هل يحافظ المبدعون والكتاب المغاربة على عادة القراءة في فصل الصيف، أم تراهم يتخففون من «هم» القراءة والكتابة معاً، وينشغلون كالجميع بأجواء العطلة بحثاً عن الراحة والاستجمام، في انتظار مرور أشهر الصيف وظهور تباشير ما يسمى بـ«الدخول الثقافي»؟ ثم ماذا تعني «العطلة» بالنسبة للمثقف المغربي، قارئاً وكاتباً؟ وأي معنى يصير للسفر؟ وهل يمكن للمبدع أن يقتطع لنفسه عطلة من فعل القراءة والكتابة؟ أم أن من سكنه «جن» الإبداع لا يحتاج «العطلة» ما دام في حاجة متواصلة إلى تجديد صلته بالأدب؟
يرى الشاعر المغربي عبد اللطيف السخيري أن القراءة - في جوهرها - سفر بالكلمة، وفي الكلمة، «وقد أزعم أن هذا الوعي وعي شعري بالأساس، بدليل احتفال الشاعر الجاهلي بهذه القراءة مقرونة بالرحيل بكل معانيه: حياة وموتاً. أليس الوقوف على الطلل قراءةً في أبجديات الموت، وترسُّماً لرموز الحضور والغياب بالكلمة؟ وبالكلمة أيضاً وصف الرحلة باعتبارها رحلة في شعره، كما قال ابن قتيبة على لسان بعض أهل الأدب؟».
عن تعاطيه مع فعل القراءة، خلال أشهر الصيف، يقول السخيري إن «الوعي المنفتح على كتاب الحياة، والمتلعثم بالشعر بوصفه إعادة كتابة أو خلق للطبيعي والإنساني معاً، هو الذي يرافقني في القراءة - السفر، عندما أتحرر من ربقة الواجب المهني، وضغوط الحقل الثقافي والتزاماته. الصيفُ والسفرُ زمنان لقراءة المؤجَّل من الدواوين والروايات. وفعلُ التأجيل، وإن كان دالاًّ على مضايق الزمن وإكراهاته، فإنه يكتسي في نظري طابعاً إيجابياً، يجعل اخترافَ الجَنَى في موسم القطاف والسفر. ولأن اهتمامي متاخم للشعر قراءة وبحثاً، ومساءلة تنظيراً وممارسة؛ فإن حصة الأسد من التأجيل المذكور تطال السّرد، والرواية خاصة، مما يجعل مكانتها في حقيبة سفري أوفر حظاً من الشعر، وإن كان له الحظ الأوفر من الهوى والذوق. كل صيف يستحيلُ فصولاً من الروايات المقروءة، أجد فيها فصولَ السنة بأكملها، كما أُلفي فيه أمكنةً تجعلُ سفري سفراً مُضاعفاً، فيه انتقال فيزيقي من مكان معهود إلى أمكنة هي بمثابة كتاب الحياة المفتوح. وفيه انتقالٌ في الأمكنة المقروءة بعين الخيال، وما يرافقها من تداع وتماهٍ... إنه سفر بلَّوري مُتعدد الأَبعاد».
* قراءة المتعة
وعن سؤال أي كتب يحملها في حقيبته أثناء السفر، يقول الكاتب والناقد السينمائي المغربي محمد شويكة: «تعودت على أن ترافقني في التنقلات والأسفار بعض الكتب ذات الطابع المتعلق بمجالات اختصاصي، وهي، عادة ما تكون في الفلسفة والعلوم الإنسانية والفنون والإبداع الأدبي إلا أن هذه العادة صارت تتغير بحسب انشغالي بمقال أو دراسة أو بحث أو ندوة، فقد صرت أكثر ميلاً إلى القراءات الوظيفية لأترك قراءة المتعة للصيف أكثر؛ إذ أنهمك في قراءة القصة القصيرة والشعر والرواية وبعض الكتب التي يهديها لي بعض الأصدقاء، وذلك احتراماً لفضيلة الإهداء، وتقديراً لصداقة الإبداع والبحث. منذ أن التحقت ببرنامج «صدى الإبداع» التلفزيوني (على القناة المغربية الأولى)، صرت أقرأ ما استطعت للضيوف المدعوين إليه، وأشاهد (أسمع) ما أنجزه الفنانون من أعمال فنية (لوحات تشكيلية، منحوتات، مسرحيات، أفلام، أغاني، رقصات...)، وقد ساعدتني بعض الحلقات على ولوج عوالم لم يكن لي عهد بها مما يجعل القراءة مدخلا مفتوحاً على تجاوز الجهل الذاتي، وإغناء التجربة الفردية».
من جهته، قال يوسف بن عدي، الكاتب والباحث المتخصص في الفلسفة العربية الإسلامية والفكر العربي المعاصر: «لعل قدر الباحث والمؤلف في المعارف والفلسفات أنْ يحمل معه أينما حلّ وارتحل بعض المؤلفات الفكرية والنصوص الفلسفية والشعرية والروائية؛ إنه قدر انطولوجي يدلُ دلالة واضحة ووثيقة على أن المعرفة بالنسبة للباحث بنية من بنيات هويته ومساره وحياته وهذه الكتب أعمل على انتخابها وفق سياق هذا الفصل؛ إذ أختار بعض المؤلفات الفلسفية العامة التي تتحدث عن تاريخ الفلسفة سواء بالعربية أوبغير العربية، وأنتخب بعض الرواية وسيلتي في ذلك ذوقي الخاص، فضلاً عن ذلك استمتاعي ببعض الدواوين الشعرية لمحمود درويش وعمر أبو ريشة وقبلهما المتنبي والبحتري...، تلك إذن، هي حقيبة سفري».
* سفر داخل السفر
جواباً على سؤال ماذا ستقرأ هذا الصيف، قال شويكة: «من الصعب جداً الالتزام بالبرنامج الذي سطرته لأنني لا أقرأ فقط، بل أكتب وأشاهد الأفلام بشكل كبير... وعليه، فإنني أنوي قراءة بعض الدراسات السينمائية التي لها علاقة ببحثي المقبل، وكذا بعض الروايات العربية والفرنسية الفائزة بأهم الجوائز، فضلاً عن الأفلام الجديدة. وهكذا فلم تعد الكتب محمولة في الحقيبة، بل هناك أقراص الأفلام أو الذاكرات الإلكترونية الملحقة بالحاسوب أو الروايات والكتب الإلكترونية مما يفرض عَلَي حمل الحاسوب أو اللوح الإلكتروني وقارئ الأفلام... ويا له من سفر آخر داخل السفر! ويا له من سفر داخل الكتب والحوامل داخل الجغرافيات التي أتنقل فيها. وفي الأخير، لا تفوتني الإشارة إلى تصفح بعض الجرائد والمجلات أو المواقع الإلكترونية الإخبارية أو ذات الصلة بمجالات اهتمامي».
من جهته، قال بن عدي: «لعل فصل الصيف كباقي فصول السنة لا أنقطعُ فيه عن القراءة وعطرها بقدر ما تكون لدي مساحة كبيرة من الانفتاح على بعض الروايات العربية والعالمية وأيضاً بعض الكتيبات العلمية الخفيفة التي تصدر هنا وهناك.
وهي الكتب والمنشورات التي تكون لديها عندي في هذا الفصل الحار فرصة الاطلاع والمطالعة في منأى عما تعودت من تحرير لمقالات ودراسات تستند إلى لغة الصرامة والتأمل والمنطق...كما لا أنفصل عما يقع في عالمنا الإنساني من حروب وصراعات ومآسٍ بتصفح بعض الجرائد العربية والوطنية والدولية ذات الموضوعية والنزاهة والحياد».
قراءة «المؤجَّل» و«سفر داخل السفر»
الكتاب المغاربة والصيف الطويل
قراءة «المؤجَّل» و«سفر داخل السفر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة