لم تنفع الحفاوة الدبلوماسية والاستقبال الرسمي الحار الذي لقيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في برلين في تبريد العلاقات مع ألمانيا. ورغم محاولة إردوغان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إيجاد نقاط مشتركة بينهما، فإن المؤتمر الصحافي الذي عقداه بعد لقاء دام نحو ساعة ونصف بينهما، أكد أن التوتر ما زال يهيمن على العلاقة بين الطرفين.
وقد يكون الاتفاق الوحيد الذي خرجا به هو الإعلان عن مؤتمر رباعي قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) بحسب ميركل، يجمع بينهما إلى جانب فرنسا وروسيا لمناقشة التطورات في مدينة إدلب السورية ومحاولة إقناع موسكو بالضغط على النظام السوري لوقف العملية المرتقبة له ضد المعارضة هناك.
وعدا ذلك طغى على المؤتمر الصحافي المشترك الحديث عن الصحافيين الألمان من أصول تركية المعتقلين في أنقرة. وحثت المستشارة إردوغان في بداية المؤتمر على إطلاق سراح خمسة صحافيين مسجونين في تركيا، ورحبت بإطلاق البعض في وقت سابق. واعترفت ميركل بأن «الخلافات» في الرأي ما زالت موجودة بينها وبين الزعيم التركي إلا أنها أشارت إلى تحقيق تقدم في هذا الموضوع، وأضافت أن المشاورات «تأخذ وقتا» قبل أن تؤدي إلى شيء.
وكاد إردوغان أن ينسحب من المؤتمر الصحافي قبل أقل من ساعة من عقده اعتراضا على حضور الصحافي التركي كان دوندار المؤتمر. ودوندار وصل إلى ألمانيا عام 2016 طالبا للجوء السياسي هربا من السجن في تركيا حيث يتهم بفضح أسرار الدولة والتجسس وهي اتهامات كررها إردوغان خلال المؤتمر. وحكم على دوندار بالسجن خمس سنوات و10 أشهر في تركيا بسبب نشر صحيفته «كوم حريات» اليسارية تحقيقا عن تهريب المخابرات التركية السلاح لتنظيم الدولة «داعش» في سوريا. كما كتب أيضا مجموعة من المقالات تتحدث عن قضايا فساد تطال محيط إردوغان.
وقبل نصف ساعة من المؤتمر أعلن دوندار أنه لن يحضر تفاديا لتضخيم الأزمة. ونفت ميركل ممارسة أي ضغوط على الصحافي التركي للانسحاب من المؤتمر وقالت بأنه اتخذ القرار بنفسه. أما إردوغان فرد يقول إن مكانه «في السجن» وليس حرا طليقا في ألمانيا. وطالب بتسليمه لأنقرة مشيرا إلى أن القضاء أصدر الحكم بحقه ومذكرا برلين باتفاقيات تسليم المتهمين بين الطرفين.
وهكذا استمر المؤتمر، ميركل تطالب بالإفراج عن الألمان المعتقلين في تركيا وإردوغان يطالب ألمانيا بتسليم متهمين أتراك «هاربين» بحسب قوله من العدالة. وتطالب تركيا أيضا بتسلم العشرات من المنتمين لجامعة الداعية فتح الله غولن الذي يتهمه الزعيم التركي بهندسة محاولة الانقلاب ضده عام 2016. واستغل إردوغان لقاءه بميركل ليطلب تصنيف منظمة غولن بالإرهابية، فردت ميركل تقول بأن ألمانيا بحاجة لـ«معلومات أكثر» حول هذه الجماعة قبل أن تقرر تصنيفها إرهابية، «وهو ما لا تملكه حتى الآن».
ونقلت صحيفة «يني أسير» التركية المقربة من إردوغان أن الزعيم التركي سلم ميركل قائمة بأسماء 69 شخصا على «لائحة الإرهاب» موجودين في ألمانيا مطالبا بتسليمهم، من بينهم الصحافي الذي كاد يشعل أزمة دبلوماسية بحضوره المؤتمر الصحافي. ونقلت صحيفة بيلد الألمانية أن اللائحة التي تسلمتها ميركل تضم تفاصيل دقيقة عن الأشخاص المذكورين من بينها عناوينهم وصورهم ملتقطة أثناء خروجهم ودخولهم إلى منازلهم.
وقبل وصول إردوغان إلى برلين نشرت صحيفة «تاغس شبيغل» تحقيقا مطولا تتحدث فيه عن «جواسيس» تركيا في ألمانيا وتطالب المستشارة برفع القضية مع إردوغان. وكتبت الصحيفة أنه وفقا لمعلوماتها فإن «المخابرات التركية تحاول تجنيد جواسيس من بين العاملين في القطاع العام في ألمانيا». وتحدثت عن «شرطي ألماني زود المخابرات التركية عبر السفارة في برلين بمعلومات عن أفراد من المعارضة التركية يعيشون في برلين، خاصة حول عناوين إقاماتهم». ونفت السفارة التركية الاتهامات.
وعام 2017 حكمت محكمة في هامبورغ على رجل تركي يبلغ 32 عاما بالسجن عامين بتهمة التجسس لصالح المخابرات التركية. وكان الرجل يراقب نوادي للأكراد في ألمانيا.
وكان إردوغان بدأ يومه بلقاء رسمي في قصر بيلفو استقبله فيه الرئيس الألماني فرانك فولتر شتاينماير الذي أقام أيضا مأدبة عشاء على شرفه لم تحضره ميركل رغم تلقيها دعوة.
وخرج الآلاف من الأكراد والمعارضين لإردوغان في مظاهرة كبيرة في وسط برلين تحت عنوان «إردوغان غير مرحب به». وأغلقت الشرطة طرقات وسط العاصمة لتأمين الحماية للرئيس وحصر المظاهرات. ومكث إردوغان في فندق ألدون بالقرب من بوابة براندنبيرغ والملاصق للسفارة الأميركية. ونقلت صحف ألمانية أن إردوغان حجز 100 غرفة في الفندق.
ويلتقي صباح اليوم الزعيم التركي ميركل في لقاء ثانٍ سيركز على العلاقات الاقتصادية بين الطرفين. ولم تقدم ألمانيا أي مساعدات لتركيا في أزمتها الحالية وتقول بأن الأعمال الألمانية ستعود للاستثمار في تركيا عندما تبدأ أنقرة بتطبيق الإصلاحات وتطلق سراح المعتقلين سياسيا.
ويأتي هذا في وقت قالت مجلة شبيغل بأن أكثر من 4 مليارات ونصف المليار يورو غادرت تركيا خلال 3 أشهر فقط بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) وتم نقلها إلى ألمانيا، في إشارة إلى هروب الاستثمارات من البلاد خوفا من تدهور الأزمة أكثر.
رغم محاولات التهدئة... التوتر ما زال يهيمن على العلاقات التركية ـ الألمانية
ميركل تطالب بالإفراج عن الألمان في تركيا وإردوغان يطالب ألمانيا بتسليم متهمين أتراك
رغم محاولات التهدئة... التوتر ما زال يهيمن على العلاقات التركية ـ الألمانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة