أصدرت غرفة الجنايات بالدار البيضاء، الليلة قبل الماضية، أحكاماً بشأن ملف معتقلي احتجاجات الحسيمة، تراوحت بين 20 سنة حبساً نافذة، وسنة واحدة بالنسبة لـ52 معتقلاً، فيما حكمت على معتقل واحد بأداء غرامة مالية، وبلغ إجمالي سنوات الحبس التي وزَّعها القاضي على المعتقلين 308 سنوات، ونحو 81 ألف درهم (8617 دولاراً) غرامات، الشيء الذي خلف استياءً وسط نشطاء الريف.
وعقب إعلان الحكم خرجت مظاهرات متفرقة في مناطق مختلفة من مدينة الحسيمة. وهذه أول مرة تخرج فيها مظاهرات في المدينة بعد عام من الهدوء.
واعتقل النشطاء الذين أدانتهم المحكمة خلال شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) من السنة الماضية على خلفية احتجاجات عرفتها المدينة، ونقلوا إلى الدار البيضاء لمتابعتهم أمام غرفة الجنايات بتهم ثقيلة، من بينها المس بأمن الدولة، والتآمر ضد الوحدة الترابية للبلاد، وممارسة العنف ضد قوات الأمن. وتنصبت المديرية العامة للأمن الوطني طرفاً مدنياً في القضية بسبب الأضرار التي لحقت بقوات الأمن التي تكبدت خسائر في العتاد، إضافة إلى إصابات وسط رجال الأمن.
وانطلقت المحاكمة في سبتمبر (أيلول) الماضي، قبل أن يقول القاضي كلمته، مساء أول من أمس، عقب عقد نحو 90 جلسة من المرافعات والاستماع للمتهمين والشهود. وتوزعت الأحكام كالتالي: 20 سنة حبساً نافذاً لكل واحد من أربعة معتقلين، ضمنهم زعيم حراك الريف ناصر الزفزافي، و15 سنة حبساً نافذاً لثلاثة معتقلين، والحبس 10 سنوات لسبعة معتقلين، والحبس خمس سنوات مع أداء غرامة 2000 درهم (213 دولاراً) في حق 10 معتقلين، وثلاث سنوات مع أداء غرامة مماثلة لثمانية معتقلين، وسنتين مع مبلغ الغرامة ذاته لفائدة 19 معتقلاً، وسنة واحدة مع غرامة 2000 درهم (213 دولاراً) لمعتقل واحد، وغرامة بقيمة 5000 درهم (532 دولاراً) لمعتقل واحد.
وتم النطق بالحكم في غياب المعتقلين، الذين قرروا في جلسة سابقة مقاطعة الجلسات والتزام الصمت احتجاجاً «على انحياز القاضي»، حسب ادعائهم. غير أن القاعة غصت بهيئة الدفاع وأفراد عائلات بعض المعتقلين وحقوقيين وسياسيين وصحافيين. وما إن نطق القاضي بالأحكام، وأعلن رفع الجلسة، حتى هاجت القاعة، وارتفعت الشعارات وسط عويل بعض أفراد عائلات المعتقلين وصياحهم. واعتبر دفاع المعتقلين الأحكام الصادرة في حقهم جائرة وقاسية، ووصفها بعضهم بـ«الانتقامية». فيما اعتبر دفاع الطرف المدني والضحايا من رجال الأمن أن الأحكام كانت مخففة، خصوصاً أن عقوبة بعض التهم الموجهة للمعتقلين، كالمس بأمن الدولة، تصل إلى الإعدام، وفقاً لمقتضيات القانون الجنائي المغربي.
وأكد دفاع المتهمين أنه سيطعن في الحكم لدى محكمة الاستئناف، مشيراً إلى أن القاضي ارتكز في حكمه على محاضر الضابطة القضائية، ولم يأخذ بعين الاعتبار الحجج التي قدمها المتهمون ودفعهم لإثبات براءتهم.
وللإشارة، فإن جل الحجج، التي قدمتها النيابة العامة خلال متابعة نشطاء الريف، تتكون من تدوينات في شبكات التواصل الاجتماعي وفيديوهات وتسجيل مكالمات. وقدمت النيابة العامة للمحكمة مكالمات هاتفية لبعض المعتقلين مع نشطاء في الخارج ينتمون إلى هيئة تدعو لانفصال منطقة الريف عن المغرب، وإقامة جمهورية الريف عليها. وخلفت أحكام الإدانة في حق قادة «حراك الريف» استياء لدى أوساط حقوقية وسياسيين، بينهم مسؤولون رسميون، وعبر كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي عن «الصدمة» إزاء «ردة حقوقية».
وقال وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان مصطفى الرميد لموقع «كود» الإخباري: «معلوم أن القضية سيعاد مناقشتها أمام غرفة الجنايات الاستئنافية... وأملي كبير في أن تصدر بشأنها أحكام أكثر عدالة، تكرس الثقة في القضاء وتؤسس لمصالحة جديدة مع سكان المنطقة».
من جهته، كتب أمين عام حزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، وهو حزب مشارك في الحكومة، تعليقاً على صفحته بموقع «فيسبوك»: «مع احترامنا لاستقلالية القضاء... نعتبر أن هذه الأحكام لن تسهم في إذكاء جو الانفراج الذي نتطلع إلى أن يسود في بلادنا، ونأمل بقوة أن يتم إعمال كافة سبل المراجعة القانونية والقضائية الممكنة بالنسبة لهذا الملف».
وانتقد نشطاء حقوقيون ما وصفوه بـ«مجزرة قضائية»، مدينين ما اعتبروه «عدم استقلالية القضاء»، و«غياب شروط المحاكمة العادلة»، وذهبت بعض التعليقات إلى اعتبار أن المغرب «عاد لسنوات الرصاص».
وشهدت مدينة الحسيمة وبلدة إمزورن المجاورة ليلة أول من أمس تجمعات احتجاجية إثر صدور الأحكام، وتحدثت وسائل إعلام محلية عن إضرام نار في مدرسة إعدادية بإمزورن.
وأكدت السلطات المحلية نبأ إضرام النار في مدرسة إعدادية دون «تأكيد ما إذا كان الحادث يرتبط بالأحكام الصادرة» في محاكمة قادة الحراك.
في غضون ذلك، قالت وسائل إعلام محلية إن المدينة شهدت أمس إضراباً عاماً، وإن معظم المحلات التجارية أغلقت أبوابها. فيما قالت مواقع التواصل الاجتماعي إن «الأحكام تُعدّ قاسية».
ونشر مدونون «هاشتاغ»: «اعتقلونا جميعا»، وأطلق آخرون عريضة لجمع توقيعات تدعو البرلمان المغربي إلى العفو عن المعتقلين.كما نشرت «الصفحة الرسمية لمحبي ناصر الزفزافي» تعليقاً يستغرب: «كيف لمن تسببوا في تأخير المشاريع ألا يُحاكموا ولو ليلة في السجن، ومن فضحوهم وساعدوا الملك يحاكمون بعشرين سنة، عن أي عدل تتحدثون؟!»، وذلك في إشارة إلى موجة إعفاءات شملت السنة الماضية وزراء ومسؤولين كباراً اعتُبروا مقصّرين في تنفيذ مشاريع إنمائية بمدينة الحسيمة.
وينتظر أن يطلب الدفاع استئناف الأحكام التي وصفها بـ«القاسية» بعد التشاور مع الزفزافي ورفاقه، في حين وصف محامٍ يمثل الطرف المدني تلك الإدانات بـ«المخففة».
المغرب: 308 سنوات حبساً للزفزافي ورفاقه في ملف احتجاجات الريف
إعلان الحكم أعاد المظاهرات إلى شوارع الحسيمة بعد عام من الهدوء
المغرب: 308 سنوات حبساً للزفزافي ورفاقه في ملف احتجاجات الريف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة