تجاوز اللاعب المصري مهاجم فريق ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، مكانه في قلوب محبيه من عشاق كرة القدم، ليحتل موضعاً أكثر اتساعاً في حياة عامة المصريين اليومية وتعاملاتهم المعيشية، بداية من التشبه به ورسم صورته على رؤوسهم، مروراً بإطلاق اسمه على مواليدهم الجدد والمنتجات الرمضانية، في ظاهرة رأى خبراء اجتماع ونقاد رياضيون، ومواطنون عاديون أنّها «تعكس حالة فريدة من العشق والنفعية معاً».
ففي مصر لا مكان يخلو من صورة لـ«مو صلاح»، ولا تكاد تخلو جلسة من ذكره، عززت ذلك نجاحاته المتتالية في الملاعب، و«كثرة أعماله الخيرية» في مسقط رأسه نجريج بمحافظة الغربية (دلتا مصر)، فضلاً عمّا يرونه من «خلقه الرفيع، وقربه من الله»، لدرجة أنك إذا ذهبت للتسوق فستجد صور «مو صلاح» قد طُبعت على «أكواب الشاي» و«التيشيرتات» وأغطية الأسرّة والوسادات، وهو ما وصفته خبيرة علم الاجتماع الدكتورة عزة كُريّم، بأنّه «أصبح سبباً لإخراج المصريين من مشكلاتهم وأزماتهم».
ومبكراً تنبهت ورش تصنيع الفوانيس في حارة اليهود والموسكي وباب الخلق، إلى حالة عشق المواطنين لصلاح، فسارعت بإغراق السوق قبل حلول شهر رمضان، بأنواع مختلفة منها تحمل صوره، أملاً في منافسة شرسة للمنتج الصيني، ليشهد رواجاً ملحوظاً دفع كثيراً من التجّار إلى طلب المزيد من «البضاعة»، حسب رامي توفيق، التاجر في شارع كفر طهرمس بضاحية فيصل محافظة الجيزة.
وقال توفيق لـ«الشرق الأوسط»: «أبو مكة وشّه حلو... البضاعة عليها إقبال كبير، فقبل حلول شهر رمضان بثلاثة أسابيع، فانوس محمد صلاح هو الكسبان»، لافتاً إلى أنّ «الخشبي منه متعدد الأحجام وسعره يبدأ من 80 جنيهاً ويصل إلى 350».
وتُرجع أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، عزة كُريم، انتشار اسم محمد صلاح وصوره، إلى أمور عدة تجمع بين «حب المصريين له، واستغلال التجار لنجاحاته لتحقيق مكاسب»، لكنّها تعود إلى نقطة «تحلي صلاح بالأخلاق».
وتقول كُريم لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «انتصارات محمد ومصريته وأخلاقياته وتبرعاته لأعمال الخير جعلت منه أيقونة وسط تراكم من المشكلات والأزمات التي يعاني منها المواطن»، وذهبت إلى أنّ كل مصري بات يبحث عن نفسه في شخصية صلاح، ويتمني أن يكون هو صلاح، أو أن يجعل من نجله صورة مشابهة للنجم الدولي.
ولفتت كُريم إلى ذلك بسبب «ما لمسوه في ابن القرية البسيط من تواضع وإيمان، وعزز من هذه الحالة ما نسمعه عن دخول بعض الشخصيات في الإسلام».
لكن تظل «تقليعة» رسم صورة «أبو مكة» على رؤوس الشباب هي الأكثر إثارة، إذ ابتكر حلاق في محافظة المنيا (جنوب مصر) قَصّة شعر تتضمن رسم وجه محمد صلاح على رؤوس زبائنه بطريقة اجتذبت كثيراً من الشباب تعبيراً عن شغفهم باللاعب الدولي.
وراج اسم الحلاق «وليد مكرم» الذي يلقّب نفسه بـ«القيصر»، بعد إقدامه على رسم «مو صلاح» على مؤخرة رؤوس محبيه، ويقول لوسائل إعلام محلية، إنّه تعلّم هذه الطريقة منذ أعوام سابقة، وكان يرسم شخصيات مختلفة «حسب طلب الزبون»، لكنّه الآن تفرغ لـ«أبو صلاح».
غير أنّ الأمر لم يتوقف عند صورة صلاح، بل انتقل إلى إطلاق اسمه على نوعيات معينة من البلح «المفتخر» يباع الكيلو منه بسعر يبدأ من 30 جنيهاً (حسب المنطقة)، في تنافس قوي مع نوعية أخرى تحمل اسم «النني» اللاعب المصري المحترف في نادي آرسنال الإنجليزي، بـ25 جنيهاً، الأمر الذي وصفته كّريم بأنّه استغلال من التجار لحالة محمد صلاح لتحقيق مكاسب، قبل شهر رمضان، وتضيف: «في كل موسم يبحث الباعة والتجار عن أي شيء ناجح يطلقون اسمه على بضائعهم، ولم يجدوا هذا العام إلّا صلاح لجذب الناس إليهم».
ومع كل انتصار يحرزه صلاح تتزايد أسهمه في بورصة المصريين، ما تسبب في تحويل المقاهي إلى نوادٍ صغيرة يصعب عليك أن تجد لنفسك فيها مقعداً عندما تُبث مباريات الدوري الإنجليزي، فضلاً عن تأليف أغانٍ وتلحينها، صُنعت خصيصاً له في مقدمتها أغنية «غنوا لصلاح» للمطرب هشام عباس، من كلمات وألحان عزيز الشافعي تقول في أحد مقاطعها: «في كل حتة معاه بقلبنا وروحنا... وكل ما ينجح نحس إنه نجاحنا».
ويلخص الناقد خالد الإتربي رئيس القسم الرياضي بجريدة «الشروق» المصرية، هذه الحالة بقوله: «من يريد السعادة والفرحة عليه انتظار مباراة لمحمد صلاح حتى يراه وهو يحتفل بأحد أهدافه التي يسجلها في مرمى الخصوم»، مضيفاً: «صلاح بات مثالاً يُحتذى به في منح الأمل لكل متابعيه». ويستكمل الإتربي: «لم تتوقف الاستفادة من صلاح عند التأثير المعنوي، فكل من يريد نجاح أي مشروع يختار اسم صلاح، ففي المقاهي باتت صوره هي البطل الأكبر لجذب المتابعين لمشاهدة مبارياته»، لافتاً إلى أنّ «الفرعون الصغير بات مادة دسمة لكل وسائل الإعلام، فضلاً عن صفحات التواصل الاجتماعي المتعددة التي تحمل اسمه، وكل ذلك يؤكد أنّ أبو مكة بات هو صانع الأمل ليس لدى محبيه من مشجعي الكرة فقط بل عند جميع قطاعات المصريين».
صورة وفانوس وقَصة شعر... «مو صلاح» أيقونة المصريين الجديدة
تجار استغلوا صيته الذائع وأطلقوا اسمه على منتجاتهم
صورة وفانوس وقَصة شعر... «مو صلاح» أيقونة المصريين الجديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة