بعد مرور خمسة أيام على انطلاق فضيحة «رامبو الإليزيه»، أي ألكسندر بنعالا الذي كان يعمل إلى جانب الرئيس إيمانويل ماكرون مسؤولاً عن أمنه الشخصي، وهو متهم باستخدام العنف ضد شخصين بمناسبة مظاهرات عيد العمال في الأول من مايو (أيار)، ما زالت القضية تتفاعل.
وحتى اليوم، عجز الإليزيه ومعه وزارة الداخلية عن إطفاء الحريق الذي أخذ يصيب صورة عهد ماكرون في الصميم، لأنه يهدم شعار الرئيس الشاب بإقامة «الجمهورية المثالية»، أي بعيدة عن الفضائح والمحسوبيات.
المسألة لم تعد محصورة في محاسبة موظف في الإليزيه مقرب من ماكرون وعائلته؛ يتبعه كظله في تنقلاته الرسمية وفي عطله، أكان ذلك عندما يتزلج أم يمارس ركوب الدراجة الهوائية، بسبب ارتكابه خطأ في ممارسة وظيفته. ذلك أن الخطأ تحول إلى «فضيحة سياسية»، لا بل إن أحد السياسيين وهو جان لوك ميلونشون، رئيس حزب «فرنسا المتمردة» والمرشح الرئاسي السابق وصفها بأنها تشبه فضيحة «ووترغيت» التي أطاحت بالرئيس الأميركي الأسبق رتشارد نيكسون. ولا يبدو أن الأمور تميل إلى التهدئة، خصوصاً أن المعارضة وجدت أخيراً «الممسك» الذي تحتاجه يميناً ويساراً لمهاجمة ماكرون وتهشيم صورته، وجعله سياسياً لا يختلف عن غيره من السياسيين بسبب «تستره» على فضيحته التي أثارتها صحيفة «لوموند» المستقلة يوم الأربعاء الماضي.
ومع كل يوم تخرج إلى العلن معلومات جديدة عن بنعالا، وتنهمك الوسائل الإعلامية في نبش تاريخ هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، والمولع برياضة الملاكمة، والذي سبق له أن عمل حارساً شخصياً أو سائقاً للعديد من الشخصيات اليسارية قبل أن يلتحق بفريق ماكرون المرشح الرئاسي العام الماضي، ثم يحط به المقام في قصر الإليزيه مساعداً لمدير مكتب الرئيس، مولجاً بتنقلات ماكرون داخل فرنسا.
أصل الفضيحة أن بنعالا الذي ليس شرطياً أو رجل أمن، شارك في قمع متظاهرين يوم عيد العمال. ويظهر ذلك في فيديو من عدة دقائق إذ يعتدي على فتاة، ثم على شاب يمسكه من خناقه ويضربه على رأسه، ويرفسه بعد أن طرحه أرضاً، ويساعده في ذلك رجل آخر لا صفة رسمية له. واللافت أن بنعالا كان يرتدي خوذة رجال الشرطة ويحمل شعارهم. كذلك، فإن رجال الشرطة الموجودين بكثافة في هذا المكان امتنعوا عن التدخل.
وسيمثل وزير الداخلية جيرار كولومب، اليوم صباحاً، أمام لجنة التحقيق البرلمانية التي اضطر حزب «الجمهورية إلى الأمام» (الحزب الرئاسي) مرغماً للقبول بها. والمطلوب منه أن يشرح السبب الذي سمح لبنعالا أن يكون موجوداً في هذا المكان، وأن يتصرف كرجل أمن بينما رجال الأمن يتفرجون على ما يفعله رغم علمهم بأنه ليس أحدهم. كذلك، يتعين على كولومب أن يفسر كيف أن بنعالا حصل على صور فيديو رسمية للحادث بعد أن ذاعت الفضيحة.
والأخطر من ذلك، أن وزير الداخلية الذي اضطلع على الحادثة في اليوم التالي لحصولها لم يخبر العدالة بما جرى، وفق ما يلزمه القانون. وذهب معارضون إلى اتهام الوزير بـ«الكذب» والمطالبة باستقالته. وتريد اللجنة البرلمانية استجواب مسؤولين في القصر، تحديداً مدير مكتب ماكرون وأيضاً الأمين العام للرئاسة. ونجح النواب في فرض أن تكون الاستجوابات علنية.
وما يصح على وزير الداخلية يصح أيضاً على قصر الإليزيه. والمدهش أن ماكرون، رغم إلحاح الصحافيين، لم يتناول هذه الفضيحة بل لزم الصمت المطبق تاركاً للآخرين مهمة إطفاء الحريق الذي لا ينطفئ. والثابت أن الإليزيه فشل في التعامل مع هذه الفضيحة، والمرجح أنه لم يع تداعياتها السياسية الممكنة. وعملياً، يقول الإليزيه إنه بعد الأول من مايو، عُلّقت مهام بنعالا 15 يوماً، وحرم من راتبه لهذه المدة، ونقل إلى مهمات أخرى داخلية. والحال أن العديد من العناصر تبين أنه استمر في مزاولة عمله الأول، ما يجعل بعض السياسيين والوسائل الإعلامية يشككون في صحة الإجراء الإداري. وثمة إجماع على أنه كان يتعين على الرئاسة أن تسرح بنعالا، وأن تنقل المسألة إلى القضاء لا أن تنتظر انفجار الفضيحة حتى تطلق عملية تسريحه. والمدهش أن بنعالا كان يخطط للانتقال إلى شقة جديدة في أحد أفخم الأحياء الباريسية في بناية تتبع قصر الإليزيه، وشققها مخصصة لكبار موظفي القصر ما يعني أن «معاقبته» لا تبدو جدية.
بالتوازي مع تحقيق اللجنة البرلمانية، ثمة تحقيقان إضافيان: الأول قضائي والثاني إداري. ويأتي الأول نتيجة «طبيعية» لتوقيف ألكسندر بنعالا، واسمه الأصلي ياسين بنعالا، وتفتيش منزله في مدينة أيسي ليه مولينو (جنوب غربي باريس). وعمد القضاء إلى تعيين قاضي تحقيق كان منتظراً أمس أن يوجه إليه ولشريكه فانسان كراس الذي كان إلى جانبه يوم عيد العمال، ومد له يد المساعدة في ضرب الشابين اللذين طلبا أول من أمس أن يمثلا أمام قاضي التحقيق للشهادة. وكان هذان الشخصان قد امتنعا عن تقديم شكوى لأسباب ما زالت مجهولة.
كذلك، ستوجه العدالة اتهامات رسمية لثلاثة من ضباط الشرطة الذين أذنوا بنقل صور الفيديو لألكسندر بنعالا. ويفترض أن يأتي التحقيق الداخلي الذي أمرت به وزارة الداخلية بإيضاحات حول أسباب وجود بنعالا في مكان المظاهرة في الدائرة الخامسة من باريس، وحصوله على شارة الشرطة وخوذتها الرسمية. وارتفعت أصوات تطالب باستقالة وزير الداخلية. ودان لوران فوكييه، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني صمت ماكرون، ودعاه لأن يشرح ما حصل أمام الفرنسيين.
واضح أن هذه الفضيحة تربك ماكرون والحكومة. ومعها نسي الفرنسيون «المونديال» واحتفالاته وجنونه، وعادوا إلى الحقائق اليومية. ولا شك أن ما يجري هذه الأيام في باريس ستكون له نتائجه على صعيد شعبية ماكرون وعلى قدرته على السير بخططه الإصلاحية. والأهم أن المعارضة يميناً ويساراً لن تتخلى عما أمسكت به للطعن في رئيس بقي حتى الآن بعيداً عن مرمى سهامها. هي تريد أن تؤكد على حقيقة أن ما جرى هو «فضيحة دولة»، وليس سوء تصرف من موظف أهوج يهوى ممارسة الملاكمة في الشارع ضد المتظاهرين.
فضيحة «رامبو الإليزيه» تهدد سمعة عهد ماكرون
لجنة التحقيق البرلمانية تستجوب وزير الداخلية اليوم ومعارضون يتهمونه بالكذب
فضيحة «رامبو الإليزيه» تهدد سمعة عهد ماكرون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة