يحتدم في الجزائر حاليا جدل حاد حول الصراع الكبير بين رئيس الوزراء عبد المجيد تبون، ومجموعة من رجال أعمال يملكون ثروة كبيرة، ويتحكمون في قطاعات اقتصادية حساسة، بسبب ترتيبات تتم في الخفاء لاختيار رئيس للبلاد، تحسبا لانتخابات 2019. كما يتداول حاليا في الأوساط السياسية حديث عن غضب الرئيس بوتفليقة، على إثر معلومات وصلته تفيد بأن رجال أعمال كانوا حتى وقت قريب محسوبين عليه، بصدد البحث عن خليفة له، يضمن استمرار مصالحهم بعد «نهاية عهد بوتفليقة».
ويعود غضب الرئيس، بحسب مصادر سياسية مهتمة بالقضية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إلى اقتناعه بأن رجال الأعمال يريدون أن يسحبوا منه ورقة هو حريص على أن يبقيها بين يديه، تتمثل في أن يختار خليفته بنفسه، وليست أي جهة أخرى، سواء كانت سياسية أم مالية أم تنتمي للمؤسسة العسكرية، وقلبها النابض رئاسة أركان الجيش، بقيادة الضابط الكبير أحمد قايد صالح، الذي يشاع أنه يريد أن يتولى الرئاسة.
وأوضحت المصادر أن بوتفليقة وشقيقه السعيد، الذي يسهر على شؤونه في فترة مرضه، ورئيس الوزراء وبعض الوزراء النافذين أمثال وزير العدل الطيب لوح، «مصممون على تقليص نفوذ رجال الأعمال، ممن يريدون الانتقال من إنجاز مشروعات اقتصادية إلى لعب أدوار سياسية ليست من شأنهم»، ومن هذا المنطلق كان تبون قد صرح في نهاية يونيو (حزيران) الماضي في البرلمان، بأن «الدولة حريصة على الفصل بين المال والسياسة».
وحسب بعض المراقبين، فإن أكثر شخص شعر بأنه مستهدف بهذا التحذير هو علي حداد، مالك أكبر شركة للمقاولات والمنشآت الفنية الكبرى، وصاحب فضائيتين وصحيفتين، فضلا عن رأس مال علاقات متغلغل في كل قطاعات المجتمع. وقد تأكد حداد أنه أصبح «في عين الإعصار» بمجرد أن وجهت له الحكومة كتابا يهدده بفسخ عقود بمليارات الدولارات؛ لأنه تأخر في إنجاز مشروعات ضخمة منحت له كامتياز لقربه من الرئاسة. غير أن الرجل «حشر أنفه» في أخطر ما يثير حساسية الرئيس، أي معرفة «الشخص الذي سيخلف بوتفليقة في الحكم».
ويستفيد حداد من دعم قوي لسبع منظمات لأرباب العمل الخواص، ومن النقابة المركزية التي كانت دوما تظهر ولاء للرئيس بوتفليقة، وقد انقلبت عليه بشكل مثير.
وفي هذا السياق كتب عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي المعارض «حركة مجتمع السلم»، عن تطورات هذا الصراع الذي يشد إليه الإعلام والطبقة السياسية، فقال إن الجزائر «تعيش اليوم ظاهرة تتمثل في الحرب التي أعلنها تبون على رجال المال، الذين اغتنوا من خزينة الدولة ولم يفوا بتعهداتهم تجاهها. وهذا أمر جميل نشجعه ونباركه، ونسند رئيس الوزراء فيه. لكن لا يمكن للجزائريين أن يقدموا صكا على بياض، ولا أن يغتروا بهذه الظاهرة، فقد رأينا مثل هذا في فترات سابقة، ثم وجد الجزائريون أنفسهم أمام وهم كبير استعمل لتهدئتهم، وتمرير مرحلة صعبة كان يواجهها النظام الجزائري، ثم عادت الأمور إلى ما كانت عليه فسادا ورداءة وتبذيرا، بل وظلما وعدوانا على المعارضين للنظام».
وأضاف مقري موضحا: «من خصائص النظام السياسي الجزائري عبقرية المناورة. وحبذا لو وظف القدرات الفائقة التي يتصف بها في مجالات المناورة السياسية وتغليط الخصوم، وكسب السذج من الناس، من أجل تطوير البلد وتحقيق التنمية. فلو فعل ذلك لكانت الجزائر اليوم ضمن الدول الصاعدة، التي كانت في مستوى الجزائر في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي».
وأوضح مقري أن تبون «من نفس النظام السياسي الذي ينتمي إليه سلال (رئيس الوزراء السابق)، والرئيس الذي كان يعطي الأوامر لسلال هو نفسه الذي يعطي الأوامر لتبون، والذين كانوا يعطون الأوامر للبنوك لدعم رجال الأعمال، الذين يواجههم تبون اليوم، لا يزالون هم من يأمر وينهى. فما الذي تغير؟ هل تبون مجرد واجهة مؤقتة لتزيين الصورة استعدادا لاستحقاقات قريبة؟ هل محور السلطة لم يعد في المرادية (قصر الرئاسة)؟ هل ساكنو المرادية اعترفوا بأخطائهم بعد الكوارث والأموال الهائلة الضائعة والمسروقة غير القابلة لاسترجاعها؟».
اهتمام رجال الأعمال بخليفة بوتفليقة يثير غضب القصر
احتدام الصراع بين مقاولي البلد ورئيس الوزراء الذي يسعى لتقليص نفوذهم
اهتمام رجال الأعمال بخليفة بوتفليقة يثير غضب القصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة