تركيا: انطلاق أكبر محاكمة للمتورطين بمحاولة الانقلاب

تشمل نحو 500 متهم من العسكريين والمدنيين يتقدمهم غولن... وانقسام حول عودة الإعدام

قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك في طريقه إلى المحكمة أمس متهماً في محاولة الانقلاب (أ.ف.ب)
قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك في طريقه إلى المحكمة أمس متهماً في محاولة الانقلاب (أ.ف.ب)
TT

تركيا: انطلاق أكبر محاكمة للمتورطين بمحاولة الانقلاب

قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك في طريقه إلى المحكمة أمس متهماً في محاولة الانقلاب (أ.ف.ب)
قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك في طريقه إلى المحكمة أمس متهماً في محاولة الانقلاب (أ.ف.ب)

انطلقت أمس (الثلاثاء) في العاصمة التركية أنقرة أكبر محاكمة للمتهمين بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في متصف يوليو (تموز) 2016 والمتعلقة بقاعدة «أكينجي» الجوية التي استخدمها الانقلابيون مركزا لقيادة المحاولة الانقلابية. ويحاكم في هذه القضية 486 متهماً، أبرزهم قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك، الذي يشار إليه على أنه القائد الميداني للانقلاب، في حين يحاكم فيها غيابيا الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات بأنه المشتبه به الرئيسي في تدبير محاولة الانقلاب والمقيم في أميركا منذ العام 1999، إضافة إلى عدد من المدنيين المنتمين لحركة الخدمة التابعة لغولن والتي أعلنتها الحكومة منظمة إرهابية، إضافة إلى الطيارين الذين قاموا بقصف المدنيين ومقر البرلمان ليلة المحاولة الانقلابية.
ويحاكم 461 متهما وهم قيد الاعتقال في حين هناك سبعة هاربون، بينهم أستاذ علم الأديان عادل أكسوز، الذي يشار إليه باعتباره الرجل الثاني في حركة غولن وفي محاولة الانقلاب والمعروف بـ«إمام القوات الجوية»، ورجل الأعمال كمال بتماز، المتهم مع أكسوز بالاشتراك في التخطيط للمحاولة، بينما يحاكم باقي المتهمين وهم خارج الحبس مع فرض رقابة قضائية عليهم.
وتجرى جلسات المحاكمة في قاعة كبيرة أنشئت في ضاحية سنجان بالعاصمة أنقرة خصيصا لاستيعاب هذا العدد الكبير من المتهمين الذين جلبوا إليها وسط تدابير أمنية مشددة، في حين تجمع بالخارج المئات من المواطنين وعائلات ضحايا المحاولة الانقلابية التي سقط فيها 250 قتيلا وأصيب نحو ألفين مطالبين بالإعدام للمتهمين.
وشهدت قاعدة أكينجي الجوية بأنقرة الكثير من الأحداث ليلة الخامس عشر من يوليو 2016، حيث استخدمت مركزا لقيادة المحاولة الانقلابية، واحتجز فيها رئيس أركان الجيش خلوصي أكار لإجباره على التوقيع على بيان الانقلاب والمشاركة فيه. كما أقلعت منها المقاتلات التي قامت بقصف مقر البرلمان التركي ومحيط قصر رئاسة الجمهورية ومقر القوات الخاصة بمنطقة غولباشي في أنقرة.
وسبق أن أجريت في هذه القاعة الخاصة محاكمات جماعية متعلقة بمحاولة الانقلاب، إحداها بدأت في فبراير (شباط) لـ330 مشتبها فيهم اتهموا بالقتل ومحاولة القتل، كما أجريت فيها أيضا في مايو (أيار) محاكمة 221 مشتبها فيهم متهمين بقيادة عصابات مشاركة في الانقلاب.
ويحاكم قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك في قضية أخرى تتعلق بمحاولة الانقلاب، في حين الاتهامات الموجهة إلى المتهمين في قضية «قاعة أكينجي» تشمل محاولة إزالة النظام الدستوري للبلاد واغتيال رئيس الجمهورية والهجوم على البرلمان وقصر الرئاسة ومركز القوات الخاصة.
وخلال جلسة الأمس طلب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، إضافة إلى المئات من الأطراف الأخرى، الانضمام بصفتهم أطرافا في القضية، سواء مدعين أو متدخلين.
وفي رسالة تليت أمام المحكمة من جانب ممثل لرئاسة الجمهورية قال إردوغان «إن المكانة الرمزية لرئيس الجمهورية التركية تضررت من الجرائم المرتكبة والمخططة ضده، إلى جانب الجرائم المرتكبة ضد وحدة وقيم الأمة التركية التي يمثلها، في إطار محاولة الانقلاب في 15 يوليو، وبالتالي من الضروري أن نطلب أن نكون طرفا متدخلا في هذه القضية».
وبجانب إردوغان، قدم 444 حزبا وشخصا طلبات انضمام إلى القضية إما مدعين أو أطرافا متدخلة، وفقا لما ذكره نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم حياتي يازجي، الذي تقدم إلى المحكمة بطلب لانضمام الحزب طرفا في القضية. وقال يازجي، الذي حض مع مجموعة من أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب ونواب بالبرلمان، في تصريح خارج قاعة المحكمة: «آمل أن يحصل المشتبه فيهم والجناة والانقلابيون على العقوبات التي يستحقونها من المحكمة».
كما تقدم حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي، بطلب إلى المحكمة ليكون طرفا متدخلا في القضية، وقال رئيس الكتلة البرلمانية للحزب ليفنت جوك في تصريح عقب تقديم الطلب إنه «يجب أن يتم توقيع أقصى عقوبة على الجناة وسوف نراقب القضية، التي سنكون طرفا متدخلا فيها مع المحامين وسنحاول جعل جلسات القضية علنية، هذه القضية مرئية».
وبدوره، تقدم حزب الشعوب الديمقراطي المعارض بطلب مماثل، ومن بين من تقدموا بطلبات الانضمام بصفتهم أطرافا في القضية أيضا رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان ونائب رئيس الوزراء بكير بوزداغ والأمين العام لرئاسة الجمهورية فخري كاسيرجا ورئيس الأركان العامة للجيش خلوصي أكار.
وخارج قاعة المحاكمة هتف المواطنون بشعارات تطالب بعودة عقوبة الإعدام وارتداء المتهمين ملابس موحدة، وشارك نواب من حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري جنبا إلى جنب مع المتظاهرين، لكن شهدت المطالبة بعقوبة الإعدام تباينا في المواقف بين الحزبين.
وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية حياتي يازجي: إن الحكومة تعمل على هذا الموضوع من خلال أخذ الأمثلة من العالم وتأثيراتها في الاعتبار. وبالنسبة لارتداء المتهمين الزي الموحد، قال: «لن نسمح أبدا لأي مشتبه فيهم بتهم تتعلق بالإرهاب باستخدام أي مواد قد تصل إلى درجة الدعاية».
وقفزت مسألة الزي الموحد للمتهمين إلى ساحة الجدل بعد ظهور أحد المتهمين في إحدى دعاوى الانقلاب مرتديا قميصا يحمل عبارة «بطل» باللغة الإنجليزية ما أثار نقاشا واسعا، أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان على أثره أنه تتم دراسة مسألة الزي الموحد ليذهب الانقلابيون إلى المحكمة وكأنهم في سجن غوانتانامو.
من جانبه، قال ليفنت جوك: إن «هذه المسائل يجب النظر فيها بعناية، حيث إن تركيا نفذت مثل هذه اللوائح الخاصة بالزي الموحد في الماضي، وكسب المتهمون دعوى في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حول هذا الموضوع؛ ولذلك يجب أن تحل هذه المسائل بوسائل أكثر حذرا وقانونية».
وشدد على أن الحكومة يجب أن تعمل العقل فيما يتعلق بمطالب إعادة عقوبة الإعدام وأن تنظر إلى تأثيرها على التزاماتها القانونية والدولية الكثيرة، ويجب أن تؤخذ القرارات في هذا الشأن بالعقل وليس بالعاطفة.
ووجه الاتحاد الأوروبي انتقادات حادة لتركيا بسبب التلويح بإعادة عقوبة الإعدام وهدد بوقف المفاوضات معها بشأن الحصول على عضويته إذا أعيدت هذه العقوبة لتطبيقها على المتهمين في محاولة الانقلاب بعد أن أكد الرئيس التركي مرارا أنه سيصادق على عودة العمل بها إذا أقر البرلمان القانون اللازم في هذا الشأن.
واعتقلت السلطات التركية بموجب حالة الطوارئ التي أعلنت عقب محاولة الانقلاب، ولا تزال سارية حتى الآن، أكثر من 50 ألفا وفصلت أكثر من 150 ألفا آخرين من وظائفهم في مختلف أجهزة الدولة لاتهامهم بالتورط في المحاولة الانقلابية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».