أسواق الأسهم تسجل أعلى الأرقام القياسية، والشركات الأجنبية تعلن عن بناء مصانع كبرى جديدة في الولايات المتحدة، مع التوظيف القوي الذي هبط بمعدلات البطالة الأميركية إلى أدنى مستوياتها خلال 16 عاما.
ولقد أضاف هذا التقارب المزيد من الزخم إلى سجل التقرير الاقتصادي يوم الجمعة، الذي يعكس سرور الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتقديمه إلى الأمة كإشارة على العمل الجيد والمستمر.
وعلى صعيد التوظيف، ذكرت وزارة العمل الأميركية إضافة 209 آلاف وظيفة جديدة في يوليو (تموز) الماضي؛ الأمر الذي فاق توقعات خبراء الاقتصاد في وول ستريت، مع معدل البطالة الذي يعادل النسبة المئوية المسجلة في مايو (أيار) بواقع 4.3 نقطة مئوية، وهي أدنى النسب المسجلة منذ أوائل عام 2001.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلنت اثنتان من كبريات شركات صناعة السيارات اليابانية، «تويوتا» و«مازدا»، افتتاح مصنع جديد في موقع غير محدد في الولايات المتحدة، وهو المشروع الذي سوف يوفر 4000 فرصة عمل جديدة؛ مما يعد جائزة لحملة السيد ترمب لعكس مسار الأعمال والصناعات التحويلية في الولايات المتحدة.
وفي حين أن سوق الأسهم شهدت يوما هادئا نسبيا، بلغ مؤشر داو جونز الصناعي مستوى مرتفعا جديدا، بعد يومين فقط من إغلاقه أعلى من 22.000 نقطة للمرة الأولى.
ومع ارتداد كل تلك الأخبار الاقتصادية الإيجابية من خلال وول ستريت، وفي وسائل التواصل الاجتماعي وحول أروقة المكاتب، تحولت المحادثات بصورة حتمية نحو سؤال واحد: ما مقدار الفضل الذي يحظى به السيد ترمب في ذلك؟
وفي سلسلة من التغريدات الصباحية، زعم الرئيس ترمب لنفسه شيئا من هذا الفضل.
فمن ناحية أنباء التوظيف، أعلن قائلا: «لقد صدرت للتو أرقام ممتازة للتوظيف – وما زلت في مستهل عملي. ولا تزال اللوائح المقيدة للتوظيف تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. وبدأت حركة العودة إلى الولايات المتحدة الأميركية».
وفي وقت سابق، وبالإضافة إلى الإشادة بالاستثمارات العظيمة من جانب «تويوتا» و«مازدا»، أشار السيد ترمب إلى «ثقة المستهلك التي بلغت أعلى مستوياتها خلال 16 عاما... ولسبب وجيه. ولسوف نواصل العمل على اللوائح المقيدة للأعمال. ونعمل بجدية على التخفيضات الضريبية والإصلاح!». ولقد أشارت التغريدات المذكورة إلى البيئة التنظيمية الأكثر مرونة بصفتها عاملا من أهم العوامل.
جدلية التلازم أم السببية؟
بطبيعة الحال، وكما يحلو لخبراء الاقتصاد القول، فإن التلازم شيء والسببية شيء آخر تماما. والكثير من الاتجاهات التي يستفيد منها السيد ترمب في الوقت الراهن – من انخفاض معدلات البطالة، والتوظيف المستمر، وارتفاع أسواق الأسهم – كانت متواجدة وبشكل ثابت في عهد سلفه باراك أوباما.
وفي حالة بيانات التوظيف الصادرة يوم الجمعة، فإن السيد ترمب يستشهد بالأرقام التي وصفها بالمزيفة منذ وقت ليس بالبعيد خلال حملته الانتخابية الرئاسية الأخيرة.
وفي خاتمة المطاف، ليست هناك من طريقة لتحديد مقدار الفضل الذي يحظى به السيد الرئيس في جذب الاستثمارات الأجنبية أو تشجيع خلق المزيد من فرص العمل في الداخل بدلا من الخارج.
ولكن حتى بعض المشككين في المنهاج العام المشاهد يقرون بأن وعود السيد ترمب الانتخابية بإصلاح الضرائب ورفع الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، إلى جانب الضغوط لأجل زيادة التصنيع التحويلي المحلي، يتردد صداها داخل قاعات الاجتماعات لكبريات الشركات داخل وخارج الولايات المتحدة.
يقول هوارد روبل، المحلل لدى شركة «جيفريز» المعنية بشؤون شركات الطيران والشركات الدفاعية الكبرى مثل «بوينغ» و«يونايتد تكنولوجيز»: «لا يتجاوز الأمر مجرد الكلام المعسول في 80 في المائة من الشركات على مستوى العالم، ولكن هناك بعض المديرين التنفيذيين الذين يرغبون في مساندة مبادرات السيد ترمب».
ومن الأمثلة القائمة على ذلك هو السيد رافين غاندي مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «جي إم إم» للدهانات غير اللاصقة في مدينة شيكاغو.
والسيد غاندي نجل اثنين من المهاجرين من الهند، وكان من أشد المعارضين السابقين للسيد ترمب قبل الانتخابات، حتى أنه ظهر على شاشات شبكة «سي إن بي سي» الإخبارية للتنديد بمقترحات المرشح الرئاسي دونالد ترمب (آنذاك) بشأن التجارة والهجرة والرعاية الصحية.
تغيير مواقف
وبعد انتخاب السيد ترمب رئيسا للبلاد، رغم كل شيء، يقول السيد غاندي: «جذبني خطاب النمو الاقتصادي المتنامي في البلاد، وكنت أستمع إلى قصص حول النمو بنسبة 4 نقاط مئوية، وحول الإصلاحات الضريبية وتكاليف الرعاية الصحية خاصتي التي بدأت في الانخفاض بشكل ملحوظ».
ولم يكن لأي من ذلك أن يمر مرور الكرام على أي حال.
ولكن السيد غاندي استثمر 3 ملايين دولار خلال العام الحالي في التوسع محليا، وعيّن 20 موظفا آخرين، على الرغم من أن المبيعات كانت هادئة مقارنة بعام 2016، عندما سجلت ارتفاعا مضاعفا خلال العام الحالي.
وقال السيد غاندي «إنه فارق دقيق»، مشيرا إلى أن شركته بيعت في الآونة الأخيرة من قبل أحد التكتلات اليابانية الكبيرة، وأن شركات الأجهزة المنزلية الأميركية التي يورد لها المنتجات كانت تصنع أغلب الأواني والأطباق في الخارج.
وأضاف السيد غاندي يقول: «إن الكثيرين ممن كانوا يعارضون ترمب لا يزالون يريدون له النجاح بسبب أننا كمواطنين نرغب في أن يرتفع الأداء الاقتصادي في بلادنا. ولكن، حتى الآن، كنا نسمع كلاما ولا نرى أفعالا».
وعلى الرغم من الأرباح القوية بوجه عام، لا يزال الكثير من أرباب الأعمال في الشركات الصناعية يتخلصون من الوظائف.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أقنع السيد ترمب شركة «يونايتد تكنولوجيز»، الشركة الأم لشركة «كارير»، بعدم إغلاق مصنعها في مدينة إنديانابوليس، لكن الشركة لم تتراجع عن خططها وأغلقت المصنع وسرحت مئات عدة من العمال في الشهر الماضي.
يقول السيد روبل: «عندما تتطابق مع السوق، فإن الشركات لا تزال تقيم مصانع الإنتاج الرئيسية خارج الولايات المتحدة»، وأردف يقول: «لو أن المسألة مجرد حظ، يبدو أن الشركات على استعداد للمحافظة على أعمالها في البلاد. فإن الرهانات أفضل بكثير، ولا سيما إن كانت سوف تساعد الشركات في مجال الإصلاح الضريبي، والبنية التحتية، أو الحصول على العقود الدفاعية».
تحديات حقيقية
وربما بأكثر من مجرد الاستعانة بالمصادر الخارجية، فإن التهديد الحقيقي أمام السيد ترمب لنمو الوظائف بالنسبة لطبقة العمال الكادحين يأتي من الأتمتة وغير ذلك من الجهود الرامية لتحسين الإنتاجية في المصانع. وفي العام الأخير من ولاية الرئيس أوباما، هبطت القوة العاملة في شركة «بوينغ» إلى 148 ألف عامل، من أصل 159 ألف عامل، وفقا إلى السيد روبل.
ولقد أعلنت شركة «بوينغ» تحقيق أرباح ممتازة مؤخرا، ورفعت مؤشرات الأسهم إلى مستويات قياسية، لكنها قضت على 4500 منصب آخر في الشركة منذ انتقال السيد ترمب إلى البيت الأبيض.
ومع استثناء شركتي «بوينغ» و«كارير»، كان إحياء الصناعات التحويلية المحلية من الأهداف الاقتصادية الرئيسية للسيد ترمب منذ توليه المنصب، مع الكثير من الزيارات لأماكن مصنع «سناب - أون» في كينوشا بولاية ويسكونسن، حيث أعلن عن مبادرة «اشتر المنتج الأميركي، ووظف العامل الأميركي» في أبريل (نيسان) الماضي.
وعكس قطاع المصانع علامات إيجابية مبشرة خلال العام الحالي، رغم أن الخبراء يقولون إن الأمر له علاقة مباشرة بتحسين الاقتصادات في الخارج وضعف الدولار الأميركي الذي يفيد المصدرين بأكثر مما يفيد سياسات البيت الأبيض المعلنة. ورغم ذلك، أضافت الصناعات التحويلية الأميركية 16 ألف وظيفة جديدة في يوليو الماضي، وارتفعت معدلات التوظيف في ذلك القطاع إلى أعلى مستوياتها منذ يناير (كانون الثاني) في عام 2009.
العنصر المفقود
من ناحية أخرى، وعلى صعيد نمو الأجور وهو العنصر المفقود طوال فترة الانتعاش الاقتصادي، فقد ظلت معدلاته باهتة. وذكرت وزارة العمل، أن الأجور ارتفعت بواقع 0.3 نقطة مئوية في الشهر الماضي، لتصل أرباح السنة بأكملها إلى 2.5 نقطة مئوية هبوطا من نسبة 2.8 نقطة مئوية المسجلة عن نفس الفترة من العام الماضي.
وهي ليست من قبيل الأنباء السارة بالنسبة للعمال الأميركيين، لكن مكاسب الرواتب المعتدلة تعد جيدة من وجهة نظر وول ستريت. وغياب الضغط التصاعدي على الأجور يفسح مجال المناورة أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي قبل الزيادة المقبلة في أسعار الفائدة.
يقول مايكل غابين، كبير خبراء الاقتصاد الأميركي لدى بنك باركليز: «إنه من التقارير المعتدلة للأسواق»، مما يعني أنه في حالة وسط بين الإيجاب والسلب، لكنه ملائم تماما بالنسبة للمستثمرين وصناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي؛ إذ أغلق مؤشر داو عند 66.71 ارتفاعا، لينهي أسبوع التداولات عند مستوى 22.092.81 نقطة.
وأضاف السيد غابين قائلا إن أرقام الوظائف المسجلة أخيرا تشير إلى احتمال التزام البنك المركزي الأميركي بالخطة التي ينتظرها وول ستريت: الانخفاض في حيازات السندات في سبتمبر (أيلول)، مع الانخفاض التدريجي من جهود التحفيز لدى البنك المركزي، ويلي ذلك زيادة في أسعار الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وبالنسبة للسيد ترمب وقادة كلا الحزبين الكبيرين في كابيتول هيل، يقول أرباب الأعمال إن المفتاح يكمن في استعادة التفاؤل المتزايد والتوظيف في ظل الإنجازات الفعلية الملموسة.
يقول توم غيمبل، الرئيس التنفيذي لشركة «لاسال نيتورك للموارد البشرية» في شيكاغو: «قد لا نتفق في عالم الشركات الأميركية مع الرئيس حول القضايا الاجتماعية، مثل الاحترار العالمي أو المتحولين جنسيا الذين يخدمون في الجيش».. ولكن السيد غيمبل، الذي افتتح مكتبا جديدا مؤخرا في ناشفيل بولاية تينيسي يوم الاثنين ويعتزم تعيين 100 موظف آخرين خلال العام الحالي، قال إنه واثق من التزام الرئيس والكونغرس بوعود التشريعات الصديقة لعالم المال والأعمال خلال العام أو العامين المقبلين.
وأردف السيد غيمبل يقول أخيرا: «لم يقم السيد ترمب بفعل أي شيء حقيقي وملموس حتى الآن... لكنه قد غرس الأمل في نمو الشركات، والإصلاح الضريبي، والقضاء على اللوائح التنظيمية المعرقلة لأرباب الأعمال، مما يحرك عجلة التوظيف في البلاد».
* خدمة «نيويورك تايمز»