أصبح يوم السادس من أغسطس (آب) يوماً لتقديم «جرد حساب عن حال الاقتصاد الروسي»؛ ذلك أنه في هذا اليوم بالذات، ومنذ ثلاث سنوات أعلنت روسيا حزمة إجراءات عقابية رداً على حزمة عقوبات اعتمدتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد الاقتصاد الروسي، عقاباً على ضم القرم والدور الذي يرى الغرب أنها تلعبه في الأزمة جنوب - شرق أوكرانيا. حينها أقر الرئيس بوتين حزمة «تدابير جوابية» شملت حظر استيراد المواد الغذائية، بما في ذلك الحليب ومشتقاته ومنتجاته، اللحوم بأنواعها المختلفة، والخضراوات والفاكهة، والكثير غيرها من مواد غذائية أخرى، كانت روسيا تحصل عليها بصورة أساسية من أوروبا. وفور الإعلان عن تلك الإجراءات خيمت حالة من القلق والتوتر على الأجواء في الأسواق الروسية، وبدأ الناس يتحدثون عن ارتفاع مرتقب على أسعار تلك المواد، وربما اختفاء جزء كبير منها من واجهات المحال التجارية.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقّع يوم السادس من أغسطس عام 2014 على حزمة التدابير التي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم «الحظر الغذائي»، وشملت حظر استيراد المواد الغذائية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا والنرويج. وبعد عام قررت السلطات الروسية إتلاف كل ما تصادره من منتجات غذائية من تلك الدول. كما أعلنت في أغسطس عام 2015 توسيع قائمة الدول التي يشملها «الحظر الغذائي» وضمت كل من ألبانيا وآيسلندا وليختنشتاين والجبل الأسود. ومن ثم واعتباراً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2016 شمل الحظر الغذائي الروسي المنتجات الأوكرانية كذلك. وما زال العمل ساريا بموجب ذلك الحظر؛ إذ تعلن روسيا تمديده كلما قامت دول الغرب بتمديد عقوباتها ضد روسيا.
وشكل قرار الكرملين بفرض «حظر غذائي» على تلك المجموعة من الدول ضربة مؤلمة لقطاع الإنتاج الزراعي في أوروبا، الذي كان يعتمد على السوق الروسية لتصريف إنتاجه. وفي العام الأول من سريان الحظر الروسي تراجع حجم صادرات المنتجات الغذائية من أوروبا نحو 29 في المائة، وتشير التقديرات إلى أن خسائر قطاع الإنتاج الزراعي في أوروبا بلغ في العام الأول من الحظر الروسي نحو 2.2 مليار يورو. بينما تحدثت تقارير للمفوضية الأوروبية عن احتمال أن يؤدي الحظر إلى فقدان 130 ألف فرصة عمل. وتفاوت حجم الضرر الناجم عن الحظر الروسي بين دولة وأخرى، بحسب حجم صادرات هذه الدولة أو تلك إلى السوق الروسية. على سبيل المثال، معروف أن بولندا تنتج سنوياً أكثر من ثلاثة ملايين طن من التفاح، وتستهلك السوق الروسية عادة ثلث ذلك الإنتاج. وبعد منع تصدير التفاح البولندي إلى السوق الروسية، حاول المزارعون البولنديون طرح منتجاتهم في السوق الأوروبية؛ ما أدى إلى زيادة العرض وتراجع الأسعار. كما شهدت مناطق عدة في بولندا احتجاجات قام خلالها المزارعون بإتلاف كميات من إنتاجهم، وطالبوا بإلغاء العقوبات الغربية ضد روسيا كي تلغي روسيا «الحظر الغذائي». غير أن المنتجين الأوروبيين تمكنوا مع الوقت من تفادي معظم التداعيات السلبية للحظر الروسي.
في المقابل، فإن «الحظر الغذائي» الروسي خلق مزيداً من التعقيدات في السوق الروسية، التي كانت تعاني حينها كذلك بسبب هبوط حاد على قيمة الروبل الروسي. ونتيجة تلك العوامل ارتفعت أسعار مجموعة كبيرة من المواد الغذائية. وحسب معطيات الوكالة الفيدرالية الروسية للإحصاء، سجلت الفترة من يونيو (حزيران) 2014 ولغاية يوليو (تموز) 2015 ارتفاعاً على سعر البسكوت والحلويات بنسبة 21 في المائة، والمعكرونة بنسبة 23 في المائة، ولحم العجل بنسبة 22 في المائة، وزيت عباد الشمس بنسبة 29 في المائة، والسكاكر بنسبة 30 في المائة، وارتفع سعر الأرز والسمك المجمد بنسبة 37 في المائة، وبنسبة 38 في المائة ارتفعت أسعار التفاح، و18 في المائة على سعر الأجبان.
وعلى الرغم من كل هذه النتائج السلبية، فإن كثيرين في روسيا رأوا في قرار «الحظر الغذائي» أمرا إيجابياً؛ لأن خروج المنتجات المستوردة من السوق المحلية سيتيح المجال للمنتجين الزراعيين الروس شغل مكانة في تلك السوق دون ضغط المنافسة الحادة. وفي إطار هذه الرؤية، اعتمدت الحكومة الروسية برنامج «التعويض عن الصادرات» الذي يشمل بما في ذلك دعم قطاع الإنتاج الزراعي الروسي ليصبح قادرا على التعويض عن الجزء الأكبر من المنتجات التي يشملها «الحظر الغذائي». وفي تقرير نشرته وكالة «ريا نوفوستي» حول نتيجة ثلاث سنوات من العقوبات، تقول إن «ذلك (الحظر الغذائي) فتح الآفاق أمام روسيا لتستعيد موقعها بصفتها واحدة من الدول الرائدة في مجال الإنتاج الزراعي، وأعاد الأمل إلى المنتجين الزراعيين المحليين، وسمح بالكشف عن مشاكل بنيوية في هذا القطاع، يجب حلها؛ لعدم إضاعة الفرصة المتاحة، والمضي في زيادة حصة قطاع الإنتاج الزراعي في الاقتصاد».
وتشير تقارير إلى نمو في مجال الإنتاج الغذائي والزراعي في روسيا خلال سنوات العقوبات والحظر الغذائي، فضلا عن نمو في الإنتاج الزراعي بالاعتماد على «البيوت البلاستيكية»، وتنوي روسيا خلال العام الحالي بناء وتحديث ما لا يقل عن 160 هكتارا من الأراضي التي تعتمد على البيوت البلاستيكية لإنتاج مختلف أنواع الخضراوات. ومنذ بداية عام 2017 وحتى 26 يوليو بلغ حجم حصاد المزارعين من الخضراوات في البيوت البلاستيكية أكثر من 508 آلاف طن، أي بزيادة 19.8 في المائة عن حجم الإنتاج حلال الفترة ذاتها من العام الماضي. كما يجري العمل في إطار برنامج «التعويض عن الصادرات» على زيادة نسبة الأسماك واللحوم من الإنتاج المحلي في السوق الروسية. ويجمع الخبراء، على أن روسيا لم تتمكن بعد من تجاوز كل تداعيات العقوبات الأوروبية، لكنها تكيفت معها بشكل أو بآخر، وكذلك الأمر بالنسبة للمنتجين الأوروبيين الذين طالتهم التدابير الروسية، أي «الحظر الغذائي» الروسي.
روسيا تحسب خسائرها بعد ثلاث سنوات على «الحظر الغذائي»
الإنتاج الزراعي الأوروبي يتكيف مع الواقع
روسيا تحسب خسائرها بعد ثلاث سنوات على «الحظر الغذائي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة