أمر عراقي بتوقيف أعضاء مفوضية استفتاء كردستان

القضاء يرد طلباً لمعاقبة النواب الأكراد المشاركين في الاستفتاء

TT

أمر عراقي بتوقيف أعضاء مفوضية استفتاء كردستان

في أحدث فصول التصعيد المتواصل بين بغداد وأربيل، أصدرت محكمة عراقية أوامر بتوقيف رئيس مفوضية الانتخابات في إقليم كردستان وأعضائها الذين أشرفوا على إجراء استفتاء الاستقلال في الـ25 من الشهر الماضي.
وقال الناطق باسم مجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار، إن «الأمر صدر بناءً على الشكوى المقدمة من مجلس الأمن الوطني على خلفية إجراء الاستفتاء خلافاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا». ويقود المجلس رئيس الحكومة حيدر العبادي. وأكد بيرقدار أن محكمة تحقيق الرصافة «أصدرت أمر القبض بحق المتهمين وفق المادة 329 من قانون العقوبات».
وتنص هذه المادة على أن «يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته في وقف أو تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين والأنظمة أو أي حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو أي سلطة عامة مختصة أو في تأخير تحصيل الأموال أو الرسوم ونحوها المقررة قانوناً».
وندد رئيس مفوضية الانتخابات الكردية هندرين محمد بقرار المحكمة، واعتبره «قراراً سياسياً بامتياز ليس له أي أساس قانوني ودستوري». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مفوضية الانتخابات في كردستان تعمل حسب قوانين الإقليم بأمر من رئاسته وتوصية برلمان كردستان التي تعتبر مؤسسات رسمية وفق الدستور العراقي». وأضاف أن «هذا القرار يستهدف النجاح الذي حققته مفوضية كردستان في تنظيم الاستفتاء على الاستقلال».
وقلل النائب في برلمان إقليم كردستان فرحان جوهر من القرار القضائي. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بغداد لن تتمكن من تنفيذ قراراتها في كردستان... لن تكون لقرارات بغداد السياسية هذه أي تأثير لأنها تفتقد الإسناد القانوني، وليست لها أي قيمة قانونية، فهي ليست سوى قرارات تعسفية انتقامية تخالف الدستور العراقي».
وأصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بغداد توضيحاً حول أوامر القبض الصادرة بحق رئيس مفوضية الانتخابات في إقليم كردستان وأعضائها. وقالت في بيان إنها «غير معنية بالأمر لأنها لا تتعامل بأي شكل من الأشكال مع مفوضية الانتخابات في الإقليم، وليس هناك أي تعاون بينها وبين المفوضية التي شكلها برلمان إقليم كردستان، لكونها تشكّلت لإجراء الانتخابات في الإقليم حصراً».
وأكدت أنها بموجب قانونها «معنية بإدارة الانتخابات البرلمانية الاتحادية والاستفتاءات وانتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم في عموم العراق وتنظيمها، وبذلك ليس هناك أي ارتباط أو تعاون بين الطرفين».
وفي شأن قضائي آخر ذي صلة بموضوع الاستفتاء الكردي، ردّت المحكمة الاتحادية العليا طلباً لـ«إبداء الفتوى والرأي بخصوص النواب المشاركين في استفتاء إقليم كردستان، تقدم به مجلس النواب العراقي الأسبوع الماضي. وذكر توضيح أصدرته المحكمة أن ذلك «ليس من اختصاصها الوارد في الدستور وقانونها».
وقال مدير المكتب الإعلامي إياس الساموك، إن «المحكمة الاتحادية العليا تلقت بيان الرأي والفتوى من مجلس النواب عن الموقف من مشاركة نواب في استفتاء إقليم كردستان، ومدى مخالفة ذلك لليمين الدستورية، حسب المادة 50 من الدستور».
وخلص إلى أن المحكمة الاتحادية «وجدت بالرجوع إلى اختصاصاتها المنصوص عليها في المادة 93 من الدستور، والمادة 4 من قانونها رقم 30 لسنة 2005، أن الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات وكذلك بقية المنازعات المنصوص عليها في الدستور، يكون من خلال دعوى تقام أمامها وفق أحكام نظامها الداخلي».
وأشار إلى أن «المحكمة الاتحادية العليا ليس من اختصاصاتها إعطاء الرأي والإفتاء في الموقف موضوع كتاب مجلس النواب، حيث تختص جهات أخرى بإعطاء الرأي والإفتاء في مثل هذه الوقائع والمواقف، وبناء عليه قررت رد الطلب لعدم الاختصاص».
وأقر مصدر مقرب من مجلس النواب بأن طلب المجلس «مخالف للقانون شكلاً ومضموناً». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إنهاء العضوية في مجلس النواب يستند إلى سبعة أسباب مذكورة على سبيل الحصر في المادة 2 من التعديل الأول لقانون استبدال الأعضاء رقم 49 لسنة 2007».
وأكد أنه «في ظل عدم توافر حالة من الحالات السبع المشار إليها ومن دون اتباع الآلية التي نص عليها الدستور، يغدو طلب إنهاء العضوية مخالفاً للقانون». واستبعد إلغاء عضوية النواب الأكراد: «إلا في حال قيام هيئة الادعاء العام بتحريك دعاوى ضد من شارك في الاستفتاء مستندة إلى نوع من التكييف القانوني، بمعنى لو اعتبرت المشاركة جناية وصدر حكم استوفى أوجه الطعن». غير أنه استطرد أن ذلك أيضاً «أمر مستبعد، لأنه يتعلق بضغوط سياسية أكثر من كونها قانونية».
واشترط «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني «إيقاف معاقبة الإقليم» لعودة أعضاء كتلته إلى البرلمان العراقي. وقال بيان صادر عن الحزب إن أعضاءه عقدوا اجتماعاً وقرروا فيه أن «مشاركة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في اجتماعات البرلمان العراقي مرهونة بقبول الحكومة العراقية بإجراء حوار غير مشروط ووقف سياسة معاقبة إقليم كردستان». واتهم «بعض الكتل وأعضاء البرلمان بالسعي إلى معاقبة أعضاء الكتل الكردستانية بشكل مخالف للدستور والقوانين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.