ما إن غادر الجنرال لويد أوستن، قائد المنطقة الوسطى للجيش الأميركي، بغداد حتى وصلها أمس وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان في زيارة قالت عنها وزارة الدفاع العراقية، إنها «تأتي لبحث التنسيق الأمني بين البلدين». وبينما كان جدول أوستن حافلا بلقاءات كبار المسؤولين العراقيين، بدءا من رئيس الوزراء حيدر العبادي والبرلمان سليم الجبوري ووزير الدفاع خالد العبيدي، فإن جدول زيارة دهقان لا يقل زخاما في مواعيد الاجتماعات. وبين الجدولين كان تنظيم داعش يروي على بعد 100 كم إلى الغرب من بغداد تفاصيل قصة أخرى تتمثل بسقوط كامل مدينة الرمادي بيده.
ومع تضارب الأنباء بشأن سحب القطعات العسكرية من هناك لإعادة التنظيم أو انسحابها غير المنظم أمام قدرات هذا التنظيم فإن المحصلة حتى الآن هي إعفاء قائد فرقة التدخل السريع من قبل القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بوصفه من يتحمل المسؤولية رغم وجود مطالبات عشائرية بتحميل قائد عمليات الأنبار اللواء الركن محمد خلف وقائد شرطتها اللواء كاظم الفهداوي المسؤولية أيضا.
التأكيدات التي صدرت عن الأميركيين والإيرانيين بدت متناغمة دون تنسيق بشأن السرعة التي سيتم بها تحرير الرمادي. أوستن الذي أبلغ رئيس البرلمان بأن ما حصل بالرمادي ناتج عن «النقص الذي يكمن في السيطرة والتخطيط والروح القتالية»، طبقا لبيان صادر عن مكتب الجبوري، أكد في الوقت نفسه أنه «يتابع مع القيادات العسكرية العراقية تطورات الأوضاع الأخيرة في الأنبار». من جانبه، أكد الجبوري «الحاجة الماسة لتوفير السلاح لأبناء العشائر»، داعيا إلى أن «يكون للتحالف الدولي دور أكبر في مواجهة الإرهاب».
وفي سياق السباق الأميركي - الإيراني، فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان أكثر وضوحا من الجنرال أوستن، إذ أكد أن تحرير الرمادي سيتم في غضون أسابيع. وإذا كان كيري يستند في أقواله هذه على تسارع وتيرة الضربات الجوية في مناطق مختلفة من الرمادي لإنهاك «داعش» فإنه ومع بدء دهقان مباحثاته في بغداد مع كبار المسؤولين العراقيين لم يفت علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، القول من بيروت إنه «إذا طلبت الحكومة العراقية من إيران بشكل رسمي كبلد شقيق أن تقوم بأي خطة للتصدي فإنها ستلبي مثل هذه الدعوة».
ومع تذبذب أداء الجيش العراقي وعدم قدرة العشائر السنية في الأنبار مقاتلة «داعش» دون سلاح تتجه الأنظار إلى الحشد الشعبي الذي سلحته إيران بشكل مباشر والذي توجه إلى الرمادي في محاولة منه لاستعادتها من سيطرة تنظيم داعش. وبينما يبدو أن مبرر التنافس الأميركي - الإيراني بشأن أهمية وسرعة استعادة الرمادي من يد هذا التنظيم تعود إلى الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها محافظة الأنبار المترامية الأطراف والتي تحادد ثلاث دول عربية هي سوريا والأردن والسعودية، فإن السؤال الذي بدا بحاجة إلى إجابة أمام الخبراء والسياسيين هو لماذا لا توضع استراتيجية لبناء جيش عراقي قوي؟
القيادي الكردي وعضو لجنة الأمن والدفاع في الدورة البرلمانية السابقة شوان محمد طه يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «ما حصل من انسحاب غير مسؤول للجيش وسقوط الرمادي بهذه الطريقة إنما هو سعي يبدو مقصودا لكسر هيبة الجيش العراقي الذي بدا من وجهة نظر أطراف كثيرة وكأنه فقد القدرة القتالية». وأضاف طه أن «هناك في الواقع ضعفا في منظومة القيادة والسيطرة في المؤسسة العسكرية العراقية وهو ما يؤدي في الغالب إلى عدم التنسيق ويخلق فراغا ويؤثر على الروح القتالية وكل هذا سببه عدم وجود استراتيجية لدى القيادة العسكرية العراقية وهو ما يتوجب الآن على أن يتولى العبادي بنفسه قيادة المعركة حتى يتمكن من مسك الخيوط التي تبدو متشابكة بين الجيش والحشد الشعبي والعشائر السنية».
ويتساءل طه قائلا «ما الذي تركه الجيش وراءه من أسلحة ودروع وعتاد لـ(داعش) مما يكرر بطريقة أكثر مأساوية سيناريو سقوط الموصل الأمر الذي يتطلب الأمر الآن تحديد المسؤولية بسرعة».
في سياق متصل يرى الخبير الأمني الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» أن «احتلال تنظيم داعش للرمادي أعاد خلط الأوراق على صعيد الاستراتيجية التي كانت متبعة أو كان ينبغي اتباعها لغرض تحرير باقي مناطق الأنبار وهي في الغالب مناطق حدودية لكل من سوريا والأردن وصولا إلى الموصل (مناطق ربيعة وغيرها الحدودية مع سوريا) مرورا بما تبقى من مناطق صلاح الدين التي لها أهمية خاصة كونها تربط بين أربع محافظات هي بغداد وكركوك وديالى ونينوى فضلا عن الأنبار نفسها»، مشيرا إلى أن «معركة تحرير الأنبار بدءا من الفلوجة القريبة من بغداد بما لا يتجاوز الـ56 كم أهم من الناحية الاستراتيجية من تحرير صلاح الدين ونينوى وبالتالي فإنه ما إن تم تحرير مناطق واسعة من صلاح الدين وبدأت طبول الحرب تقرع باتجاه الموصل فإن تنظيم داعش ركز جهوده على الأنبار ثانية وبالذات مركزها مدينة الرمادي».
وجه سقوط مدينة الرمادي ضربة قاسية لاستراتيجية العبادي الساعي إلى بناء قوة مختلطة مذهبيا لمواجهة المتطرفين. وعمل العبادي، القائد العام للقوات المسلحة، بدعم من الولايات المتحدة، على جعل الأنبار (غرب) التي يسيطر التنظيم على مساحات واسعة منها، مختبرا لتأسيس تشكيلات مقاتلة من أبناء العشائر السنية المناهضة له. وكان من المقرر أن يقام أمس احتفال في قاعدة الحبانية شرق الرمادي، لتخريج 1180 مقاتلا، هم الدفعة الأولى من أبناء العشائر السنية في الأنبار الذين انتسبوا رسميا إلى قوات «الحشد الشعبي». إلا أن الاحتفال أرجئ، وباتت القاعدة نقطة تجمع لقوات الحشد التي تستعد للمشاركة في معارك الأنبار.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «سقوط الرمادي حصل بسبب سوء تقدير من قبل القائد العام للقوات المسلحة». ويضيف «لا يمكن وأنت تخوض حربا مع جماعات متطرفة أن تحسب حسابات سياسية (...) الأهم ألا تفقد الأرض وألا يكون هناك تراجع». ويرى الشمري أن قضية الرمادي قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل العبادي. ويقول: «من المؤكد أنه أمام تحد كبير لإعادة هيكلية المنظومة الأمنية (...) العودة إلى الحشد الشعبي في كل الأحوال هو إعلان بعدم قدرة المنظومة الأمنية على تحقيق منجز لوحدها من دون إيجاد قوات مساندة». ويضيف «ما حدث في الرمادي سيحدد مستقبل حكومة العبادي».
بدوره، يرى أيهم كامل، مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة «أوراسيا» البحثية، أن تأثير العبادي على مقاتلي الحشد محدود. ويقول «اليوم هو التحدي الحقيقي الأول، ليس فقط على المستوى الأمني، بل على المستوى السياسي أيضا، لسلطة العبادي».
ويرى محللون أن دخول الحشد الشعبي إلى الأنبار، سيمنح إيران موطئ قدم في كبرى محافظات العراق، التي لها حدود مع سوريا والأردن والسعودية وحظيت بموقع مؤثر بالنسبة لواشنطن التي خاضت فيها معارك ضارية مع تنظيم القاعدة إبان احتلالها العراق بين العامين 2003 و2011. وحاليا، يوجد مئات المستشارين العسكريين الأميركيين في قواعد عسكرية عراقية في المحافظة، لتدريب القوات والعشائر على قتال «داعش».
سباق إيراني ـ أميركي لتحرير الرمادي.. وخبراء: المعركة ستحدد مستقبل العبادي
أهمية الأنبار الاستراتيجية تفوق نينوى وصلاح الدين
سباق إيراني ـ أميركي لتحرير الرمادي.. وخبراء: المعركة ستحدد مستقبل العبادي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة