تعرف على إقليم كاتالونيا الذي أمهلته إسبانيا 48 ساعة للتخلي عن الانفصال

مظاهرة لمؤيدي الانفصال في برشلونة بمناسبة اليوم الوطني لكاتالونيا (رويترز)
مظاهرة لمؤيدي الانفصال في برشلونة بمناسبة اليوم الوطني لكاتالونيا (رويترز)
TT

تعرف على إقليم كاتالونيا الذي أمهلته إسبانيا 48 ساعة للتخلي عن الانفصال

مظاهرة لمؤيدي الانفصال في برشلونة بمناسبة اليوم الوطني لكاتالونيا (رويترز)
مظاهرة لمؤيدي الانفصال في برشلونة بمناسبة اليوم الوطني لكاتالونيا (رويترز)

أمهلت الحكومة الإسبانية الجمعة حكومة إقليم كاتالونيا 48 ساعة للإعلان رسميا عن التخلي عن الاستفتاء المقرر لسكان الإقليم بالانفصال عن البلاد.
وقالت مدريد إن إدارة الإقليم، الذي يتمتع بحكم ذاتي، ستواجه تجميدا لمواردها المالية إذا لم تنصع لطلباتها ضمن المهلة المحددة وأوقفت إجراء الاستفتاء الذي وصفته بأنه غير قانوني.
وكانت حكومة إقليم كاتالونيا قد أعلنت عن إجراء استفتاء شعبي على الانفصال عن إسبانيا في الأول من الشهر المقبل. فما هي هذه المنطقة التي تسلطت عليها الأضواء حاليا، بحسب «بي بي سي»؟
- نزعة استقلالية
تعد منطقة كاتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراء، وهي منطقة صناعية، ذات نزعة استقلالية، وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة.
ويمتد تاريخ الإقليم إلى العصور الوسطى، ويعتقد كثيرون من أهالي الإقليم أنهم أمة مستقلة عن بقية إسبانيا.
ويعزز هذه المشاعر الذكريات المرتبطة بفترة فرانسيسكو فرانكو الذي حاول قمع الهوية الكاتالونية، وينعكس الأمر بوضوح في التنافس الشرس بين نادي برشلونة ومنافسة ريال مدريد اللذين يمثلان قمة كرة القدم الإسبانية.
ويقع الإقليم في أقصى شمال الشرقي لإسبانيا وتفصله جبال البرانس عن منطقة جنوب فرنسا الذي يرتبط بها الإقليم بعلاقات وثيقة.
وأغلب سكان الإقليم يعيشون في عاصمته برشلونة، التي تمثل مركزا اقتصاديا وسياسيا مهما، فضلا عن أنها نقطة جذب سياحية تحظى بشعبية كبيرة.
ويشتهر الإقليم أيضاً بالصناعات التقليدية وصناعة الكيماويات والأغذية المصنعة والمعادن، فضلا عن ازدهار قطاع الخدمات به.
- تاريخ
ظهرت المنطقة أول مرة كهوية متميزة مع صعود مقاطعة برشلونة في القرنين الـ11 و12 م لتصبح تحت نفس الحكم الملكي لمملكة أراغون المجاورة وأصبحت قوة بحرية كبرى في العصور الوسطى.
وأصبحت كاتالونيا جزءا من إسبانيا منذ نشأتها في القرن 15 عندما تزوج فرديناند ملك أراغون وإيزابيلا ملكة قشتالة ليوحدا مملكتيهما.
وفي القرن التاسع عشر تجدد الشعور بالهوية الكاتالونية التي تحولت إلى حملة من أجل الاستقلال السياسي وحتى الانفصال وشهدت هذه الفترة مرحلة لإحياء الانتماء الكاتالوني.
وعندما أصبحت إسبانيا جمهورية في عام 1931 منحت كاتالونيا حكما ذاتيا واسعا خلال الحرب الأهلية الإسبانية وكانت حينها معقلا رئيسيا للجمهوريين.
وكان سقوط برشلونة في يد الجنرال فرانكو في عام 1939 بداية نهاية المقاومة الإسبانية. وتحت الحكم المتشدد لفرانكو ألغى الحكم الذاتي، وتعرضت القومية الكاتالونية للقمع، وأصبح استخدام اللغة الكاتالونية مقيدا.
- السياسة واللغة
مع ظهور الديمقراطية في إسبانيا بعد وفاة فرانكو أصبح لإقليم كاتالونيا البرلمان الخاص به مع حكم ذاتي واسع النطاق.
وأدى تراجع الاقتصاد الإسباني في السنوات الأخيرة إلى تأجيج النزعة الانفصالية في كاتالونيا حيث يعتقد الكثيرون أن الإقليم يدفع أكثر مما ينبغي لمدريد.
وأجرت الحكومة الإقليمية، التي تتولى السلطة منذ انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 والمدعومة من الحزبين الانفصاليين الرئيسيين، استفتاء غير ملزم على الاستقلال عام 2014 حيث صوت 80 في المائة بنعم، فيما اعتبرت الحكومة الإسبانية أنه ليس من حق كاتالونيا دستوريا الانفصال.
وتعد اللغة الكاتالونية لغة رسمية في الإقليم إلى جانب الإسبانية ويتم التشجيع على استخدامها في التعليم والإعلام. وأغلب سكان الإقليم يتحدثون اللغتين.
كما تنتشر اللغة الكاتالونية أيضا في فالينسيا في الجنوب وجزر البليار ومنطقة روزالين في فرنسا، لذلك يعتبر القوميون في كاتالونيا أن هذه المناطق تشكل «دولا كاتالونية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟