«تيك توك» في مهب العاصفة الانتخابية الأميركية

أكثر من مائة وسبعين مليون أميركي، أي قرابة نصف عدد السكان في الولايات المتحدة، يستخدمون تطبيق «تيك توك» الذي يسعى الكونغرس وإدارة جو بايدن جاهدين لفرض قيود عليه. السبب، بحسب التقارير الاستخباراتية الأميركية، هو استغلال الصين لبيانات الأميركيين بشكل يهدد الأمن القومي، ما دفع بالمشرعين في مجلس النواب إلى إقرار مشروع يرغم شركة «بايت دانس» المالكة للتطبيق على سحب استثماراتها منه تحت طائلة حظر التطبيق في الولايات المتحدة.

لكن الطريق أمام هذا المشروع، العالق في مجلس الشيوخ، محفوفة بالعراقيل، وَسط تحذيرات من صعوبة تطبيقه، وانتقادات بانتهاك حرية التعبير، بالإضافة إلى طرحه في موسم انتخابي محتدم، يسعى فيه الحزبان إلى استقطاب أصوات الناخبين الشباب، الغاضبين من مساعي إقراره. يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وشبكة «الشرق»، احتمالات حظر الكونغرس للتطبيق والتداعيات القضائية والدستورية والاجتماعية لمشروع من هذا النوع، وانعكاساته على الموسم الانتخابي.

مجلس الشيوخ وحظوظ الإقرار

يشير مات كيلن، المدير الإداري لمجموعة الضغط (فوغيل) والمستشار السابق في حملات جمهورية رئاسية، إلى الدعم الكبير الذي حصده مشروع «الحظر» في مجلس النواب الذي أقره بأغلبية ساحقة، بلغت 352 صوتاً. ورأى أن هذا يعكس وجود مخاوف عديدة بين المشرّعين الأميركيين حول مسائل أمنية تتعلّق بشركة (بايت دانس) المالكة للتطبيق.

زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر مع زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز (إ.ب.أ)

ويسلط كيلن الضوء على واقع أن الصين لا تسمح باستخدام التطبيق، مضيفاً أن «هذه إشارات تحذير، ويجب إطلاع الشعب الأميركي على الأسباب التي تدفعنا إلى حظر هذا التطبيق»، محذّراً: «من دون شرح تلك الأسباب للشعب الأميركي، سوف يخاطر المشرعون بحظر أحد أكثر التطبيقات شعبية بين المراهقين، لذا من الأفضل أن يقوموا بعمل أفضل في تثقيف الأميركيين حول هذه المخاوف».

وفيما ينظر مجلس الشيوخ في تفاصيل المشروع، تتعالى الاتهامات القائلة بأن المشروع المطروح بنسخته الحالية ينتهك حرية الرأي. هذا ما حذّرت منه جينا ليفنتوف، كبيرة المستشارين في نقابة الحرّيات المدنية الأميركية، التي قالت إن «نصف سكان البلاد يستخدمون (تيك توك)، وتحاول الحكومة حظر التطبيق. وهذا خرق لحقوق التعديل الأول من الدستور لجميع المستخدمين».

وأشارت ليفنتوف إلى أن هؤلاء يستخدمون التطبيق لأعمالهم، أو للتواصل مع بعضهم البعض ومشاركة الأعمال الفنية أو الحديث عن السياسة، مضيفة: «هذه نشاطات يحميها التعديل الأول».

من ناحيتها، تدعو المستشارة السياسية الديمقراطية نيكول برينير شميتز إلى التروي قبل إصدار أحكام مسبقة على المشروع. وتُذكّر بأن وظيفة مجلس الشيوخ حالياً هي تعديل النسخة التي أقرها مجلس النواب. ولهذا السبب، فقد دعا بعض أعضاء المجلس إلى عقد جلسات استماع حول هذه القضية لمناقشتها بشكل علني، مضيفة: «أعتقد أنه من المهم أن يقوم مجلس الشيوخ بعقد جلسات الاستماع، وعرض هذه الأدلة على الشعب الأميركي قبل التصويت على المشروع ونقله إلى مكتب الرئيس، علماً بأن الأخير صرّح بأنه سيوقع عليه».

دعوات إلى الشفافية

وفي خضم هذا النقاش، تُحذّر وكالات الاستخبارات الأميركية من خطر التطبيق، وتتّهم الصين بالسعي لاستغلال بيانات الأميركيين بهدف التجسس عليهم، مع احتمال التدخل في الانتخابات الأميركية عبر السعي إلى تعميق الانقسامات.

تتزايد الدعوات لفرض قيود على كافة وسائل التواصل الاجتماعي (أ.ف.ب)

لكن كيلن يرى أنه من الضروري رفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية التي يطّلع عليها المشرعون، كي يفهم الأميركيون طبيعة التهديد. ويقول إن «أهالي الأطفال الذين يملكون حسابات على (تيك توك) لا يدركون فعلاً حجم المشكلة. فمجتمع الاستخبارات ينقل المعلومات إلى المشرعين، وليس إلى الشعب. لكني أعتقد أن هناك بعض المعلومات التي يمكن رفع السرية عنها، خصوصاً أن للشعب الأميركي الحق بأن يعرف إن كانت هناك مشاكل مع هذا التطبيق. وسيقررون بعد ذلك ما إذا كان عليهم مسح التطبيق بأنفسهم». وأضاف: «دعوا الشعب الأميركي يقرر، لكن يجب أن تقدموا له كافة المعلومات، وهو يملك حرية اتخاذ هذه القرارات».

وبمواجهة هذه المساعي، يتخوّف بعض المشرعين من تعرّض الولايات المتحدة إلى دعاوى قضائية في حال إقرار المشروع، خاصة أنه يخصّ بالذكر شركة (بايت دانس) وتطبيق «تيك توك». هذا ما وافقت عليه ليفنتوف، قائلة: «نتوقع أن يقوم (تيك توك) برفع دعاوى إن تم إقرار مشروع القانون. فقد سبق وأن شهدنا ذلك في ولاية مونتانا، التي حظرت استخدام تطبيق (تيك توك) العام الماضي. وتقدّم المستخدمون برفع دعوى، وقد أصدرت المحكمة أمراً قضائياً أولياً ينص على أنه لا يمكن للولاية أن تطبّق هذا القانون؛ لأنه يخالف التعديل الأول».

«تيك توك» و«كوفيد-19»

تتحدث برينير شميتز عن ضرورة اتساع رقعة النقاش، لتشمل كافة وسائل التواصل الاجتماعي لكنها تشير إلى أهمية (تيك توك) بسبب الجانب الأمني المتعلق بالصين واحتمال تحكمها ببيانات الأميركيين، واستخدامها لها بطريقة تهدد أمن الولايات المتحدة القومي. وأوضحت: «هذا هو الجزء الذي يحتاج إلى جلسة استماع. نحتاج إليه (بوصفنا) جمهوراً أميركياً، لفهم ما يجري هنا، وطرح المسألة في وضح النهار قبل أن يصوت مجلس الشيوخ عليه».

تتهم وكالات الاستخبارات الصين بمحاولة التجسس من خلال «تيك توك» (د.ب.أ)

ويعقب كيلن على قضية التهديد الصيني، فيذكّر بأن غياب الثقة ببكين نشأ منذ أيام جائحة «كوفيد - 19». «الواقع هو أن الحكومة الصينية لا تسمح باستخدام (تيك توك) داخلها، لكن الشركة تدافع بحماسة عالية عن استخدام هذا التطبيق هنا في الولايات المتحدة. ما يعيد إلى الأذهان بدايات جائحة كورونا، حين لم تسمح الصين لمواطنيها السفر إلى ووهان، بينما يسمحون لمن في ووهان بالسفر حول العالم. إن انعدام الثقة الكامل بالحكومية الصينية بعد (كوفيد – 19) هو الذي يدفع الكثيرين إلى التشكيك في نواياها».

لكن ليفنتوف تشير إلى أن إقرار أي مشروع يحظر التطبيق لن يكون فعالاً في عرقلة مساعي الصين في التجسس على الولايات المتحدة. فبحسب قولها، لدى بكين العديد من الطرق للوصول إلى تلك المعلومات. تقول: «إن حظر (تيك توك) هو أمر غير عقلاني على الإطلاق للمحاولة من الحد من هذه المخاطر. الأمر الذي سيكون أكثر فاعلية هو الحصول على قانون فيدرالي للخصوصية يحد من البيانات التي يمكن جمعها كي لا تستخدم ضدنا».

موسم انتخابي محتدم

يتزامن الجدل حول «تيك توك» مع موسم انتخابي محتدم، يتواجه فيها المرشحان الرئيسيان دونالد ترمب وجو بايدن، ويتنافسان على استقطاب أصوات الشباب.

ترمب في حدث انتخابي في جورجيا في 9 مارس 2024 (رويترز)

ويرى كيلن أن بايدن يرسل رسائل متضاربة إلى الأميركيين حيال «تيك توك»، فمن ناحية يدعم مشروع «حظره»، ومن ناحية أخرى ينضم إلى التطبيق لاستقطاب الصوت الشبابي. ويقول: «برأيي، من المحتمل أن يدفع الرئيس بايدن ثمناً باهظاً في حال إقرار المشروع».

من ناحيتها، تُذكّر برينير شميتز بتقلب مواقف ترمب حيال «تيك توك»، فقد سعت إدارته في السابق إلى حظر التطبيق ليعود ويغير من مقاربته مؤخراً، ويحذر من حظره، مشيرة إلى أنه اجتمع مؤخراً بأحد المتبرّعين الكبار لحملته والذي يملك حصة في التطبيق. وتضيف: «هذا مكان يمكن لجو بايدن أن يظهر فيه الفرق بينه وبين دونالد ترمب، وتقديم خيار أفضل للشعب الأميركي حول الشخص الذي سيقود البلاد».

ينتقد البعض انضمام حملة بايدن إلى «تيك توك» بالتزامن مع دعمه لحظر التطبيق (إ.ب.أ)

لكن كيلن يعارض هذه المقاربة، ويرى أن ترمب غيّر من موقفه لأنه «هو بنفسه تعرض للحظر من قبل وسائل التواصل الاجتماعي عندما كان رئيساً للولايات المتحدة»، مضيفاً: «تم حظر ترمب من قبل (تويتر) و(فيسبوك) و(إنستغرام)، ورأى أن هذه مشكلة. وبرأيي هذه أحد الأسباب التي تجعله يعارض هذا الحظر».

ووجه كيلن انتقادات لاذعة لبايدن حيال تعاطيه مع المسألة، لافتاً إلى تأييد بايدن الحظر، رغم امتلاكه حساباً على «تيك توك».