث متسلقين لقوا حتفهم على الجبل، بحسب تقرير لصحيفة «غارديان». وقال المتسلق ومخرج الأفلام إليا سيقلي للصحيفة إنه وصل لعتبة هيلاري على الجبل (التي سميت باسم السير إدموند هيلاري أول من وصل للقمة) يوم 23 من الشهر الحالي، وقال إنه فوجئ مع إشراقة الفجر برؤية جثة متسلق آخر ولكن لم يكن لديه وللفريق المصاحب له، الذي يضم المتسلقة اللبنانية جويس عزام، سوى الاستمرار في التسلق ليصلوا للقمة بعدها بوقت قصير. يقول سيقلي على صفحته على موقع «انستغرام»، واصفاً أحداث الساعة الأخيرة من رحلة التسلق: «لم أستطع تصديق ما رأيته هناك، الموت والطوابير والجثث المتناثرة على الطريق وفي الخيام، أشخاص حاولوا العودة للوراء ولكن ماتوا. المشي فوق الجثث».
وحسب الصحيفة فموسم تسلق إيفرست هذا العام يعد الرابع في ترتيب الوفيات التي حدثت على الجبل الأشهر، ويلقي المتسلقون باللائمة على الطقس السيئ وعدم خبرة بعض المتسلقين وعدد التصاريح الكبير الذي تصدره الحكومة النيبالية، بالإضافة إلى أن كل متسلق يجب أن يصحبه دليل من نيبال، كل ذلك يعني أن يصل العدد لـ820 شخصاً يحاولون الوصول للقمة. ومن جانبه، علق المتسلق المحترف ديفيد مورتون في حديث لـ«سي إن إن» من معسكره على الجانب التابع للتبت من جبل إيفرست بأن السبب الأساسي لما يحدث هو «عدم الخبرة، ليس فقط من جانب المتسلقين الموجودين على الجبل، ولكن أيضا من الشركات التي تدعمهم. عامة يظل إيفرست يمثل معضلة حقيقية، وأعتقد أنه عندما يكون لديك شركات تتولى مسؤولية اصطحاب المتسلقين لا تتمتع بالخبرة الكافية إضافة إلى متسلقين قليلي الخبرة أيضا، وفوقها نجد أن الحكومة النيبالية لا تضع قيوداً على أعداد الأشخاص، كل تلك العناصر تصبح وصفة مكتملة لحدوث المصائب». ويقول مورتون إنه تسلق الجبل من جانب دولة التبت التي تحدد عدد المتسلقين.
الجدير بالذكر أن عدد من لقوا حتفهم في سعيهم للوصول للقمة منذ عام 1922 بلغ 200 شخص، وأن أغلب الجثث ظلت تحت الثلوج.

ومن جانبه، يقول خيم لال جوتام، وهو متسلق عمل موظف اتصال لتنظيم أنشطة تسلق الجبال في إيفرست، إن الجبل يجذب المتسلقين المحترفين والهواة من جميع أنحاء العالم.

ويقول جوتام: «صار تسلق الجبال في متناول العامة، بفضل وجود المزيد من شركات تنظيم الرحلات الاستكشافية، التي توفر رحلات استكشافية ذات قدر أكبر من الأمان وقدر أفضل من التخطيط»، مضيفاً أن الصناعة «من المرجح أن تستمر في النمو في المستقبل».

ويقول مرشدو ومجموعات الشيربا (مجموعة من السكان تسكن في شرق التبت في نيبال) إن المتسلقين ينجذبون إلى قمة إيفرست بسبب شغفهم بهذه الرياضة، بالإضافة إلى رغبتهم في تحقيق الاسم والشهرة.

وفي الأعوام الأخيرة، تنافس المتسلقون على صعود قمة إيفرست، لكي يكونوا أول من يحقق هذا الإنجاز من دولتهم أو من عرقهم أو من دينهم أو جنسهم أو مجتمعهم.

كما أدت الجاذبية المتزايدة لإيفرست إلى زيادات كبيرة للغاية في التكاليف أيضاً. وفي المتوسط، ينتهي الأمر بالمتسلقين التجاريين إلى إنفاق ما لا يقل عن 40 ألف دولار على الرحلة الاستكشافية، التي تشمل رسوم التصاريح، ورسوم مرشد التسلق، والطعام، والإقامة، ورسوم وكالات الرحلات الاستكشافية الأخرى.

 

تعرف على الشروط اللازمة للسماح للمتسلقين بصعود قمة «إيفرست»

قررت نيبال وضع قواعد وشروط جديدة لصعود جبل إيفرست بعد وفاة 11 شخصاً هذا الموسم خلال تسلقهم له، ليصبح هذا العام رابع أكثر الأعوام دموية على الإطلاق للمتسلقين.
ونقلت شبكة «بي بي سي» البريطانية تقريراً للجنة نيبالية رفيعة المستوى، ضمت مسؤولين حكوميين وخبراء في تسلق الجبال، ذكرت فيه هذه الشروط والقواعد الجديدة.
وأهم هذه الشروط هو ضمان تمتع المتسلقين المحتملين بخبرة سابقة في تسلق القمم قبل منحهم تصريح تسلق «إيفرست»، حيث يجب أن يكونوا قد تسلقوا بالفعل قمة لا يقل ارتفاعها عن 6500 متر (21325 قدماً).
كما أكد التقرير أن على المتقدمين تقديم شهادة لياقة بدنية تثبت مقدرتهم على تسلق الجبل.
ويقترح تقرير اللجنة أيضاً فرض رسوم للتسلق لا تقل عن 35 ألف دولار (29 ألف جنيه إسترليني).
وقال وزير السياحة يوغيش بهاتاري للصحافيين إن هذه اللوائح والقوانين الجديدة، ستجعل تسلق الجبل «آمناً ومنظماً».
وتم إعداد هذا التقرير بعد وفاة 11 شخصاً هذا الموسم خلال تسلقهم لقمة إيفرست، 9 منهم توفوا على الجانب النيبالي من الجبل واثنان على الجانب التبتي، ليصبح هذا العام رابع أكثر الأعوام دموية للمتسلقين.
كما جاء هذا التقرير أيضاً بعد انتقادات واسعة من بعض المرشدين والمتسلقين ذوي الخبرة للقواعد الحالية التي تتيح لأي شخص تسلق إيفرست.
وأصدرت نيبال هذا العام رقماً قياسياً من تصاريح تسلق الجبل، حيث بلغ إجمالي عددهم 381 تصريحاً، وبلغت تكلفة التصريح الواحد 11 ألف دولار، الأمر الذي أثار جدلاً بشأن عدم الاهتمام بتنظيم أفضل لتسلق الجبل مع وجود هذا العدد الكبير من المتسلقين.