فرنسا الخائفة من هجمات في الأولمبياد تستنفر ضد إسلامييها

من بين كل الدول الأوروبية، تبدو فرنسا الأكثر تخوفاً من تعرضها لعمليات إرهابية في الأسابيع والأشهر المقبلة، خصوصاً بمناسبة فعاليات الألعاب الأولمبية التي تستضيفها باريس وعدد من المدن الكبرى ما بين 16 يوليو (تموز) و11 أغسطس (آب).

وخلال هذه الفترة التي ستشهد تدفقاً استثنائياً أجنبياً إلى فرنسا، ستكون باريس قبلة العالم. ولذا، فإن السلطات السياسية والأمنية على السواء تبدو قلقة من استغلال تنظيمات إرهابية المناسبة للقيام بعمل إرهابي من شأنه إفساد الحدث الرياضي من جهة، وإبراز العجز الفرنسي عن المحافظة على الأمن والسلامة العامة من جهة ثانية، فضلاً عن تمكين الإرهابيين من الحصول على فرصة ترويجية تعيد إثبات حضورهم على المستوى الدولي.

جندي فرنسي يقوم بدوريات أمام محطة سكة حديد سان لازار بباريس 25 مارس 2024 قبل 4 أشهر من دورة الألعاب الأولمبية (أ.ف.ب)

ومنذ العمل الإرهابي الذي ضرب موسكو يوم الجمعة الماضي، عاد الهم الإرهابي إلى واجهة الاهتمامات الفرنسية. لكن تجدر الإشارة إلى أنه لم يغب عنها تماماً؛ لأن فرنسا ومنذ عام 2015، بقيت على لائحة الأهداف الإرهابية. ومنذ ذلك التاريخ سقط 273 شخصاً، وجرح عدة مئات... فيما يعد الهجوم على ملهى «الباتاكلان»، مساء 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 الأكثر دموية؛ إذ أدى إلى مقتل 90 شخصاً وإصابة العشرات. وتبنى «تنظيم داعش» الإرهابي، الهجوم، والهجمات الأخرى التي ضربت باريس وضاحيتها في تلك الفترة.

اليوم، يلوح التهديد الإرهابي مجدداً وعنوانه، كما في 2015، «داعش»، ولكن هذه المرة فرع آخر «داعش - ولاية خراسان» الذي ارتكب مجزرة الجمعة الماضي في روسيا.

ووفق مصادر أمنية فرنسية، فإن مقتلة موسكو تبين أن التنظيم المذكور «قادر على القيام بعمليات خارج نطاق أنشطته الطبيعية (أي أفغانستان وباكستان...)، وأن ما حصل في روسيا يمكن أن يحصل في أي مكان آخر وفي أي عاصمة أوروبية». من هنا، مسارعة المسؤولين الفرنسيين إلى قرع ناقوس الخطر، والإكثار من الاجتماعات للبحث في التدابير والإجراءات الضرورية لدرء الخطر المتوقع بعد أن عمد «مجلس الدفاع والأمن» الذي التأم الأحد الماضي في قصر الإليزيه، إلى رفع درجة التأهب الأمني إلى المرتبة الأعلى.

ويجري فرض هذه المرتبة لفترة زمنية محدودة أثناء إدارة الأزمات. وأهم ما فيها أنها تسمح بتعبئة الموارد الأمنية بشكل استثنائي، بما في ذلك الاستعانة بوحدات من الجيش، كما تتيح نشر المعلومات التي يمكن أن تحمي المواطنين. ومن الناحية العملية، فإنها تمكن القوى الأمنية من تفتيش الأفراد والسيارات على مداخل الإدارات العامة والمدارس، وفرض حماية مشددة لأماكن العبادة والمدارس والمناطق الحساسة.

أتال يصافح اثنين من العسكريين خلال تفقده الإجراءات الأمنية المعمول بها في محطة سان لازار في باريس للقطارات (إ.ب.أ)

وليل الثلاثاء - الأربعاء، استفاد غبريال أتال، رئيس الحكومة من جلسة البرلمان، ومن سؤال وجه إليه بشأن التهديدات الإرهابية، ليشرح مجدداً الخطة التي تسير عليها الحكومة، والتدابير التي اتخذتها لدرء المخاطر المتزايدة التي تحيق بفرنسا... وإذ ذكر أتال أن القوى الأمنية نجحت في إبطال 45 مخططاً إرهابياً منذ عام 2017، بينها مخططان خلال الأشهر الثلاثة المنقضية، أكد أن «التهديد الإرهابي الإسلاموي ما زال يطأ بثقله على بلادنا، وما زال قوياً وحقيقياً، كما أنه لم يتراجع أبداً».

وأضاف رئيس الحكومة، أن «الشر الذي نواجهه هو الإسلاموية... الإسلاموية هي دوامة تبدأ بالحقد وتنتهي بالتدمير. فلنعمل لحرمانها من أي لحظة لاستعادة أنفاسها... وإزاء التهديد الذي لا يضعف، فإن عزمنا لا يهون وتعبئتنا كاملة، ولذا لن نتخلى أبداً عن حذرنا في مواجهة عدو سيأخذ كل شبر نتنازل عنه من الأرض. علينا أن نكون مستعدين لكل السيناريوهات، ولا نستبعد أياً منها. هذا ما نفعله كل يوم مع خدماتنا. علينا أن نكون في كل مكان وفي كل الأوقات».

رئيس الحكومة غبريال أتال يلقي كلمته أمام الجمعية الوطنية مساء الثلاثاء (أ.ف.ب)

إزاء هذه المخاطر، فإن أولوية الأولويات بالنسبة للدولة هي «حماية الفرنسيين»، الأمر الذي تعكسه التدابير التي باشرتها الحكومة، برفع مستوى التأهب الأمني إلى الحد الأقصى، ونشر القدرات الأمنية الإضافية، وتعزيز الحضور الأمني في الأماكن الحساسة مثل المدارس، وأماكن العبادة وأماكن التجمهر الكثيف في الساحات والشوارع، والاستعانة بمزيد من عناصر القوات المسلحة (4 آلاف عنصر) سينضمون إلى العناصر الـ3000 المعبأة سابقاً في إطار المهمة المسماة «سنتينيل»، ليدعموا ويساندوا عمل الشرطة والدرك وأجهزة المخابرات. وهؤلاء جميعاً «سيكونون إلى جانب الفرنسيين، في قلب المدن، ومقابل محطات القطارات وصالات المسارح وأماكن العبادة، ومعاً سيعملون على حماية حياتنا اليومية».

وأضاف أتال: «فيجيبيرات، (Vigipirate) وهو الاسم المعطى منذ سنوات لقوات الحماية الأمنية، ستكون درعنا لمواجهة الإرهاب الإسلاموي، وكلما ارتقى حذرنا الجمعي، كانت هذه الدرع أقوى».

وفي كلمته، استعرض رئيس الحكومة القوانين التي سنت منذ وصول ماكرون إلى رئاسة الجمهورية في عام 2017 وأهمها ثلاثة: الأول، صدر في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام المذكور، وهو يركز على محاربة الإرهاب، ويؤسس لتدابير إضافية لمواجهته، والثاني رأى النور عام 2021 لمواجهة «الانفصالية الإسلاموية»، والثالث نهاية العام الماضي، ويتيح مزيداً من الإجراءات لمراقبة الهجرة غير الشرعية وطرد المخالفين.

الرئيس إيمانويل ماكرون الاثنين يتفقد مع وفده المرافق حالة الغابات في إقليم «غويانا» الفرنسي بمناسبة زيارة قام بها (أ.ف.ب)

والانفصالية كما تراها فرنسا تعني «انغلاق» الإسلاميين، والابتعاد عن قواعد العلمنة، وإقامة بيئة خاصة بهم وتحكمها قوانينهم. وشرح أتال كيف مكنت القوانين المستحدثة من «إغلاق المساجد الراديكالية وتعزيز الرقابة»، ومراقبة الهجرات غير الشرعية، وتسهيل طرد الأجانب غير المؤهلين للبقاء على الأراضي الفرنسية، أو الموصوفين بالراديكالية والتطرف.

ومن هؤلاء، تم طرد 760 شخصاً العام الماضي إضافة إلى ترحيل عدد من الأئمة.... وخلاصة أتال، أن «يدنا لن ترتجف أبداً، لا إزاء الإرهاب ولا إزاء الإسلاموية».

والواضح من خلال كلمات رئيس الحكومة وتصريحات مسؤولين آخرين، أن باريس تتخوف من إرهاب مزدوج: الأول مقبل من الخارج، وذلك على غرار ما عرفته من عمليات إرهابية في عامي 2015 و2016. وهذا الإرهاب كان اسمه في السابق «القاعدة» و«تنظيم داعش في العراق والشام» واليوم اسمه «تنظيم داعش - ولاية خراسان». والثاني، داخلي واسمه «الإرهاب الإسلاموي»، والطريق التي تمهد له وتقود إليه، هي «الانفصالية الإسلاموية».

وسبق أن شرح جيرالد درامانان، وزير الداخلية، في كلمة له الاثنين الماضي، مصادر التهديد الإرهابي الداخلية التي يندرج تحتها من يسمون «الذئاب المتوحدةّ» أو «المنفردة» ممن يعملون من غير مشغل خارجي. ويضاف إليهم الإسلامويون المخضرمون الذي ذهبوا إلى ميادين القتال في سوريا والعراق، ومنهم من عاد إلى فرنسا وأدخل السجن، وبعضهم سيخرج منه.

صورة تخيلية لحفل افتتاح الألعاب الأولمبية حول مجرى نهر السين الذي يقسم باريس إلى قسمين (أ.ف.ب)

وثمة من يسمي هؤلاء «القنبلة الإرهابية الموقوتة»، وبين هؤلاء وأولئك، ثمة مجموعة «هجينة»، بمعنى أنها تعيش في المجتمع الفرنسي، وهي على تواصل مع تنظيمات خارجية تعمل وفق أجندتها.

إزاء ما سبق، يمكن «تفهم» القلق الفرنسي الرسمي وأحياناً الشعبي، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل التدابير التي اتخذتها وتتخذها الحكومة كافية؟ الجواب جاء الاثنين على لسان الرئيس ماكرون الذي كان في زيارة «إقليم غويانا» الفرنسي الواقع على الحدود الشمالية الشرقية للبرازيل، حيث رد على سؤال عن احتمال حصول عمل إرهابي أثناء الألعاب الأولمبية بقوله: «نحن نقوم بكل ما هو ضروري، ونوفر الكثير لأجهزة المخابرات والدرك والعسكريين». وأضاف: «هل يمكن الهبوط بالمخاطر إلى درجة الصفر؟ الحقيقة كلا. هذا غير موجود في الحياة».