حال معرض الكتاب بدمشق بدورته التاسعة والعشرين كشفت عن حالة الاحتضار التي يعيشها الكتاب الورقي العربي عموما، وحالة تماوت الكتاب في سوريا خصوصا جراء ظروف الحرب، ومع أن القائمين عليه بذلوا قصارى جهودهم في استثمار إقامة المعرض كدعاية لعودة عجلة الحياة الطبيعية إلى الدوران، إلا أنهم فشلوا في إعادة بعض من الألق الذي كان يحيط المعرض قبل سبع سنوات. في جولة على أجنحة دور النشر المشاركة التي يتجاوز عددها الـ150 دار نشر بينها 40 دار نشر أجنبية وعربية، سيلاحظ ضآلة حجم المعروضات من كتب ومنشورات متنوعة، كما لن تضل العين أن غالبيتها حملت من الأقبية والمستودعات يكسوها الغبار والأتربة وبعضها تعرض للتلف جراء الرطوبة في مشهد يثير الرثاء والأسف على شباب معرض الكتاب الدولي في دمشق الذي عاش وهجاً منقطع النظير خلال السنوات السبع والعشرين قبل توقفه جراء الانفلات الأمني الذي عاشته البلاد مع اندلاع الثورة ضد النظام عام 2011. في تلك السنوات كبر المعرض وفاضت محتويات الأجنحة حتى خرجت من حدائق المكتبة الوطنية لتحتل الأرصفة المحيطة وصولا إلى ساحة الأمويين، بينما الزوار يتدافعون في الممرات للوصول إلى مقاصدهم من الكتب والعناوين الجديدة. ولم تكن أي من الدور القادمة من الخارج تعيد معها شيئاً من شحنة الكتب التي شاركت فيها، وبعض الدور كانت تضطر لجلب أكثر من شحنة خلال أيام المعرض، في تلك الأيام كانت شكاوى الناشرين من سوء سوق الكتاب وتراجعه نوعاً من درء عين الحسود، إذا تمت مقارنته بحال المعرض اليوم في دورته التاسعة والعشرين والتي سماها القائمون عليها دورة الاستمرار، بعد دورة العودة التي مثلتها الدورة الثامنة والعشرون التي انعقدت السنة الماضية. فبالكاد تمتلئ أرفف الأجنحة، وبالكاد تمتلئ الأروقة بالزوار والمهتمين.
يقول أحد المثقفين المتابعين للمعرض إن «الساحة الثقافية الدمشقية خسرت 90 في المائة من مثقفيها المستقلين والمعارضين، معظمهم غادروا. وجود هؤلاء كان يضفي على أجواء المعرض كمناسبة ثقافية سنوية كثيرا من الحيوية سواء بسواء بجديد إصداراتهم وأصدائها، أم بصليل مشاحناتهم الثقافية، التي كانت تملأ الأجواء صخباً وحياة»
ويضيف: «ولعل الجلبة التي أحدثها تسلل كتابين يمجدان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى المعرض، ثم سحبهما ومعاقبة الدار التي سربتهما، بعد غضب الموالين للنظام واتهام وزارة الثقافة بالتراخي في المراقبة والفساد، تكشف أن الكتب التي سمح النظام بعرضها وبيعها كلها لا تتجاوز المحظورات السياسية وغالبيته من اتجاه واحد دون تنوع». ويضيف المتابع: «معظم دور النشر والمؤسسات الفكرية التي أتيحت لها المشاركة استغلت مناسبة المعرض لتصريف الكتب المتكدسة في مستودعاتها. أما الكتب الجديدة فتلك الصادرة عن دور نشر تابعة للمؤسسات النظام أو لمؤسسات موالية تبيع كتباً فاخرة بأسعار رمزية. وغالبيتها كتب دعائية لا قيمة علمية أو أدبية لها»، لافتاً إلى أن بقايا مستودعات المكتبات ضمت كتباً عربية هامة أغلبها صادر قبل أكثر من عشر سنوات. فقد وجدت كتاباً صادراً في لندن عام 1990 وسعر الغلاف كما مثبت عليه عشرة دولارات أي خمسة آلاف ليرة سورية حسب سعر الصرف الآن لكنني اشتريته بسعر خمسمائة ليرة أي دولار واحد وهو السعر السوري حسب عام 1990 كما وجد المتابع قصص أطفال روسية إصدار دار «مير» السوفياتية التي لم يعد لها وجود، وتباع بأسعار لا تتجاوز المائة ليرة سورية (سعر الدولار 535 ليرة) وقال: «هكذا منشورات لو تم توزيعها مجاناً لن تجد من يأخذها لقد عفى عليها الزمن»
(س. ع) أحد المقربين من القائمين على المعرض تحدث عن الصعوبات الكبيرة التي أحاطت إقامة معرض الكتاب بدمشق. وذكر أن دور نشر عربية كثيرة لا سيما دول المغرب العربي كان لديها رغبة بالمشاركة إلا أن عدم وجود شحن مباشر إلى سوريا بسبب العقوبات الأوروبية والعربية أعاق ذلك، وسلوك طريق التفافية سيكون مكلفا ويزيد في الخسارة. وتوقف (س.ع) عند مشكلة سعر الكتاب التي باتت باهظة جدا بالنسبة للقارئ السوري فأقل كتاب يتراوح سعره بين (5 - 10) دولارات أي ما بين 2500 ليرة إلى خمسة آلاف، وهذا «باهظ جدا في بلد بات أكثر من 80 في المائة من سكانه تحت خط الفقر»، كاشفا عن بعض دور النشر السورية لجأت إلى الطباعة الشعبية «التصوير» لتخفيض تكاليف الطباعة إلى أدنى حد مع خفض الجودة لتتمكن من وضع سعر يلائم السوق فالكتاب الذي يباع في الدول الأخرى بعشرين دولاراً يباع في سوريا نسخة شعبية منه بثلاثة دولارات، مع التنويه أن تلك النسخ مطبوعة خصيصا للسوق السورية. وفي حال عدم وجود هذا التنويه على الكتاب فذلك يعني أن الكتاب مقرصن.
دمشق تحتضن معرض الكتاب بـ«دورة الاستمرار» بعد دورة {العودة}
في غياب نخبتها الثقافية المستقلة
دمشق تحتضن معرض الكتاب بـ«دورة الاستمرار» بعد دورة {العودة}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة