روسيا تحسب خسائرها بعد ثلاث سنوات على «الحظر الغذائي»

الإنتاج الزراعي الأوروبي يتكيف مع الواقع

مخزن يستخدم من قِبل السفارة الأميركية في موسكو تم إدراجه على قائمة الأماكن التي يحظر على السفارة استخدامها (إ.ب.أ)
مخزن يستخدم من قِبل السفارة الأميركية في موسكو تم إدراجه على قائمة الأماكن التي يحظر على السفارة استخدامها (إ.ب.أ)
TT

روسيا تحسب خسائرها بعد ثلاث سنوات على «الحظر الغذائي»

مخزن يستخدم من قِبل السفارة الأميركية في موسكو تم إدراجه على قائمة الأماكن التي يحظر على السفارة استخدامها (إ.ب.أ)
مخزن يستخدم من قِبل السفارة الأميركية في موسكو تم إدراجه على قائمة الأماكن التي يحظر على السفارة استخدامها (إ.ب.أ)

أصبح يوم السادس من أغسطس (آب) يوماً لتقديم «جرد حساب عن حال الاقتصاد الروسي»؛ ذلك أنه في هذا اليوم بالذات، ومنذ ثلاث سنوات أعلنت روسيا حزمة إجراءات عقابية رداً على حزمة عقوبات اعتمدتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد الاقتصاد الروسي، عقاباً على ضم القرم والدور الذي يرى الغرب أنها تلعبه في الأزمة جنوب - شرق أوكرانيا. حينها أقر الرئيس بوتين حزمة «تدابير جوابية» شملت حظر استيراد المواد الغذائية، بما في ذلك الحليب ومشتقاته ومنتجاته، اللحوم بأنواعها المختلفة، والخضراوات والفاكهة، والكثير غيرها من مواد غذائية أخرى، كانت روسيا تحصل عليها بصورة أساسية من أوروبا. وفور الإعلان عن تلك الإجراءات خيمت حالة من القلق والتوتر على الأجواء في الأسواق الروسية، وبدأ الناس يتحدثون عن ارتفاع مرتقب على أسعار تلك المواد، وربما اختفاء جزء كبير منها من واجهات المحال التجارية.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقّع يوم السادس من أغسطس عام 2014 على حزمة التدابير التي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم «الحظر الغذائي»، وشملت حظر استيراد المواد الغذائية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا والنرويج. وبعد عام قررت السلطات الروسية إتلاف كل ما تصادره من منتجات غذائية من تلك الدول. كما أعلنت في أغسطس عام 2015 توسيع قائمة الدول التي يشملها «الحظر الغذائي» وضمت كل من ألبانيا وآيسلندا وليختنشتاين والجبل الأسود. ومن ثم واعتباراً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2016 شمل الحظر الغذائي الروسي المنتجات الأوكرانية كذلك. وما زال العمل ساريا بموجب ذلك الحظر؛ إذ تعلن روسيا تمديده كلما قامت دول الغرب بتمديد عقوباتها ضد روسيا.
وشكل قرار الكرملين بفرض «حظر غذائي» على تلك المجموعة من الدول ضربة مؤلمة لقطاع الإنتاج الزراعي في أوروبا، الذي كان يعتمد على السوق الروسية لتصريف إنتاجه. وفي العام الأول من سريان الحظر الروسي تراجع حجم صادرات المنتجات الغذائية من أوروبا نحو 29 في المائة، وتشير التقديرات إلى أن خسائر قطاع الإنتاج الزراعي في أوروبا بلغ في العام الأول من الحظر الروسي نحو 2.2 مليار يورو. بينما تحدثت تقارير للمفوضية الأوروبية عن احتمال أن يؤدي الحظر إلى فقدان 130 ألف فرصة عمل. وتفاوت حجم الضرر الناجم عن الحظر الروسي بين دولة وأخرى، بحسب حجم صادرات هذه الدولة أو تلك إلى السوق الروسية. على سبيل المثال، معروف أن بولندا تنتج سنوياً أكثر من ثلاثة ملايين طن من التفاح، وتستهلك السوق الروسية عادة ثلث ذلك الإنتاج. وبعد منع تصدير التفاح البولندي إلى السوق الروسية، حاول المزارعون البولنديون طرح منتجاتهم في السوق الأوروبية؛ ما أدى إلى زيادة العرض وتراجع الأسعار. كما شهدت مناطق عدة في بولندا احتجاجات قام خلالها المزارعون بإتلاف كميات من إنتاجهم، وطالبوا بإلغاء العقوبات الغربية ضد روسيا كي تلغي روسيا «الحظر الغذائي». غير أن المنتجين الأوروبيين تمكنوا مع الوقت من تفادي معظم التداعيات السلبية للحظر الروسي.
في المقابل، فإن «الحظر الغذائي» الروسي خلق مزيداً من التعقيدات في السوق الروسية، التي كانت تعاني حينها كذلك بسبب هبوط حاد على قيمة الروبل الروسي. ونتيجة تلك العوامل ارتفعت أسعار مجموعة كبيرة من المواد الغذائية. وحسب معطيات الوكالة الفيدرالية الروسية للإحصاء، سجلت الفترة من يونيو (حزيران) 2014 ولغاية يوليو (تموز) 2015 ارتفاعاً على سعر البسكوت والحلويات بنسبة 21 في المائة، والمعكرونة بنسبة 23 في المائة، ولحم العجل بنسبة 22 في المائة، وزيت عباد الشمس بنسبة 29 في المائة، والسكاكر بنسبة 30 في المائة، وارتفع سعر الأرز والسمك المجمد بنسبة 37 في المائة، وبنسبة 38 في المائة ارتفعت أسعار التفاح، و18 في المائة على سعر الأجبان.
وعلى الرغم من كل هذه النتائج السلبية، فإن كثيرين في روسيا رأوا في قرار «الحظر الغذائي» أمرا إيجابياً؛ لأن خروج المنتجات المستوردة من السوق المحلية سيتيح المجال للمنتجين الزراعيين الروس شغل مكانة في تلك السوق دون ضغط المنافسة الحادة. وفي إطار هذه الرؤية، اعتمدت الحكومة الروسية برنامج «التعويض عن الصادرات» الذي يشمل بما في ذلك دعم قطاع الإنتاج الزراعي الروسي ليصبح قادرا على التعويض عن الجزء الأكبر من المنتجات التي يشملها «الحظر الغذائي». وفي تقرير نشرته وكالة «ريا نوفوستي» حول نتيجة ثلاث سنوات من العقوبات، تقول إن «ذلك (الحظر الغذائي) فتح الآفاق أمام روسيا لتستعيد موقعها بصفتها واحدة من الدول الرائدة في مجال الإنتاج الزراعي، وأعاد الأمل إلى المنتجين الزراعيين المحليين، وسمح بالكشف عن مشاكل بنيوية في هذا القطاع، يجب حلها؛ لعدم إضاعة الفرصة المتاحة، والمضي في زيادة حصة قطاع الإنتاج الزراعي في الاقتصاد».
وتشير تقارير إلى نمو في مجال الإنتاج الغذائي والزراعي في روسيا خلال سنوات العقوبات والحظر الغذائي، فضلا عن نمو في الإنتاج الزراعي بالاعتماد على «البيوت البلاستيكية»، وتنوي روسيا خلال العام الحالي بناء وتحديث ما لا يقل عن 160 هكتارا من الأراضي التي تعتمد على البيوت البلاستيكية لإنتاج مختلف أنواع الخضراوات. ومنذ بداية عام 2017 وحتى 26 يوليو بلغ حجم حصاد المزارعين من الخضراوات في البيوت البلاستيكية أكثر من 508 آلاف طن، أي بزيادة 19.8 في المائة عن حجم الإنتاج حلال الفترة ذاتها من العام الماضي. كما يجري العمل في إطار برنامج «التعويض عن الصادرات» على زيادة نسبة الأسماك واللحوم من الإنتاج المحلي في السوق الروسية. ويجمع الخبراء، على أن روسيا لم تتمكن بعد من تجاوز كل تداعيات العقوبات الأوروبية، لكنها تكيفت معها بشكل أو بآخر، وكذلك الأمر بالنسبة للمنتجين الأوروبيين الذين طالتهم التدابير الروسية، أي «الحظر الغذائي» الروسي.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».