سيدي بوزيد تستقبل ذكرى «الثورة»... بثورة من الخيبة

بعد 7 سنوات ما زالت الشكاوى كما هي {بطالة وفقر وإهمال سياسي}

أحد الشوارع الرئيسية في سيدي بوزيد ({الشرق الأوسط})
أحد الشوارع الرئيسية في سيدي بوزيد ({الشرق الأوسط})
TT

سيدي بوزيد تستقبل ذكرى «الثورة»... بثورة من الخيبة

أحد الشوارع الرئيسية في سيدي بوزيد ({الشرق الأوسط})
أحد الشوارع الرئيسية في سيدي بوزيد ({الشرق الأوسط})

بمجرد وصولك إلى مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، تستقبلك علامة مرورية، كتبت بحروف عربية خضراء ترحب بالزائرين.
يستقبلك أهل المدينة ببشاشة، كعادة أهل الريف... ولكن سرعان ما يتحول الترحاب إلى شكاوى، بمجرد أن يتطرق الحديث عن الثورة التونسية التي فجرها ابنهم محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2010. الشكوى لا تنتهي من السياسة والسياسيين، من الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، من القسوة التي يواجهها أهل المنطقة التي أهملها نظاما بورقيبة وبن علي، لمدة عقود من الزمن، وتواصل تهميشها بعد الثورة التي خيبت الآمال ولم تف بوعودها على حد تعبير من حاورتهم «الشرق الأوسط».
الزائر للمدينة يلحظ آثار تنهيدة طويلة، على وجوه السكان... وعلامات انتظار أطول لعناصر التنمية وتشغيل العاطلين، وهي عناصر كانت منتظرة خلال سنوات الثورة السبع الماضية. لا تشعر بأي وهج يوحي باندلاع ثورة من هذا المكان، ذات شتاء سابق. ثورة أربكت العالم وأطاحت بعدد من الأنظمة السياسية العربية... ولا تزال آثارها بائنة في كل أرجاء المنطقة. في مدينة سيدي بوزيد، تطغى مشاعر الغضب على كل مشهد، فالشعارات نفسها التي طالبت بالتنمية والتشغيل ما زالت محفورة على الجدران بما يوحي بعدم تغير شيء على الإطلاق. الحياة رتيبة هنا، وعقارب الساعة تدور ببطء شديد، ولا ترى حركة أو جلبة إلا أمام بعض المؤسسات العمومية على رأسها مركز الولاية (المحافظة)، حيث أحرق البوعزيزي نفسه احتجاجا على ظروفه الاجتماعية القاهرة.
يتجمع الناس في مقاهي المدينة المنتشرة... في ظل غياب الأنشطة الترفيهية الأخرى، ويسود كلام مكبوت بين الجميع: «الثورة قام بها الزواولة (الفقراء)، ولكنها عمقت من آلام الفقراء أكثر».
أما ساحة محمد البوعزيزي المكان الذي أحرق فيه جسده فهي كذلك تعج بالشباب الباحث عن عمل عرضي يقي به الفقر والخصاصة، فمنهم من اختار بيع الخضر والغلال، ومنهم من فضل تجارة الملابس المهربة أو الأكلات الخفيفة (بيع البيض المسلوق والساندويتش). ويخشى الناس هنا من إعادة السيناريو نفسه في أي لحظة، فالأسباب التي دعت البوعزيزي إلى حرق نفسه ما زالت قائمة، وربما تعمقت أكثر خلال السنوات السبع الماضية.
يقول عطية العثموني، وهو ناشط سياسي، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد ذقنا الأمرين في عهد بن علي... لاحقنا البوليس السياسي وأذاقنا أنواعا من العذاب، ولكننا تماسكنا وتمسكنا بخيط الأمل، إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر بعير نظامه. تفاءلنا خيرا وانتظرنا الكثير من وراء الثورة. (يصمت قليلا ثم يهز رأسه إلى السماء لتخرج تنهيدة قوية من أعماقه)... لكن الأمل خاب». ويصب جام غضبه وسخطه على الساسة والسياسيين «فهم غنموا المناصب ونسوا الفقراء ومن قادهم إلى تلك المناصب».
ذكرته بصوت هادئ عله يخفض من لهجته الثورية، بأن الحكومة وعدت ببرنامج للنهوض الاقتصادي خلال السنة المقبلة، لكنه لم يبد أي اهتمام لذلك، وحسب قوله فإن «كل الوعود تتبخر في أول تجربة عملية... وكل المحاولات في إحداث التنمية المرجوة باءت بالفشل، ولا ندري كيف سيكون المستقبل». ويضيف: «النتائج الاقتصادية المحققة والخوف من عدم صرف رواتب التونسيين عند نهاية كل شهر، تبين الصورة المتوقعة».
النغمة المتشائمة هي أسلوب واحد بين معظم السكان... ويذهب البعض إلى القول «إن الواقع الاجتماعي والاقتصادي قد لا يتغير في سيدي بوزيد وغيرها من المدن التونسية... حيث لا يوجد نور على طول أو في آخره». الشافعي السليمي وهو إعلامي من سيدي بوزيد، يقول: «لا يمكننا أن نتحدث عن تغييرات قد تتحقق، فالأمر في حاجة إلى رجة نفسية قوية، ولكنها هذه المرة قد تكون أكثر شراسة مما وقع سنة 2010، فالغضب والاحتجاجات تكاد تكون يومية أمام مقر الولاية وفي كل المدن المكونة لهذه المنطقة على غرار منزل بوزيان وبني عون وجلمة والرقاب والمكناسي، وهي من بين أهم المدن التي أسهمت في إسقاط النظام السابق، ودفعت ثمن ذلك من دماء أبنائها». ويضيف: «لقد عملنا في ظروف صعبة خلال عهد بن علي، وكان ينقصنا حرية التعبير في ظل واقع اجتماعي تدعمه الدولة بكل الوسائل، أما الآن فلنا حرية التعبير، ولكن لا شيء أبعد من ذلك».
عبد الرحمان البراهمي، وهو أستاذ متقاعد، يشير إلى أن «مؤسسات اقتصادية كثيرة، أغلقت أبوابها بعد اندلاع الثورة، كما تم إهمال شركات فلاحية منتجة تابعة للدولة، فأصيب الشباب بخيبة أمل، وهو يرى أحلامه تحترق أمام عينيه، وتزامن ذلك كله مع ارتفاع مستمر في أسعار كل المواد الاستهلاكية، وهو ما أثقل كاهل فئات عريضة من التونسيين، وهذا ملحوظ أكثر بين الفئات الاجتماعية الفقيرة».
وتقول السلطات إنها تستعد لإنشاء مصنع للإسمنت، ومشروع لاستخراج مادة الفوسفات، بمنطقة المكناسي، وهي مشاريع في طور الدراسة وقد تجد طريقها نحو التنفيذ، ولكنها خطوة تبدو صغيرة، وسط مطالب جحافل العاطلين عن العمل ولا تلبي طموحات الآلاف منهم.
مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة)، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك شعورا عاما سائدا بالإحباط، فالبطالة والتهميش الاجتماعي تفاقما بعد الثورة ولم تجد البلاد توازنها إلى حد الآن... وأن معظم الاحتجاجات الاجتماعية يطغى عليها الطابع السلمي، حتى الآن... إلا أن الأمور قد تخرج عن السيطرة في حال عدم فتح آفاق فعلية أمام المحتجين». وأضاف: «العقدة لا تكمن في مشاريع البنى التحتية والإصلاحات الاقتصادية التي أخذت الدولة في إنجازها، وإنما في توفير عوامل غير اقتصادية من شأنها أن توفر الأمن وتعيد الاستقرار وتسترجع ثقة المستثمرين». في سيدي بوزيد التي يقدر سكانها بنحو 420 ألف ساكن، ترتفع نسبة الأمية في المحافظة إلى حدود 29.2 في المائة، فيما تقدر نسبة البطالة بنحو 17.7 في المائة (معدل وطني بنحو 15 في المائة) ويمثل خريجو الجامعات ومؤسسات التعليم العالي 57.1 من إجمالي العاطلين، وهو ما يجعل العبء ثقيلا على أي حكومة تونسية تأخذ بزمام الأمور.
هنا في سيدي بوزيد، يسود إحساس بأن «الثورة أكلت أبناءها»، ويسر إليك بعض الشباب أن ثورة أخرى مقبلة على مهل، وهي تنتظر أسباب اندلاعها من جديد، وهو ما تشير إليه أحزاب سياسية معارضة وعدد كبير من المنظمات الحقوقية والاجتماعية.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».