لبنان: جهود لتأليف الحكومة قبل ذكرى الاستقلال

الخارجية والدفاع بين «القوات» و«الوطني الحر».. الداخلية لـ«المستقبل» والمال لبري

سعد الحريري أثناء مغادرته قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون حيث كلفه تشكيل الحكومة أول من أمس (أ ف ب)
سعد الحريري أثناء مغادرته قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون حيث كلفه تشكيل الحكومة أول من أمس (أ ف ب)
TT

لبنان: جهود لتأليف الحكومة قبل ذكرى الاستقلال

سعد الحريري أثناء مغادرته قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون حيث كلفه تشكيل الحكومة أول من أمس (أ ف ب)
سعد الحريري أثناء مغادرته قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون حيث كلفه تشكيل الحكومة أول من أمس (أ ف ب)

انتهت الاستشارات النيابية غير الملزمة في لبنان يوم أمس، بمطالب وزارية لن يكون تحقيقها سهلا على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري. وهذا مع أن الرئيسين يؤكدان حرصهما على تشكيل حكومة «وحدة وطنية جامعة» رغم محاولات رفع بعض الأفرقاء السقف للحصول على أكبر حصة ممكنة، وهو الأمر الذي يرجّح التوجّه إلى «حكومة ثلاثينية» (من 30 وزيرا) عبر إضافة حقائب «وزراء دولة» لإرضاء مختلف الأطراف.
وفي ضوء جرعات التفاؤل والإيجابية التي أطلقها الحريري بعيد الانتهاء من الاستشارات يوم أمس، تشير مصادر مطلعة إلى بذل جهود لولادة الحكومة قبل ذكرى الاستقلال التي تحل في 22 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، علّها تكون مناسبة لإعادة صورة الدولة اللبنانية الجامعة بعد سنتين على غيابها بفعل الشغور في الموقع الرئاسي، وهو الأمر الذي لن يكون سهل التحقّق. وكان الحريري قد أجاب عند سؤاله عن هذا الأمر بالقول: «إن شاء الله إذا تمكنا جميعا من التعاون، فإننا نأمل في ذلك، ولمَ لا»، بينما ردّ رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة عن السؤال نفسه بالتأكيد على أن «الاستقلال قبل كل شيء».
في هذه الأثناء، صرّحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» بـ«أن التوجّه هو لحكومة من 30 أو 32 وزيرا بحد أقصى، ومن المرجّح أن تُمنح فيها وزارتا الخارجية والدفاع للمسيحيين، الأولى لـ(حزب القوات اللبنانية) والثانية لـ(التيار الوطني الحر) (عون)، والداخلية والمالية للمسلمين، الأولى لـ(تيار المستقبل) يتوقّع أن تبقى في يد وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق، والثانية لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يبدو أنه سيتخذ قراره بالمشاركة مع حليفيه (ما يسمى «حزب الله» ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية)». وأكّدت المصادر أن حصة الرئيس - أي عون - في الحكومة ستكون منفصلة عن «التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه. وأشارت في هذا الإطار إلى أن هذا الأمر لا يختلف عن وضع رئيس الحكومة الذي سيتمثل بحصته بشكل منفصل عن حصة «تيار المستقبل»، موضحة أنه «بذلك وإضافة إلى وزراء (التيار الوطني الحر) الذين من المتوقع أن يكون عددهم 4 وزراء في حكومة ثلاثينية، فسيكون لرئيس الجمهورية 4 وزراء أيضا، من المرجّح أن يختارهم من (التكنوقراط) أو شخصيات حيادية يكون لها دور فعال في عمل هذا العهد».
الحريري، بعد انتهائه من لقاءاته النيابية وقبل التوجّه للاجتماع برئيس الجمهورية لإطلاعه على نتائج الاستشارات، قال: «سأبدأ بالعمل سريعا لإنجاز تشكيل الحكومة.. نحن إيجابيون بالتعاون مع القوى السياسية كافة، من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني يُشارك فيها أكبر عدد من الكتل السياسية». وتابع: «اللبنانيون يريدون حكومة تبدأ بالعمل فورًا، وهذه هي إرادتنا جميعا باعتبارنا مسؤولين وقوى سياسية، والله ولي التوفيق». ثم أشار إلى أنه «لا (فيتو) على أحد، كما أنه ليس هناك أي قوى سياسية تضع نفسها في هذا الموقف»، في ردّه على سؤال عمّا إذا كان هناك من «فيتو» على «القوات اللبنانية» بعدم تسلّمها حقائب أمنية.
من جهة أخرى، أكّدت مصادر في «القوات اللبنانية» أنها لا تقاتل للحصول على وزارة محددة، بل تطالب بحقّها بتمثيل يناسب حجمها. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الأجواء ممتازة وتشكيل الحكومة لن يطول لا سيما أن الرئيسين، عون والحريري، يبذلان جهدهما لتكون حكومة جامعة، أما إذا تعذّر ذلك نتيجة مطالب بعض الأحزاب والشخصيات التي تفوق حجمها، فسيكون التوجّه لحكومة متجانسة لتبقى المعارضة خارجها». وشدّدت على أنه «ليس للقوات (فيتو) على أحد، إنما برأينا أن قوة الحكومة هي بتجانسها لتكون فعالة، ودور المعارضة هو المراقبة والمحاسبة». وحول كلام أمين عام ما يسمى «حزب الله»، حسن نصر الله، يوم أمس، الذي طلب خلاله من «التيار الوطني الحر» عدم المشاركة في الحكومة إذا لم يشارك برّي، عبّرت المصادر عن استغرابها من هذا الأمر، في وقت رفض فيه برّي انتخاب عون، ولم يستطع أو لم يُرد نصر الله التأثير عليه في هذا الإطار. وتساءلت: «هل يعني ذلك أن يكون التيار معارضا لعهد يرأسه عون؟» ورأت في ذلك دليلاً على هشاشة تركيبة «8 آذار» التي انقسمت في الرئاسة والآن في الحكومة، في وقت أثبت فريق «14 آذار» ولا سيما المكونان الرئيسيان له (أي «المستقبل» و«القوات») أنهما ملتحمان أكثر من ذي قبل.
للعلم، كان الحريري قد التقى يوم أمس عددا من النواب والكتل، أبرزها: «كتلة الوفاء والمقاومة» (ما يسمى «حزب الله»)، التي قال رئيسها النائب محمد رعد: «لم نطرح موضوع الحقائب والتوزيعات والأعداد، ولكننا اتفقنا على آلية لمتابعة هذا الموضوع». وشدّد على ضرورة «تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لا تستثني أحدا، تكون أولويتها الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين وتعزيز الوضع الأمني»، مضيفًا: «نريد قانون انتخاب جديد يُحقق العدالة للجميع، ولم نطرح موضوع الحقائب، لكننا اتفقنا على وضع آلية لدرسها». وعن مسألة «ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة» وتضمينها في البيان الوزاري، قال رعد: «الأمر أصبح متجاوزا والأمور ماشية بهذا الاتجاه».
كذلك، كان لقاء مع «كتلة المستقبل» التي دعا رئيسها الرئيس فؤاد السنيورة إلى «المسارعة في إنجاز عملية التشكيل»، وقال: «المشاورات مهمة على مسار إعداد الصورة النهائية للحكومة، وهذا الأمر يستدعي المساعدة من الجميع، وكان هناك حرص شديد على أن تكون هذه الحكومة قادرة على العمل كفريق عمل متجانس، وتمنينا لدولة الرئيس أن تكون هذه المرحلة ناجحة وتؤمّن فريق عمل، ويتم إنجازها في أقرب فرصة ممكنة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».