كشف اجتماع رفيع المستوى بين تركيا والاتحاد الأوروبي عن هامش ضيق من التوافق، قد لا يسمح باستئناف المفاوضات المجمدة بين الجانبين. ووجه الاتحاد الأوروبي انتقادا صريحا للحملة الأمنية التي تشنها تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو (تموز) من العام الماضي والتي طالت أكثر من 200 ألف شخص ما بين معتقلين ومفصولين أو موقوفين عن العمل من مختلف أجهزة الدولة.
ورهن الاتحاد الأوروبي استئناف مفاوضات انضمام تركيا إلى عضويته بوقف انتهاكات حقوق الإنسان، بحسب ما أعلن المفوض الأوروبي لشؤون الجوار وسياسة التوسع يوهانس هان، في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس. وجاء ذلك عقب اجتماع مع وزيري الخارجية وشؤون الاتحاد الأوروبي التركيين، مولود جاويش أوغلو وعمر تشيليك، بحضور الممثلة الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي فريدريكا موغيرني. وقال هان إننا نحتاج لأن نرى «عودة عن الاتجاه» نحو السلطوية في تركيا، وإن «حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الأساسية بما في ذلك حرية الإعلام، كلها شروط أساسية إلزامية لإحراز أي تقدم نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».
ورأى محللون أتراك أنه على الرغم من أن موغيريني كانت أكثر دبلوماسية من هان، ووصفت الاجتماع بأنه كان بناء ومفتوحا، فإن التوتر ظهر عندما بدأ الحديث عن فتح فصول جديدة للمفاوضات.
وتطابق موقفا موغيريني وهان بشأن انتقاد محاكمة صحافيين كبار واعتقال عشرة ناشطين حقوقيين، بينهم أجانب في تركيا، لكن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ردّ قائلا إنه «ينبغي ألا يضلل مدعو الصحافة الذين يساعدون الإرهابيين الاتحاد الأوروبي. فهناك صحافيون وجنود وساسة ساعدوا في محاولة الانقلاب العام الماضي، يجب أن يواجهوا الأحكام الواجبة».
وكان البرلمان الأوروبي طالب في قرار غير ملزم قدم في يونيو (حزيران) الماضي بتجميد مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي بسبب حملات الاعتقالات الموسعة وانتهاكات حقوق الإنسان وحبس الصحافيين والتضييق على المعارضة، وردت الخارجية التركية باعتبار القرار منحازا وغير موضوعي، واعتبرت أن لهجة البرلمان الأوروبي «تفتقر إلى الطابع البناء، وغير مشجعة».
وحاول جاويش أوغلو في اجتماع بروكسل تبرير اعتقالات الصحافيين وتوجيه الاتهامات بالإرهاب لهم، قائلا إن «الأسلوب المتبع في الآونة الأخيرة هو استخدام الصحافيين كجواسيس من أجل الضغط على بلاده»، لافتا إلى أنه «تم في الآونة الأخيرة ترحيل صحافيين تم توقيفهما بتهمة التجسس من خلال تصوير مواقع عسكرية تركية ومشاركتهما تلك الصور مع دول أخرى». وأشار أيضا إلى توقيف مراسل صحيفة «ديفيلت» الألمانية دنيرز يوجال (وهو ألماني من أصل تركي) بتهمة التجسس ودعم الإرهاب في تركيا.
وحول توقيف رئيس مجلس إدارة فرع منظمة العفو الدولية في تركيا تانر كيليتش، قال جاويش أوغلو إن «المنظمة تسيّر أعمالها في تركيا بحرية تامة، لكن رئيس فرعها متورط بارتباطه مع ما سماه (منظمة فتح الله غولن الإرهابية)، في إشارة إلى حركة الخدمة التابعة لغولن المقيم في أميركا، وتتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب العام الماضي، لافتا إلى أن ما قام به كليتش هو جريمة تخص شخصه وليس المنظمة الدولية التي لا تعارضها تركيا».
واحتجت منظمة العفو الدولية مطالبة الاتحاد الأوروبي بإلغاء مفاوضاته مع تركيا بسبب واقعة جديدة تم خلالها القبض على 10 ناشطين حقوقيين في إسطنبول في 5 يوليو (تموز) الجاري، بينهم مديرة فرع المنظمة في تركيا أديل إيسر، واتهمهم الرئيس رجب طيب إردوغان فور القبض عليهم في اجتماع بشأن الأمن المعلوماتي بأنهم يخططون لمحاولة انقلاب جديدة، وحبس القضاء التركي 6 منهم بتهمة دعم منظمة إرهابية، وأغضب القرار ألمانيا بسبب شمول قرار الحبس أحد مواطنيها وتفجرت أزمة بينها وبين تركيا لهذا السبب.
وأكدت موغيريني أن تركيا لا تزال دولة مرشحة لعضوية الاتحاد رغم المخاوف العميقة بشأن سجلها في حقوق الإنسان وتطبيق القانون، التي تمنع إجراء محادثات جديدة بشأن انضمامها. وبدأت تركيا المحادثات الرسمية للانضمام إلى الاتحاد في 2005، بعد سنوات من تردد عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد، بينها فرنسا، في قبول طلب ترشيح تركيا.
وفي تعليق لـ«الشرق الأوسط»، اعتبر الكاتب المحلل السياسي سميح إديز أنّه على الاتحاد الأوروبي أن يظهر بوضوح ما إذا كان لا يزال وفيا لمبادئه وفي مقدمتها الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن هناك تراجعا في كثير من دول الاتحاد الأوروبي عن قيم الاتحاد، ومنها بولندا على سبيل المثال، التي تشهد فيها حرية الصحافة تراجعا جعل تصنيف بولندا في قائمة «حر جزئيا». وأضاف أننا نعترف بأن هناك مشكلات في ملف الحقوق والحريات في تركيا، لكن الاتحاد يتعامل مع تركيا من منطلق أشبه بالكراهية وليس من منظور دعم دولة شريكة ومرشحة للعضوية، معتبرا أن الاتحاد فشل في التعامل مع كثير من الملفات في مقدمتها القضية القبرصية والأزمات الاقتصادية في دوله.
في سياق مواز، عقدت أمس جلسة الاستماع الثالثة في إطار محاكمة 17 صحافيا ومسؤولا تنفيذيا من صحيفة «جمهوريت» بتهمة الإرهاب، وخلال الجلسة انتقد الصحافي الاستقصائي البارز أحمد شيك المتهم بدعم تنظيمات إرهابية، وضع حرية الإعلام والتعبير في تركيا، متهما الحكومة بالسعي إلى إسكات كل صوت معارض.
وقال شيك، خلال إفادته بالجلسة أمام المحكمة الجنائية العليا في إسطنبول، إن البلاد تمر بأسوأ أيام حرية التعبير، فالأصوات المعارضة يتم إسكاتها، كما علقت الحقوق الأساسية مع إعلان حالة الطوارئ المفروضة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة.
وأشار إلى أنه تم اعتقال أكثر من 50 ألف شخص بتهم الارتباط بحركة غولن، ولم يعد هناك أي استقلال للقضاء، وأصبحت تهمة الانتماء إلى حركة غولن أكبر وسيلة ناجحة في يد الحكومة لمعاقبة من تريد عقابه.
واتهم شيك الحكومة بأنها أكبر منخرط في حركة غولن ومتورط في دعم تغلغلها في أجهزة الدولة، حتى انتهى الأمر بمحاولة الانقلاب التي كان أكبر فائز فيها هو الحكومة التي تعد أكبر جناح بحركة غولن كسب السلطة.
تراجع فرص استئناف المفاوضات التركية ـ الأوروبية
تراجع فرص استئناف المفاوضات التركية ـ الأوروبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة