توني بلير: برنامج ولي العهد السعودي للتغيير طموح وضروري للغاية

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» وشقيقتها المجلة إنه عارض دعم {نظام الإخوان} في مصر... وحذّر من خطر سقوط بريطانيا

توني بلير: برنامج ولي العهد السعودي للتغيير طموح وضروري للغاية
TT

توني بلير: برنامج ولي العهد السعودي للتغيير طموح وضروري للغاية

توني بلير: برنامج ولي العهد السعودي للتغيير طموح وضروري للغاية

في عام 1997، أصبح توني بلير زعيم حزب العمال البريطاني البالغ من العمر 43 عاماً حينئذ أصغر رئيس وزراء لبريطانيا منذ عام 1812. تولى بلير المنصب لمدة عشرة أعوام، قاد فيها حرباً، وعملية سلام، وتغييراً في حزبه، وعولمة للاقتصاد البريطاني. لقد أدخل روحاً جديدة من الانفتاح إلى أعمال الحكومة. وأدى دوراً مهماً في «وساطة اتفاق الجمعة العظيمة» عام 1998، في آيرلندا الشمالية. وعلى الساحة العالمية، أيد التدخلات الإنسانية في كوسوفو وسيراليون، وأثبت أنه حليف عسكري قوي للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق.
ومنذ تقاعده من الحكومة، أصبح بلير قائداً لمساعي إقامة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويعمل على تشجيع التسامح والتفاهم بين الأديان من خلال مؤسسة توني بلير لحوار الأديان. وعن طريق معهد توني بلير للتغيير العالمي، يدعم التنمية الوطنية حول العالم عبر الحكومات الرشيدة والإصلاح الثقافي.
في لقائه الحصري مع «المجلة»، وشقيقتها «الشرق الأوسط» (ينشر بالتزامن في المطبوعتين)، دعا رئيس الوزراء الأسبق توني بلير إلى استعادة التوسط في السياسة البريطانية والوصول إلى حل وسط حول «بريكست». وتحدث عن القيادات الجديدة في العالم العربي، مع تركيز خاص على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقدّم تقييماً لفرص عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية في إطار حل إقليمي. كما طالب الغرب بالاعتراف بأن الاضطراب الإقليمي والدماء المراقة في الأساس صراع قيمي بين قوى التطرف وأبطال التسامح.
وإلى نص الحوار...
* كيف تُقيِّم أداء الحكومة البريطانية الحالية، والأسلوب الذي تتعامل به تيريزا ماي مع الخلافات القائمة داخل مجلس الوزراء؟ وكيف ترى الطريقة التي تناولت بها ماي المسائل المتعلقة ببرج غرينفل، والحوادث الإرهابية الأخيرة، ومفاوضات «بريكست» الحالية؟
- الحكومة في موقف صعب للغاية في الوقت الحالي - وخصوصاً السيدة ماي. ربما أعارض رئيسة الوزراء بشدة في قضية «بريكست»، لكنني أؤيدها في الإجراءات التي تتخذها ضد الإرهاب. وكانت كارثة برج غرينفل مأساة كبرى، خصوصاً بالنسبة للمجتمع. وأُقدر الجهود التي بذلتها أجهزة الطوارئ، التي تستمر في التعامل مع التداعيات المعقدة والمرهقة. ويجب علينا الآن أن ننتظر نتائج التحقيقات.
* انتقدتَ زعيم حزب العمال، جيريمي كوربن، بسبب آرائه اليسارية المتشددة. إذا ما نظرنا إلى الزخم الذي يبدو أنه يحظى به، هل تعتقد أنه يمكن أن يصبح رئيس الوزراء المقبل، (وقد يكون ذلك في وقت قريب) في ظل الأزمة الراهنة التي أصابت حكومة المحافظين؟ وما الذي تخشى أن يحدث مع حكومة كوربن؟
- كانت نتائج حزب العمال في انتخابات يونيو (حزيران) لافتة للأنظار بلا شك. ونعم، أنا لم أتوقعها. وأشيد بأسلوب جيريمي كوربن في الحملة الانتخابية، والطريقة التي استطاع بها حزب العمال حشد الناخبين الشباب وبث شعور حقيقي بالحماس، لقد استطاع بالتأكيد الوصول إلى شيء حقيقي وقوي، ومن الواضح أن هناك رغبة حقيقية واسعة للتغيير ولسياسة العدالة الاجتماعية. يجب أن يساعد ذلك على تغيير الكيفية التي نختلف بها في السياسة، وأن يُغيّر الحلول السياسية المتاحة. ولكن يظل ما أخشاه يتعلق بمخاطر عدم تغيير برنامج كوربن، إذا أصبح رئيساً للوزراء وسعى إلى تنفيذه في الوقت ذاته مع «بريكست». وكما كتبت في الفترة الأخيرة، إذا جاء بعد مجموعة شعوبية يمينية مؤيدة لـ«بريكست» مجموعة شعوبية يسارية تتبنى سياسات اقتصادية يسارية متشددة، أخشى أن بريطانيا قد تسقط ولن تستطيع النهوض سريعاً. وأشير أيضاً إلى أن سياسة الوسط لم تكن متاحة بالفعل في الانتخابات الأخيرة، وتكشف النتائج عن دولة منقسمة بشدة. ومع أن الوسط قد يبدو مهمشاً في الحياة السياسية البريطانية في الوقت الحالي، في الحقيقة الحاجة إليه أصبحت ملحة الآن.
* ذكرتَ في لقاء لك أخيراً مع «سكاي نيوز» أنه «من الضروري ألا يتم (بريكست)». وكما تعلم، هناك أصوات في بريطانيا قد ترى أن إلغاء «بريكست» خيانة للعملية الديمقراطية... فما ردك على هذا الرأي؟
- أوضحت أني أحترم الاستفتاء. وإذا لم تتغير إرادة الشعب، حينها سيتم «بريكست». لكنني أعتقد أن الرأي العام يتغير حيث أصبحنا ندرك الضرر الذي سيحدث نتيجة لـ«بريكست». لقد مررنا بعام من النقاش حول ما يعنيه «بريكست» بالفعل، ورأينا تأثير الاستفتاء على عملتنا واقتصادنا، والناس أصبحوا أكثر دراية بتلك الأمور الآن. إن مغادرة الاتحاد الأوروبي معقدة، وسوف تستغرق أعواماً، ولا أرى أن استبعاد احتمالية الوصول إلى تسوية منطقي على الإطلاق، الأفضل البحث عن وسيلة لبقاء بريطانيا داخل أوروبا مع إصلاحها. لذلك؛ أؤكد على ضرورة تغيير بنود النقاش حول «بريكست»، مع تركيز أكبر على التحديات الحقيقية التي تواجهها الدولة.
* ما بوادر الأمل التي تراها وسط الألم والمأساة في الشرق الأوسط اليوم؟
- أهم بادرة أمل هو أنه وسط كل هذا الألم والمأساة، هناك تحول يجري في المنطقة. أعتقد أن المنطقة تعمل على مواجهة تحدٍ كبير قديم، وهكذا سوف تتصل مع العالم الحديث وتصبح مجتمعاتها متسامحة دينياً واقتصادها قائم على قواعد. أرى أنها منطقة في مرحلة انتقالية، حيث ينبع الألم من التصادم حول كيفية تعامل المنطقة مع العالم الحديث والعولمة، ولديها في ذلك خياران، فإما أن تختار تسييس الدين والإسلام السياسي، وإما أن تختار المجتمعات المنفتحة والمتسامحة والمتعلمة التي تتصل بالعالم. إذا اختارت المسار الثاني، أعتقد أن مستقبل المنطقة سيكون مشرقاً. ولكنه كفاح ضروري. وبوادر الأمل التي أراها هي:
1) قادة مستعدون للوقوف والقيادة اليوم.
2) الشعوب ذاتها التي ترغب في الفعل في ذلك المجتمع الأفضل والأكثر اعتدالاً.
* هل يمكن أن توضح لنا نماذج محددة من هذا النوع من القادة؟
- أبرز مثال هو ولي العهد السعودي الجديد الذي شرع في برنامج تغيير طموح وضروري للغاية، وهو يتماشى مع مكانة المملكة بصفتها بلاد الأماكن المقدسة ومركزا للإسلام. وهو يتولى عملية تغيير اقتصادي واجتماعي ضرورية، وسوف تكون هناك مجموعة جديدة كاملة من الأشخاص الفعَالين والأذكياء والأكْفاء في مراكز مهمة. في الوقت ذاته، يتصدى الرئيس المصري (عبد الفتاح) السيسي، مع كل التحديات التي تواجهه، لطريق جماعة الإخوان المسلمين المسلح، ويحاول أن يجري أيضاً تغييرات وإصلاحات ضرورية في مصر. ومحمد بن زايد (ولي عهد أبوظبي) قائد له مكانة استثنائية، فقد ساعد على تحويل الإمارات إلى ما هي عليه اليوم. وأعتقد أن جميع استطلاعات الرأي تكشف عن رؤية الشباب لها كدولة يرغبون في الاقتداء بها. والعاهل الأردني الملك عبد الله وملك البحرين (حمد بن عيسى آل خليفة) نموذجان آخران لهذا النوع من القيادة. وأرجو عندما يتم حل المسائل المتعلقة بقطر أن تكون هناك قيادة شابة أيضاً. عندما أنظر إلى المنطقة أرى كثيراً من القيادات الجديدة الذكية والفاعلة التي تعلم ما يجب أن يحدث. وحتى على الرغم من وجود مناطق توتر واضحة في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرها، أعتقد أن الطريق إلى المستقبل في كل هذه المناطق ستكون مشابهة. وهو الدفع بقوة للتصدي لنفوذ دولة إيران الدينية، ليس لأنه من إيران، لكنه لأنه يعبر عن صورة أخرى لأسلوب مضلل يعمد إلى تسييس الدين.
* ما الأفكار التي ترى أنها تغلب على «رؤية 2030» التي تتبناها المملكة العربية السعودية، وما رأيك في المبادرة؟
- في رأيي «رؤية 2030» هي أول خطة عمل متماسكة بالفعل يمكن أن تتخذها الدولة للتواصل الكامل مع العالم الحديث ولتحقيق النجاح. وأعتقد أنها مهمة حقيقية. من الواضح أن التحديات قائمة أمام عملية التنفيذ، وهذا هو مكمن الصعوبة. ولكنني أرى أن هناك عزماً على التغيير، ومن المهم أن يقف العالم في الخارج خلفه. في برنامج التنوع الاقتصادي، والإصلاح والتحول من اقتصاد يعتمد على النفط، من الواضح أن هذا توجه صائب. لذلك؛ «الرؤية» هي المسار الصحيح الذي يجب اتخاذه، على الرغم من العقبات التي قد تعترضها، لكن الطريق صحيحة والوجهة طيبة.
* ما النصيحة التي تقدمها للشباب في العالم العربي من أجل المستقبل؟
- أنصح الشباب في المنطقة كما أنصح أبنائي إذا استمعوا لي: اخرجوا واكتشفوا العالم ولاحظوا، إنها فرصة ممتعة، تحديداً لأنك ستصبح أكثر تواصلاً. الأمر الثاني الذي سأقوله هو أننا نحتاج إلى الشباب للتقدم وتولي مناصب قيادية، وليس فقط في القطاع الخاص، ولكن أيضاً في الحكومة والخدمة العامة. من السهل للغاية انتقاد الحكومة، ولكن من الصعب كثيراً العمل في الحكومة وتحقيق نجاح في النظام. وكلما أضفنا مواهب في خدمة تنمية الدولة، سنحقق نتائج أفضل. وأخيراً، وأهم شيء هو أن يكون لديكم شغف بما تفعلونه. إذا كان عملكم مجرد وظيفة، لن يكون لديكم دافع، وبالتالي لن تقدموا أفضل ما لديكم مطلقاً، ولن تدركوا حجم إمكانياتكم.
* في ضوء مساعيك المستمرة للمساعدة على حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ما أهم جوانب حل الصراع؟
- أولاً، ما زال الرأي الغالب أن الحل الوحيد يكمن في إقامة دولتين لشعبين. ثانياً، المشكلة ليست في أنك لا تستطيع التفاوض على البنود. المشكلة بالتحديد هي تغيير السياق الذي تتم في إطاره المفاوضات. ما أعمل عليه بالفعل هو كيفية إقامة حوار صحيح داخل المنطقة ككل لتغيير ذلك السياق. يعني ذلك إجراء تحسينات كبرى في حياة الفلسطينيين من خلال مفاوضات قادرة على النجاح.
* تدور مناقشة مهمة حول ما يسمى «النهج الإقليمي»... فهل هذا يختلف كثيراً عن المساعي السابقة؟
- أعتقد أن «النهج الإقليمي» يحمل أكبر إمكانية للتغيير؛ لأنه إذا تدخلت المنطقة بقوة، سيملك الفلسطينيون قوة الدعم الإقليمي لتحقيق السلام، وسوف يطمئن الإسرائيليون إلى أن السلام الذي سيحققونه ليس مع الفلسطينيين فحسب، بل مع المنطقة بأسرها. ومبادرة السلام العربية في رأيي هي أفضل إطار عمل يمكن من خلاله أن تتقدم الأمور، ونظراً لأنها مبادرة صدرت من المملكة العربية السعودية، فالمنطقة تتبناها. والتغيير الذي أرغب أن أراه هو اشتراك المنطقة في المساعدة على تحقيق ذلك السلام. وفي النهاية، السلام يجب أن يتم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي الأعوام القليلة الماضية على وجه التحديد، بدأت المنطقة في أداء دور أكثر فاعلية.
* ما بعض الأمثلة على الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الأطراف الإقليمية؟
- لدينا مثال الآن على ما يحدث في غزة. من مصلحة الجميع أن تتحسن الأحوال المعيشية في غزة. وتستطيع المنطقة أن تساعد في الضغط على جميع الأطراف لكي تسمح بتحقيق تحسن كبير - في الكهرباء والماء والصرف الصحي والقطاع الخاص والإسكان - وقد عملت كثيراً في تلك القضايا. وتستطيع المنطقة تشجيع قيادة الشعب الفلسطيني ودعمها عندما تصل إلى التسويات اللازمة لتحقيق السلام. إذا ما نظرنا إلى فقدان الشعب الإسرائيلي، وكذلك الفلسطيني في رأيي، الثقة في الطريقة التقليدية المعتادة في معالجة القضية، فسيكون تعاون المنطقة بأكملها في إطار توجه كامل نحو منطقة أكثر انفتاحاً وتسامحاً أمرا إيجابياً للغاية.
كذلك يجب على الإسرائيليين اتخاذ خطوات كبيرة نحو السلام، لكني أعتقد أن الأمر سيكون أسهل عليهم كثيراً إذا شعروا بأن المنطقة تقف خلفه. وأرى أننا إذا حققنا حلاً للقضية الفلسطينية، ستكون إمكانية التعاون الإقليمي هائلة في مجالات الاقتصاد والمجتمع والثقافة والجغرافيا السياسية. ولك أن تتخيل قوة ونفوذ الدول العربية وإسرائيل معا تظهر للعالم الغربي. سيكون أمراً عظيماً. نعرف أن القضية الفلسطينية هي مفتاح وباب لذلك التعاون، لكني أجد اليوم رغبة أكثر نشاطاً لإنجاح هذا التعاون مما كان موجوداً منذ أعوام عدة.
* ما فوائد الحل من وجهة نظرك؟
- هناك فوائد اقتصادية عملية للغاية تتعلق بالمياه والزراعة والتكنولوجيا على سبيل المثال. وعلى صعيد الجغرافيا السياسية، إذا كنت ترى مثلي أن مشكلة السياسات الإيرانية هي أنها تصدّر زعزعة الاستقرار والاضطرابات في جميع أنحاء المنطقة، فسوف يكون من الأقوى أن تتبنى البلدان العربية وإسرائيل قضية واحدة للسبب ذاته. أحد الأشياء التي أؤمن بها كثيراً هي أنه من الخطأ تماماً النظر إلى المنطقة كما يراها كثير من المعلقين الغربيين، وكأن هناك صراعاً على النفوذ بين السعودية وإيران، أو صراعاً سنياً شيعياً. فهو ليس كذلك في رأيي. بل يتعلق بالقيم وليس المصالح، وليس النزعات الطائفية، كما يتعلق بما إذا كنت في الجهة التي تكافح الإرهاب والتطرف وتدعو إلى التسامح أم لا.
* أشرت إلى دور الثقافة في تنمية أي دولة...
- للثقافة دور جوهري. في النهاية، الدرس الحقيقي للحياة الحديثة هو أن الطريق إلى الرخاء الاقتصادي والتماسك المجتمعي تمر عبر التواصل وعمل الأشخاص مع بعضهم على مختلف الأديان والثقافات والأجناس والبلدان والانتماءات العرقية. لماذا أصبحت لندن مدينة كبرى اليوم؟ لأنها منفتحة ومتسامحة مع الكثير من الثقافات المختلفة التي تعيش معاً في تماسك وقيم مشتركة. لذلك؛ لا يوجد اقتصاد حديث أو تقدمي يعتمد على رؤية رجعية متأخرة للمجتمع. على سبيل المثال، تعد مساواة المرأة في النهاية أساسية للنجاح الاقتصادي في المستقبل، ودونها لن تستطيع الدول أن تحقق النجاح. وبالتالي أي تحيّزات من أي نوع - سواء كانت ثقافية أو غيرها - لن تكون خاطئة فقط لذاتها، بل لأنها تحول دون الطريق الحقيقية للنجاح في العالم الذي نحيا فيه اليوم. لهذا السبب دور الثقافة أساسي، ومثلها مثل سيادة القانون. ومفتاح استيعاب المنطقة في اللحظة الراهنة هو التفاهم. إذا ضربنا مثلاً بالعراق أو سوريا، لن تجد استقراراً مطلقاً إلا إذا كان هناك قبول باحترامك للاختلاف، وإلا فلن يكون هناك مستقبل لتلك الدول. ويتعلق أغلب ذلك بمسائل بين المسلمين ذاتهم، وليست العلاقات بين المسلمين واليهود والمسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى فقط.
* ما بعض الأدوات التي يمكن استخدامها لتعزيز ثقافة التسامح؟
- التعليم ضروري جداً. نحتاج إلى تعليم الشباب ليكونوا منفتحين ومتسامحين. وأفضل أنظمة التعليم اليوم تُدرس للشباب كيف يكونون مبدعين. لا يتعلق الأمر بتعليم الشباب عن طريق التلقين - تلك الطريقة التي تعلمت بها في صغري. اليوم يجب أن يدور التعليم حول تعريف الشباب كيف يكونون مبدعين ومبتكرين. لن تعلمهم كيف يكونون مبدعين ومبتكرين إذا كنت تعلّمهم التحيز. ودور الدين مهم للغاية. ونحتاج إلى إعطاء مساحة لرجال وعلماء الدين الذين يبثون رسالة التسامح. هناك الكثير منهم، وكثيرٌ منهم يؤدون عملاً رائعاً في هذا الصدد، ونحتاج إلى إظهارهم ودعمهم.
* هل هناك دور تؤديه أطراف خارجية في دعم تلك العملية؟
- هناك طرق عملية لتقديم الدعم فيما يتعلق بالمساعدة في الأنظمة التعليمية، ولكن المهم الآن للغرب أن يدرك مكمن الخطر ويحدد تعريفاً لهذا الصراع في المنطقة تحديداً. والمشكلة هي أن جزءاً كبيراً من الخطاب الغربي يرى ذلك باعتباره صراعاً بين السلطة والمصالح، وهو ليس كذلك في الواقع. إنه صراع قيم أساسية. وإحدى الوسائل الكبرى التي تستطيع أن تقدم بها أطراف خارجية المساعدة هي الوقوف إلى جانب الناس الذين يؤمنون بذلك. والسبب الذي عارضت من أجله السياسة الغربية تجاه مصر والإخوان المسلمين، على سبيل المثال، هو أنه كان من الواضح أننا إذا دعمنا الإخوان المسلمين في مصر فسوف ندعم نظاماً سيكون غير متسامح بدرجة كبيرة، وبعيداً عن أنه سيرجع بمصر إلى الخلف، سيمثل تهديداً أمنياً كبيراً علينا، ناهيك بمصر أو المنطقة. في رأيي من المهم للغاية أن نرى هذه الرؤية للإسلام السياسي على حقيقتها، وهي أنها رجعية. ينطبق الأمر أيضاً على أي دين سواء المسيحي أو اليهودي أو الهندوسي، وبالفعل هناك أشخاص يفعلون ذلك في كل هذه الأديان. إذا وصل الأمر إلى تسييس الدين بتلك الطريقة، سيصل إلى الإضرار بالمستقبل. وسوف تصل إلى إقصاء الناس. فإذا قلت إن هذه هي وجهة نظر دينية، وإذا لم تؤيدها فأنت عدوي. كان القرن العشرون حافلاً بتلك الآيديولوجيات السياسية، وهي موجودة في القرن الحادي والعشرين، وسواء كانت دينية أم سياسية فهي شمولية بطبيعتها. وبالتالي هي رجعية ومتأخرة.
* هناك شعور بأن جزءاً من عدم التسامح الذي نشهده في العالم اليوم لم يأت من البلدان العربية أو العالم النامي، ولكن من بعض أوساط الغرب...
- ما فعلناه - وبريطانيا مثال جيد على ذلك وقد علمته من المعارك التي خضتها في أثناء رئاستي للوزراء - هو أن مجتمعاتنا متسامحة ومنفتحة للغاية، ولكن للأسف في بعض الأحيان ما يحدث هو أننا سمحنا لتلك الجماعات بالقدوم واستغلال هذه الضيافة. وبالفعل توجد جيوب للتطرف في الغرب الآن والتي يمكن أن تعود إلى المنطقة. والإجابة مشابهة: لا تتسامح مع عدم التسامح. سيكون علينا اتخاذ خطوات في الغرب لمواجهة ذلك في الوقت المناسب. ولكن أولاً يجب علينا أن نحدد ما هي المشكلة. لذلك؛ أحياناً ما نسمع الناس في الغرب يقولون اعملوا مع من يسمون بالإسلاميين «الأكثر اعتدالاً» بدل التعامل مع المتطرفين الأكثر عنفاً. هذا رأي شائع للغاية. وردي هو أن أحدهما يؤدي إلى الآخر في النهاية. وعلينا أن نواجه الفكر المتطرف، وليس فقط العنف. ويجب أن نتعامل بطريقة مختلفة. فيجب استخدام القوة الكاملة مع من يستخدمون العنف، ولكن من يروجون لفكرة عدم التسامح فيجب أن نواجههم أيضاً. وأعتقد أنه لا يزال هناك تردد في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا لفعل ذلك.
* هل يمكن أن تخبرنا عن رأيك في النزاع في سوريا؟
- النزاع في سوريا في الواقع مأساة مروعة. سأوجز لك جزءاً من خلفياتي عن هذا الأمر: إلى حد ما بسبب تجربتي في العراق عام 2003. عندما بدأ الربيع العربي في عام 2011، كنت متفهماً لدوافعه تماماً. ولكني علمت أيضاً من خبرتي أن الإطاحة بالنظام شيء ولكن تحقيق استقرار البلاد بعد ذلك شيء آخر مختلف بالكامل ويشكل تحدياً مغايراً؛ نظراً لأن بعض تلك الأنظمة كان يغطي على توترات عميقة، وبمجرد أن رُفع الغطاء تثور التوترات. لذلك؛ في عام 2011 قلت إنه إذا أمكن إيجاد سبل سلمية لانتقال السلطة فسيكون حلاً أفضل. بعدها عندما قالوا في الغرب إن (رئيس النظام بشار) الأسد يجب أن يرحل، قلت لهم حسناً أخرجوه. ولكن عندما تتركه هناك دون طريق للخروج، فسوف تتسبب في مشكلة كبيرة. ما حدث حينئذ كان واضحاً عندما استعان بمن يدعم موقفه، ولجأ إلى قمع وحشي لبلاده، وكانت الصورة المروعة والصادمة للحرب. وها نحن الآن في وضع من الصعب أن نرى فيه حلولاً جيدة، بل من المستحيل رؤيتها، ولكن السياسة الغربية يجب أن تفعل أمرين: أن تستعد لطرح التزام حقيقي، وأن نتأكد من أن أي دستور جديد يتم تبنيه يضمن مبادئ التسامح الديني ويطبقها. أرى أن الأمر صعب للغاية حالياً، ولكن من المؤكد أنه يمكننا اتخاذ قرارات إلا إذا كنا مستعدين لتخصيص موارد لها. وفي هذا الصدد، كان رد فعل إدارة ترمب على الأسلحة الكيماوية مهماً للغاية. فقد أرسلت إشارة واضحة جداً. في سوريا، الطريقة الوحيدة التي سنصل بها إلى حل هو أن يعرف النظام أنه لن يُسمح له بالاستمرار في السلطة إلى أجل غير مسمى، وأن المعارضة مستعدة للتعاون خلف المبادئ التي يستطيع الشعب ككل دعمها. وهذا أمر سهل قوله، وفعله بالغ الصعوبة.
أشعر بقلق بالغ بشأن سوريا. وفي العراق أرى فرصة حقيقية، إذا أراد الشعب انتهازها، بأن تتحد الدولة، لكن سيتطلب الأمر من القيادة داخل البلاد أن تنحي الخلافات الطائفية جانبا. ومجدداً، المنطقة، السعودية وغيرها من المناطق في العالم، يمكن أن تؤدي دوراً مهماً.
* ما رأيك في التصورات الغربية للحرب في اليمن؟
- أرى أن أهم شيء من وجهة نظر الغرب هو أنهم يعلمون أن الحرب في اليمن تتعلق بالمبادئ، فكما قلت، إيران ترغب في دعم الحوثيين وترسيخ وجود لعملاء إيران بالقرب من السعودية. وفي ظل ما شهدناه في لبنان، ليس من المفاجئ أن يرى السعوديون ذلك مصلحة استراتيجية أساسية. ومجدداً الحلول مشابهة، وهي استيعاب أن الأمر الوحيد الذي سيفلح هو إدخال أنظمة حكم وتسامح ملائمة. ويجب على الغرب أن يعرف أنه من الضروري التغلب على هذين التحديين: تطرف «القاعدة»، وهو يشكل خطراً هائلاً على شبه الجزيرة، وتهديد الهيمنة الإيرانية بالتمدد إلى اليمن؛ إذ لن يكون هناك مخرج إلا إذا تم التغلب عليهما.
* ما بعض الأنشطة الحالية في معهد توني بلير للتغيير العالمي؟
- يوجد في المعهد الذي أديره أربعة عناصر. لكنها جميعاً تتعلق بفكرة واحدة، كيف يمكن جعل العولمة ناجحة للشعوب. ورأيي هو أن التغيير المستمد من العولمة – عبر التكنولوجيا والسفر والهجرة والتجارة - يتسارع وحتمي بدرجة ما. وإذا أبعدت العالم ستتحول من رؤية منفتحة إلى رؤية منغلقة – تتعلق بالحمائية ومعاداة الهجرة والتطرف والتحيز الثقافي، فسيصبح العالم حينها أقل أماناً ورخاء. لذلك أرى أنه من الضروري إتاحة الظروف للناس كي تزدهر في القرن الواحد والعشرين. وأولاً يجب أن نساعد أفقر قارة في العالم، أفريقيا، على التطور. وهناك نعمل على الحوكمة: لا يتعلق الأمر بالإعانات بقدر ما يتعلق بمساعدة هذه البلدان على تطوير مؤسساتها وأنظمة حكوماتها. وإذا تطلعت إلى العالم اليوم، ستجد أن الدول تنجح أو تفشل بناء على جودة الحكم بها. ويمكنني أن أعطيك أمثلة على دول متجاورة، بها تعداد السكان ذاته والموارد ذاتها، حيث تنجح أحدها وتفشل أخرى. والفارق بينهما هو الحكم. هناك كولومبيا وفنزويلا على سبيل المثال. وبولندا وأوكرانيا. ورواندا وبوروندي. أو أكبر نموذج للحكم البشري في العالم على الإطلاق، ممثلاً في شبه الجزيرة الكورية، أقصد الكوريتين الشمالية والجنوبية. في كل من تلك الأمثلة، يكمن الاختلاف في جودة الحكم. لذلك أول شيء نفعله يتعلق في الغالب بأفريقيا. نعمل مع رؤساء أفارقة، وندخل مباشرة إلى داخل النظام، وأعمل أنا وفريقي على مساعدتهم على الحصول على قدرات مؤسسية وتنفيذ برامج تغيير.
الأمر الثاني الذي يعرقل تقدم العالم هو عدم التسامح الديني. لدينا برنامج تعليمي كامل، حيث نصل بين أشخاص من ديانات مختلفة حول العالم. ولدينا 250 ألف طالب ملتحقون ببرامجنا. ونقدم مواد تعليمية للمدارس، ونُعلم الناس أساليب التسامح الديني، ونجري أبحاثاً تحظى بالاعتبار حول التطرف وكيف يحدث، وما إلى ذلك. أما العنصر الثالث فهو تحديداً في الشرق الأوسط. وفي رأيي، إذا تمكنا من حل مشكلات القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، سيكون ذلك هزيمة كبيرة للرؤية المنغلقة. وذلك أيضاً جزء من السعي إلى أن يكون العالم أفضل.
وأخيراً، نرغب أيضاً أن تكون سياسات الغرب في موقف قوي ومنفتح. لهذا آخر عمل بدأت فيه في الفترة الأخيرة يتعلق بكيفية تعامل الغرب مع مشكلاته السياسية الخاصة، نظراً لأن مشكلاتنا الداخلية سوف تؤثر على بقية العالم. ونرى الآن النزعة الشعوبية في تياري اليمين واليسار، حيث لم يعد الناس يقدمون حلولاً، بل يعتلون موجة الغضب. ولكننا بدلاً من ذلك، نريد تقديم حلول. لذلك؛ أنشأنا فريقاً للبحث في حلول سياسية لتوترات التغيير، نظراً لأن العولمة والتغيير يربكان المجتمعات ويغيران حياة الناس، وهناك من يتخلفون، مجتمعات تتخلف عن الركب. نبحث في كيفية التعامل مع تلك المشكلات. تلك هي العناصر الأربع الأساسية التي أعتقد أنها ستجعل العولمة تنجح.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.