إخلاء دوما من «جيش الإسلام» وتشكيل مجلس محلي

الاتفاق مع الروس يختلف عن «حرستا»... والموافقون سيشكلون قوات أمن داخلية خاضعة للنظام

رجل سوري من مهجَّري الغوطة الشرقية يقف مع طفله في مخيم كفر لوسين للنازحين قرب الحدود التركية (أ.ف.ب)
رجل سوري من مهجَّري الغوطة الشرقية يقف مع طفله في مخيم كفر لوسين للنازحين قرب الحدود التركية (أ.ف.ب)
TT

إخلاء دوما من «جيش الإسلام» وتشكيل مجلس محلي

رجل سوري من مهجَّري الغوطة الشرقية يقف مع طفله في مخيم كفر لوسين للنازحين قرب الحدود التركية (أ.ف.ب)
رجل سوري من مهجَّري الغوطة الشرقية يقف مع طفله في مخيم كفر لوسين للنازحين قرب الحدود التركية (أ.ف.ب)

أنهى اتفاقٌ توصل إليه الجانب الروسي و«جيش الإسلام»، أي وجود لمعارضي النظام السوري في الغوطة الشرقية لدمشق، يقضي بخروج مسلحي الأخير وعائلاتهم باتجاه الشمال السوري، على أن يبقى المسلحون الراغبون بتسوية في البلدة التي ستنتشر فيها قوات روسية أيضاً، وسط صمت «جيش الإسلام» عن التعليق، أو تأكيد الخبر أو نفيه.
وأفاد «الإعلام الحربي» التابع لـ«حزب الله» بأن «الاتفاق يمنع وجود أي سلاح خفيف في بلدة دوما، وسيكون تنفيذ هذا البند بعد تشكيل مجلس محلي في دوما توافق عليه الدولة السورية».
وتوصل «جيش الإسلام» وروسيا، بعد مفاوضات شاقة، إلى اتفاق نهائي لإجلاء المقاتلين والمدنيين الراغبين من بلدة دوما، آخر جيب تسيطر عليه الفصائل المعارضة قرب دمشق، ما يمهد الطريق أمام جيش النظام لاستعادة كامل المنطقة. وقد بدأ، أمس، بإخراج 200 مسلح وعائلاتهم من مقاتلي «فيلق الرحمن» الذين فرّوا إلى دوما في وقت سابق عندما بدأ النظام عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على الغوطة الشرقية، وهي آخر دفعة من الفيلق متبقية في الغوطة الشرقية.
ويأتي الاتفاق غداة إعلان جيش النظام السوري مواصلته القتال لاستعادة بلدة دوما، مؤكداً سيطرته على «جميع مدن وبلدات الغوطة الشرقية» إثر انتهاء ثاني عملية إجلاء من المنطقة التي شكّلت منذ عام 2012 معقلاً للفصائل المعارضة قرب العاصمة.
وبينما لم يصدر أي تعليق من «جيش الإسلام» على أنباء تتحدث عن التوصل إلى الاتفاق، كشف مصدر سوري معارض مواكب للمفاوضات، أن التوصل إلى الاتفاق «تم مساء الجمعة الماضي»، مؤكداً أن مقاتلي «جيش الإسلام» سيتوجهون إلى الشمال السوري، من خلال تأكيد المعلومات التي رجحت أن ينتقلوا إلى جرابلس الخاضعة لسيطرة «درع الفرات».
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتفاق «لا يشبه الاتفاقات التي طالت حرستا التي كانت خاضعة لسيطرة حركة أحرار الشام، أو جوبر وزملكا وعين ترما ومناطق أخرى كانت خاضعة لسيطرة فيلق الرحمن» والتي أُخليت تماماً من المسلحين، موضحاً أن الاتفاق «يشبه اتفاقات القابون وبرزة وغيرهما، ويقضي بتسوية تفضي إلى ترحيل المقاتلين غير الراغبين بتسوية مع النظام إلى الشمال مع عائلاتهم، فيما يبقى المقاتلون الذين سيعقدون تسوية مع النظام داخل المدينة، ويتحولون إلى قوات أمن داخلية في البلدة التي ستُرفع على إداراتها الرسمية أعلام النظام السوري».
وقال المصدر إن المرحلة الأولى «تبدأ بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للنظام، وخروج المقاتلين المعارضين لأي تسوية، بينما يبقى الآخرون مع أسلحتهم الخفيفة، على أن تنتشر شرطة عسكرية روسية في وقت لاحق في المدينة».
وتعقدت المفاوضات في وقت سابق إثر وجود مقترحات تقضي بنقل المقاتلين غير الراغبين بتسوية إلى منطقة في القلمون الشرقي لا تزال خاضعة لسيطرة المعارضة، وهو ما رفضه النظام، فيما ظهرت مقترحات أخرى بنقل المقاتلين أنفسهم إلى منطقة درعا في جنوب سوريا، وهو ما قوبل بالرفض أيضاً.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس، بالتوصل إلى «اتفاق نهائي» بين روسيا وفصيل جيش الإسلام في بلدة دوما، يقضي «بخروج مقاتلي جيش الإسلام وعائلاتهم والمدنيين الراغبين إلى شمال سوريا، على أن تدخل الشرطة العسكرية الروسية إلى المدينة» في خطوة أولى قبل أن «تعود المؤسسات الحكومية إليها».
وأكدت صحيفة «الوطن»، المقربة من الحكومة السورية، أمس (الأحد)، نقلاً عن مصادر دبلوماسية أن «الاتفاق مع جيش الإسلام تم»، مرجحةً أن يبدأ تنفيذه بتسليم السلاح الثقيل قبل مغادرة المدينة.
وتركزت المفاوضات، التي تستمر منذ فترة، على وجهة جيش الإسلام لتنتهي بالاتفاق على خروجه إلى منطقتي جرابلس والباب الواقعتين تحت سيطرة فصائل موالية لتركيا في ريف حلب الشمالي الشرقي.
وأفاد «الإعلام الحربي» التابع لـ«حزب الله»، أمس، بأن الاتفاق «يقضي بخروج إرهابيي جيش الإسلام من دوما إلى جرابلس وتسوية أوضاع المتبقين، وينص على عودة كل مؤسسات الدولة بالكامل إلى بلدة دوما، وبتسليم جميع المختطفين المدنيين والعسكريين، إضافة إلى جثامين الشهداء». وقال إن بنود الاتفاق تنص على خروج مقاتلي جيش الإسلام «باتجاه جرابلس الحدودية مع تركيا بسلاحهم الخفيف»، و«تشكيل فريق عمل برئاسة روسية يضم ممثلين عن الجانب السوري والدول الضامنة لعملية آستانة، لترتيب موضوع تسليم الأسرى المختطفين من المدنيين والعسكريين الموجودين في سجون جيش الإسلام للدولة وكشف مصير الباقين»، و«تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة الموجودة بحوزة (جيش الإسلام) للجيش السوري». كما لفت إلى أن الاتفاق «يمنع وجود أي سلاح خفيف في بلدة دوما، وسيكون تنفيذ هذا البند بعد تشكيل مجلس محلي في دوما توافق عليه الدولة السورية».
وبإخلاء دوما، ترتسم معالم الجغرافيا السورية لتمثل مناطق نفوذ إقليمية، إذ يرى الخبير السوري العسكري المعارض العميد أحمد رحال، أن «تغير الجغرافيا لا يعطي قوةً للنظام، ولا ضعفاً للمعارضة»، بل «يؤكد أنها حرب مناطق نفوذ إقليمية ودولية»، بينما يبدو اللاعبون الداخليون، سواء أكانوا من النظام أو المعارضة «عبارة عن أدوات تنفيذ».
وقال رحال لـ«الشرق الأوسط»: إن «الجيش الحر دخل أخيراً في معركة غصن الزيتون لتأمين مناطق نفوذ تركية، وقد يدخل في معارك أخرى في منبج أو سواها لنفس الغرض، بينما ثبّتت (قوات سوريا الديمقراطية) مناطق نفوذ التحالف الدولي، أما النظام فيبحث عن تثبيت نفوذ روسيا وإيران»، معتبراً أن السيطرة على الغوطة «توفر مصالح إيران التي تسعى لإكمال الطوق على العاصمة لإنشاء حزام شبيه بحزام بغداد». وأضاف: «كل دولة تسعى لترسيخ مناطق نفوذها من أجل طاولة الحل النهائي، وتفرض شروطها استناداً إلى حصتها ومناطق نفوذها». وأكد أن «سوريا اليوم تتقاسمها دول إقليمية ودول كبرى، بينما الشعب السوري لا يسأل أي أحد عنه».
وأشار رحال إلى أن «الهدوء النسبي الذي يحيط بريف حمص الشمالي وريف حماة، يحمل مؤشرات على مساعي النظام للتوصل إلى تسوية هناك»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «عمليات (داعش) في البادية ضد النظام، ستجعل العملية العسكرية في البادية أولوية بالنسبة إليه لقضم نفوذ (داعش) المتبقي في وسط سوريا».
وكانت قوات النظام قد عززت انتشارها في محيط دوما خلال الأيام الأخيرة بالتزامن مع المفاوضات، تمهيداً لعمل عسكري في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع فصيل جيش الإسلام. ولطالما كرر قادة جيش الإسلام رفضهم أي حل يتضمن إجلاءهم إلى أي منطقة أخرى.
وانتهت السبت الماضي، عملية إجلاء مقاتلي «فيلق الرحمن» ومدنيين من جنوب الغوطة الشرقية بخروج أكثر من 40 ألف شخص على مدى 8 أيام. وكان قد تم الأسبوع الماضي إجلاء أكثر من 4600 شخص من بلدة حرستا. وخرج من الغوطة الشرقية حتى الآن أكثر من 150 ألف شخص عبر الممرات «الآمنة» التي حددتها قوات النظام عند مداخل الغوطة الشرقية باتجاه مناطق سيطرتها، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.