بوتفليقة يطيح بقائد المخابرات «الحاكم الخفي» في الجزائر منذ ربع قرن

في خطوة وصفت بالأكبر والأهم في عهد الرئيس

بوتفليقة يطيح بقائد المخابرات «الحاكم الخفي» في الجزائر منذ ربع قرن
TT

بوتفليقة يطيح بقائد المخابرات «الحاكم الخفي» في الجزائر منذ ربع قرن

بوتفليقة يطيح بقائد المخابرات «الحاكم الخفي» في الجزائر منذ ربع قرن

في مفاجأة من العيار الثقيل أنهى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أمس، مهام قائد جهاز المخابرات الفريق محمد مدين بعد 25 سنة من شغله المنصب، شهدت خلالها الجزائر تعاقب 6 رؤساء جمهورية على الحكم و12 رئيس حكومة، في أحدث خطوة لكبح جماح نفوذ مدين على الساحة السياسية، الذي يسمى بصانع الزعماء السياسيين، والحاكم الخفي للجزائر.
واعتبر سياسيون ومراقبون جزائريون، قرار بوتفليقة الأكبر والأهم طوال عهده، حيث فشل جميع الرؤساء الذين سبقوه في زحزحة مكانة مدين الذي يشتهر على نطاق واسع باسم «توفيق». ويلعب مدين، بحسب الخبراء والمراقبين السياسيين منذ وقت طويل دور «صانع الزعماء السياسيين» من خلال السعي للتأثير على اختيارات القيادة من وراء الكواليس. وكان مدين معارضا للولاية الثالثة والرابعة لبوتفليقة، وجرت بينهما حرب باردة منذ وقت طويل، لم يكن الرئيس قادرا على اتخاذ قرار بشأنه، بينما كان مدين يزعج الرئاسة بمظاهرات واحتجاجات تقوم بها فئات كانت السلطات تعرف من الذي يقف وراءها. وأفلح بوتفليقة أخيرا في إزاحة عدوه اللدود من منصبه، بعد أن كان أجرى خطوات مهدت لقراره الخطير، الذي لا يعرف حتى الآن، نوع ردة الفعل التي ستنجم عنه.
ومن بين الخطوات التي اتخذها بوتفليقة، لتقليل نفوذ مدين، هي إبعاد الجيش وجهاز المخابرات العسكرية عن الساحة السياسية قبل إعادة انتخابه في أبريل (نيسان) من العام الماضي، وقام بحل الإدارات التابعة للمخابرات، وتقليص مهمام البعض الآخر، كما قام بإقالة الكثير من الضباط، ومن بينهم الجنرال حسان رئيس مديرية مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز المخابرات (الأمن والاستعلامات).
وتخضع التغييرات في الأجهزة الأمنية لمتابعة دقيقة في الجزائر. وأعيد انتخاب بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة في أبريل (نيسان) من العام الماضي لكنه لا يظهر علنا إلا نادرا منذ تعافيه من جلطة دماغية عام 2013 مما يذكي تكهنات وسائل الإعلام بشأن قدرته على القيام بمهامه خلال ولايته التي تنتهي عام 2019. وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية «أنهى رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني عبد العزيز بوتفليقة مهام رئيس دائرة الاستعلام والأمن الفريق محمد مدين الذي أحيل على التقاعد». ومباشرة بعد إعلان الخبر قام الفريق قايد صالح رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع بتنصيب القائد الجديد للمخابرات اللواء عثمان طرطاق.
وبحسب مصدر أمني رفيع فإن الفريق مدين المعروف بالجنرال توفيق كان قدم استقالته منذ عشرة أيام على الأقل وقبلها بوتفليقة أمس. واللواء عثمان طرطاق (70 سنة) المشهور بالجنرال بشير هو المستشار الأمني للرئيس بوتفليقة وقبلها كان مديرا للأمن الداخلي بالمخابرات. وعمل مع الفريق توفيق في قيادة عمليات مكافحة الإرهاب في وسط البلاد خاصة، قبل أن يغادر الجهاز في بداية سنوات 2000 مع تطبيق سياسة المصالحة الوطنية والعفو عن المئات من المتشددين المسلحين. وأكد المصدر أن جهاز المخابرات الذي عرف عدة تغييرات في الأشهر الماضية سيعرف هيكلة جديدة تجعله تحت السلطة المباشرة لرئيس الجمهورية بدل وزير الدفاع.
والفريق مدين (76 سنة) اشتهر باسم «الجنرال توفيق» فقط، ولم يسبق له أن ظهر في وسائل الإعلام حتى إن الجزائريين لا يعرفون شكله كما لم يسبق له أن أدلى بأي تصريح. ومنذ صيف 2013 بدأت حملة التغييرات في جهاز المخابرات من خلال تجريده من الكثير من صلاحياته التي استحوذ عليها خلال 25 سنة من قيادة الفريق مدين له. وشملت التغييرات إنهاء سيطرة المخابرات على الإعلام الحكومي والأمن في الوزارات والمؤسسات الحكومية لتصل في الأسابيع الأخيرة إلى فرق النخبة المسلحة المتخصصة في مكافحة الإرهاب. وبحسب مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى فإن هذه التغييرات «عادية» تطلبتها مرحلة ما بعد الإرهاب.
وطالت التغييرات أيضا إقالة اللواء عبد الحميد بن داود مدير مكافحة التجسس واللواء مولاي ملياني قائد الحرس الجمهوري واللواء مجدوب كحال مدير الأمن الرئاسي. أما آخر تغيير في قيادة أجهزة الأمن فكان إقالة الفريق أحمد بوسطيلة من قيادة الدرك الوطني نهاية الأسبوع.
وبعد سقوط كل قادة الجيش والمخابرات المقربين من مدير المخابرات السابق، بدأ المحللون يتنبئون بقرب نهاية من لقب بـ«الحاكم الخفي للجزائر» الذي له الكلمة الأخيرة في تعيين الرؤساء. لكن المحلل السياسي رشيد تلمساني تنبأ في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية بأن «انتقال السلطة هذه المرة سيتم دون الجنرال توفيق». وكان إلقاء القبض على الجنرال حسان المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب سابقا وأحد رجال الفريق مدين، القشة التي قصمت ظهر البعير وأحدثت هزة في أجهزة الأمن. ويتهم المقربون من الرئيس الجنرال مدين بعدم دعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة فاز بها في أبريل 2014، مما تسبب له في هجمة غير مسبوقة من الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني الداعم القوي لبقاء بوتفليقة في السلطة.
وبعد هذه الهجمة الإعلامية فقد جهاز المخابرات سلطة الضبطية القضائية التي كانت تسمح له بالتحقيق في قضايا الفساد قبل أن يتوالى إضعافه. وتساءلت الصحف إن كان تفكيك جهاز المخابرات يرمي إلى إعادته إلى «مهامه الأساسية أي الاستعلامات» أم إلى «إضعافه لدفع مديره إلى الاستقالة». بوتفليقة الذي صرح منذ وصوله إلى السلطة في 1999 أنه لن يكون إلا رئيسا بكامل الصلاحيات، هيأ كل الظروف للبقاء في السلطة منذ تعديل الدستور في 2008 ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة ثم رابعة. واستكمل سيطرته على السلطة بإزاحة الفريق مدين الرجل الوحيد الذي كان يمكن أن يقف أمام طموحاته باستكمال ولايته الرابعة إلى سنة 2019.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.