قدمت فرنسا أمس مؤشرات على «تحول تدريجي» باتجاه التعاون مع النظام السوري برئاسة بشار الأسد، عندما لمح وزير خارجيتها لوران فابيوس إلى إمكانية الاستعانة بالجيش الموالي للأسد في قتال تنظيم داعش، لتنضم بذلك إلى موقف ألماني مشابه. ورغم بعض «التراجع» في كلام لاحق لفابيوس قال فيه إن «التعاون مع القوات الحكومية السورية في قتال (داعش) يمكن أن يحدث فقط في إطار انتقال سياسي جاد في سوريا»، أكدت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» أن كلام الوزير الفرنسي يأتي في سياق «تدرج» فرنسي قد ينتهي بإعلان التعاون مع النظام السوري في عملية مكافحة التنظيم المتطرف.
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية أمس، في برلين إنه «هناك توافق بين جميع الشركاء على ضرورة الحفاظ على هيكل الدولة السورية». وأضاف المتحدث الألماني قائلا إنه «إذا توافق النظام مع المعارضة بشأن مستقبل الدولة، فسيمكنهما العمل بصورة أقوى بكثير ضد ما يسمى تنظيم الدولة»، مشيرًا إلى أن هذا ليس له علاقة بمسألة مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد. وأكد المتحدث أنه (الأسد) «لن يكون جزءًا من حل دائم للمشكلة».
وستنضم ألمانيا للحملة العسكرية ضد تنظيم داعش في سوريا بنشر طائرات من نوع تورنادو لأغراض الاستطلاع وطائرات للتزود بالوقود وفرقاطة بعد طلب مباشر من حليفتها الوثيقة فرنسا لفعل المزيد، لكن ليس لدى ألمانيا أي خطط للانضمام لفرنسا والولايات المتحدة وروسيا في شن غارات جوية بسوريا. وقالت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير ليين للصحافيين بعد اجتماع مع نواب برلمانيين أمس: «اتخذت الحكومة قرارات صعبة لكنها مهمة ولازمة. يجب أن نقف مع فرنسا التي تعرضت لاعتداء بهذه الهجمات الوحشية من (داعش)».
ويتوقع أن ترسل برلين ما بين أربع وست طائرات تورنادو وتوفير دعم بالأقمار الصناعية وطائرات لإعادة التزود بالوقود في الجو وفرقاطة للمساعدة في حماية حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول التي أرسلت إلى شرق البحر المتوسط لدعم الغارات الجوية في سوريا والعراق. وقال هيننغ أوته عضو البرلمان عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه ميركل - وهو أيضا المتحدث باسم الحزب في شؤون الدفاع - لـ«رويترز» إن الحكومة تهدف لإعداد مسودة بالتفويض الجديد ليكون جاهزا بحلول يوم الثلاثاء المقبل وتسعى لإقراره في البرلمان الألماني بنهاية العام الحالي.
وقد أثار كلام فابيوس جدلا خاصة بعد ترحيب وزير الخارجية السوري وليد المعلم به، فسارعت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» للبناء على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، معتبرة أن «الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس دفعت فابيوس إلى الإقرار بأهمية مشاركة الجيش العربي السوري في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي على الأرض»،
وأكّد نائب رئيس الائتلاف المعارض هشام مروة ثبات الموقف الفرنسي رغم كل الضغوطات التي تتعرض لها باريس وآخرها الاعتداءات الإرهابية التي أدّت لسقوط مئات القتلى والجرحى. وقال مروة لـ«الشرق الأوسط» إن فرنسا لا تزال تتمسك بوجوب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد حتى قبل انطلاق المرحلة الانتقالية، لافتا إلى أن حديث فابيوس «تم تحويره باعتبار أنّه كان بمثابة نوع من المساءلة للروس عن جدوى اعتمادهم على القوات الموالية للأسد لمحاربة داعش».
وأشار مروة إلى أن الشريك الذي تطالب به الدول الكبرى لمحاربة الإرهاب على الأرض موجود لكنّه لن يتبلور إلا خلال المرحلة الانتقالية، حيث ستلتف جميع القوى حول الهيئة الانتقالية وستتفرغ لمحاربة «داعش» وأمثاله. وقال: «الجيش الحر والفصائل المعتدلة مشغولة حاليا ومنهمكة في حربين، حرب على النظام وأخرى على (داعش)، أمّا وبعد إسقاط الأسد فعندها ستتفرغ جميعها لقتال الإرهابيين». وأضاف مروة: «أن نطلب من هذه القوى أكثر من ذلك في المرحلة الراهنة غير منطقي على الإطلاق، خاصة أنّها تتعرض اليوم لحرب شرسة من قبل الروس وحزب الله وغيرهم ما يستدعي إعطاء الأولوية لهذه المعركة، علما بأن جبهات أخرى لا تزال مشتعلة مع داعش في الوقت عينه».
وأوضح مروة، أنه وبما يتعلق بدور الجيش السوري بعد إسقاط الأسد: «فلا شك ستكون الأولوية لإعادة هيكلة هذا الجيش الذي تم اختراقه وتقسيمه مع بروز ميليشيا قوات الدفاع الوطني وحزب الله السوري وغيرها من الميليشيات»، لافتا إلى أن «هناك من تلطخت يداه بالدماء وسيحاسب في هذا الجيش، بالمقابل هناك كفاءات عسكرية لا تزال مضطرة للاستمرار رغما عنها ولم تقتل الشعب السوري وبالتالي سنحفظ لها موقعها في المستقبل».
وفي وقت سابق بدا وكأن فابيوس يشير لإمكانية الاستعانة بالقوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد في قتال «داعش»، وهو إعلان سيشكل انحرافا عن الموقف الغربي بضرورة رحيل الأسد عن السلطة. وقال فابيوس متحدثا لإذاعة «آر تي إل» إنه من أجل مكافحة تنظيم داعش «هناك مجموعتان من الإجراءات: عمليات القصف.. والقوات البرية التي لا يمكن أن تكون قواتنا، بل ينبغي أن تكون قوات الجيش السوري الحر وقوات عربية سنية، ولم لا؟ قوات للنظام والأكراد كذلك بالطبع».
وفي تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، قال فابيوس لاحقا إن إمكانية مشاركة قوات الرئيس بشار الأسد في مكافحة تنظيم داعش لا يمكن طرحها إلا «في إطار الانتقال السياسي»، مشيرا إلى أن هذه المشاركة ممكنة «في سياق الانتقال السياسي وفي سياقه حصرا». لكنه أكد مرة جديدة لإذاعة «آر تي إل» أن الأسد «لا يمكن أن يمثل مستقبل شعبه». وقال فابيوس إن الهدف العسكري «الأول» في مسألة محاربة تنظيم داعش يبقى الرقة، معقل المتشددين الواقع في شمال سوريا الذي يتعرض لحملة قصف جوي مركزة من الطائرات الحربية الروسية والفرنسية منذ أيام. وتابع فابيوس أن الرقة هي «بنظرنا أحد الأهداف العسكرية الأولى أن لم يكن الهدف الأول لأنه المركز الحيوي لداعش الذي انطلقت منه الاعتداءات ضد فرنسا».
وأوضح فابيوس أن «الرئيس بوتين طلب منا وضع خريطة للقوى غير الإرهابية التي تقاتل داعش»، و«تعهد ما إن نرفع إليه هذه الخريطة، وهو ما سنقوم به، بعدم قصفها، وهذا في غاية الأهمية». ولزم فابيوس الحذر في حديثه عن مسألة تهريب النفط من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، غداة تجديد موسكو اتهام تركيا بعدم القيام بأي مساع لوقف حركة التهريب هذه عبر حدودها، ما يسمح للمتشددين بالحصول على تمويل. وقال الوزير الفرنسي «ثمة شاحنات تنطلق من مجموعة من المواقع التي يسيطر عليها (داعش) وتذهب بحسب ما لاحظنا في اتجاهات مختلفة»، ذاكرا منها تركيا. وأضاف أن «الحكومة التركية تقول لنا (لست على علم بذلك)». وتابع فابيوس «يقال أيضا إن قسما من هذا النفط يعاد بيعه إلى بشار الأسد»، مضيفا: «لدينا شكوك».
وفي بيان لاحق لتوضيح الموقف الفرنسي، أكّد فابيوس «تعاون جميع القوات السورية وبينها الجيش السوري ضد (داعش)، محل ترحيب بالتأكيد... لكني كررت على الدوام أنه سيكون ممكنا فقط في إطار انتقال سياسي».
ورحب المعلم بتصريحات نظيره الفرنسي، مؤكدا أن بلاده «مستعدة للتنسيق مع «أي قوات تتشاور معها لمكافحة الإرهاب». وقال المعلم خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو «إن كان فابيوس جادا في التعامل مع الجيش السوري والتعاطي مع قوات على الأرض تحارب داعش فنحن نرحب بذلك»، مشيرا إلى أن ذلك «يتطلب تغييرا جذريا في التعاطي مع الأزمة السورية».
باريس وبرلين تفتحان الباب أمام شراكة مع «قوات الأسد» في قتال «داعش»
مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»: موقف فرنسي متدرج نحو «التعاون» مع قوات النظام
باريس وبرلين تفتحان الباب أمام شراكة مع «قوات الأسد» في قتال «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة