صراع كبير بين الإنسان والغوريللا بمجازات متعددة

«صراع من أجل البقاء: 2001  أوديسا الفضاء» - وودي هارلسون وأندي سركيس  في «الحرب لأجل كوكب القردة»
«صراع من أجل البقاء: 2001 أوديسا الفضاء» - وودي هارلسون وأندي سركيس في «الحرب لأجل كوكب القردة»
TT

صراع كبير بين الإنسان والغوريللا بمجازات متعددة

«صراع من أجل البقاء: 2001  أوديسا الفضاء» - وودي هارلسون وأندي سركيس  في «الحرب لأجل كوكب القردة»
«صراع من أجل البقاء: 2001 أوديسا الفضاء» - وودي هارلسون وأندي سركيس في «الحرب لأجل كوكب القردة»

الجزء الرابع من السلسلة الثانية من «كوكب القردة» يحل على شاشات العالم حاملاً إلينا حكاية لا تنتهي حول الصراع على مستقبل الأرض بين عنصرين متحاربين: البشر والقردة. أو هل نقول القردة والبشر تبعاً لتحبيذ هذه الأفلام لشعب من القردة لا غاية له سوى ردع الإنسان الجشع عن محاولة إبادته؟
«الحرب لأجل كوكب القردة» (الذي لم يعد كوكباً بعيداً غامضاً كما كان الحال في الفيلم الأول سنة 1968 بل صار الأرض ذاتها) من 140 دقيقة بميزانية 150 مليون دولار (يعني مليونا وبضع مئات الآلاف لكل دقيقة) وإخراج مات ريڤ الذي أنجز الجزء الثالث: «فجر كوكب القردة»، من هذه السلسلة الثانية قبل ثلاثة أعوام. ذلك الجزء الذي شاهدنا فيه سان فرانسيسكو وهي تتساقط بفعل دمار شامل في حرب الإنسان ضد القردة. الفيلم كان من النجاح بحيث أنجز 702 مليون دولار حول العالم وبل تقدّم جدياً لخوض معركة الأوسكار في قسم أفضل المؤثرات البصرية. لم يفز بها لكنه فاز بـ17 جائزة أقل شأناً بعضها من مؤسسات نقدية وبعضها من مهرجانات مختلفة المستويات.
انتهى «فجر كوكب القردة» بقائد القردة قيصر (آندي سركيس تحت الملابس الحارة) يلعق جراحه ويعترف بأنّه لم يستطع تحقيق النصر الذي طمح إليه ضد البشر. الفيلم الجديد هو كيف سيحقّق هذا النصر ويقلب الشاشة إلى حلبة لا تنتهي يتبادل فيها الطرفان (الآدمي والحيواني) الضربات كما لو كانا على حلبة الملاكمة. ضربة منك، ضربة مني.
وكانت هذه السلسلة اندلعت أول مرّة سنة 1968 عندما أنتجت شركة فوكس فيلما معتدل الميزانية بحسابات ذلك الحين (نحو 6 ملايين دولار)، مقتبسا عن رواية للفرنسي بيير باول تدور حول رحلة بين الكواكب تنتهي عندما تسقط المركبة فوق كوكب للقردة الذين يسجنون الآدميين بتهمة التمهيد للغزو. شارلتون هستون يقود الفريق الآدمي ورودي مكدوويل يمثل القرد كورنليوس وهناك انقسام بين القردة حيال كيفية التعامل مع الآدميين، بل هناك أيضاً مشروع قصّة حب بين القردة زيرا (كيم هنتر) وجورج (هستون) انتهى مع نهاية الفيلم.
خمسة أفلام من تلك السلسلة هي «كوكب القردة» لفرانكلين شافنر (1968) و«تحت كوكب القردة» لتد بوست (1970) و«الهروب من كوكب القردة» لدون تايلور (1971) و«غزو كوكب القردة» (1972) و«معركة كوكب القردة» (1973) وكلاهما من إخراج ج. لي تومسون.
بعد فترة هدوء انتقلت فيها المعارك بين الإنسان والقرد إلى شاشات التلفزيون ومسلسل من الرسوم المتحركة وامتدت 28 سنة، أسندت مهمّـة إعادة تقديم السلسلة لجيل جديد إلى المخرج تيم بيرتون فأنجز «كوكب القردة» (2001)، تبعه روبرت وايات سنة 2011 بفيلم «صعود كوكب القردة» ثم مات ريڤ بعد ثلاث سنوات بفيلم «فجر كوكب القردة»، وريڤ هو أيضا مخرج هذا الفيلم مع وودي هارلسون وتاي أولسن وستيڤ زون من بين آخرين كثر.

تعدد الوجوه

بكل تأكيد السلسلة المذكورة ليست أولى الأفلام التي قدّمت لنا القردة والسعادين بل باشرها سنة 1918 «طرزان والقردة». لكن حينها كانت القردة المستعان بها صغيرة ولطيفة ومثيرة لحب الصغار. طرزان كان قادراً على التفاهم مع كبيرها كما مع صغيرها لأن غوريللا كبيرة هي التي وجدته في الغابة الأفريقية طفلاً رضيعاً بعدما تحطمت الطائرة وقتلت والديه. أرضعته ودافعت عنه واعتنت به وعلى هذا المنوال سارت كل أفلام طرزان.
في عام 1933 فوجئ الناس بغوريللا جديدة، اسمها «كينغ كونغ»، لكنّها ليست من النوع الذي يرضع الآدميين الصغار بل من ذلك الذي يدمر بعض نيويورك عندما تم جلبه إليها. لكنه، والحق يقال، لم يغز أميركا بل الأميركيون هم الذين غزوا جزيرته. كذلك هو وقع في الحب ومن الحب ما قتل فوق مبنى إمباير ستايت الشاهق حسب نهاية ذلك الفيلم.
من هذا الكينغ كونغ تم تحقيق فيلم بعنوان «إبن كينغ كونغ» (الابن ينتقم لأبيه)، ثم أربعة تستعير الحكاية ذاتها في الأساس بدأت بفيلم «كينغ كونغ» سنة 1976 الذي أخرجه جون غيلرمن، ثم قام بيتر جاكسون (المعروف بسلسلة «سيد الخواتم») بإنجاز رؤيته سنة 2005، وفي مطلع هذا العام داهمنا «كونغ: جزيرة الجمجمة» الذي أخرجه جوردان ڤوت - روبرتس.
غير كينغ كونغ وكوكب القردة هناك قرود وغوريللات كثيرة ظهرت من القرد المرتدي تنورة في فيلم لوريل وهاردي في «ذا تشيمب» (1932) إلى الغوريللا الثائرة الأخرى (وغير المحتفى بها كثيراً) «بونغو» (1945)، وصولاً إلى تلك الغوريلا الفاتكة «مايتي جو يونغ» (1949)، علماً بأنّه من حين لآخر قد تطل علينا قردة وغوريللات يأنس إليها البشر كما فعلت سيغورني ويڤر في «غوريللات في الضباب» (1988)، وتيسي هاربر في «صيف للذكرى» (1985). وكل ذلك من دون أن ننسى القردة التي بدأ بها ستانلي كوبريك فيلمه البديع «2001: أوديسا الفضاء» في عام 1968، العام ذاته الذي خرج فيه «كوكب القردة» الأول.

دلالات

كما يتجلّى فإن كل ذلك الاهتمام بأفلام تعرض أدواراً رئيسية للقردة (ولا يرد هنا سوى قليل من عشرات) ينحصر في وجهين: القردة إمّا هي حيوان أليف يأنس إلى الإنسان والإنسان إليه، أو هو غوريللا ضخمة تثور عندما ترى البشر كما لو أنّها تدرك سلفاً ما يدور في ذواتهم خصوصاً إذا ما اقتحموا غاباتها بأسلحتهم النارية.
لكن المسألة ليست في بعدها مجرد ود وألفة في بعض الأفلام وصراع على مستقبل الأرض في أفلام أخرى. الأولى قد تكون عاطفية مصنوعة للترفيه ولكي يضحك الصغار على أفعال القردة، لكن الأخرى هي أشد إمعاناً في توفير مواد خصبة للبحث حول ما تبثه من دلالات.
بدءاً من فيلم فرانكلين شافنر سنة 1968، كانت هناك تلك الدلالات. حينها كانت أميركا تعيش أزمة العلاقات العنصرية التي كان يعاني السود منها. الفيلم يقلب الصورة في بعض المواضع: الإنسان (الأبيض) هو من نراه قد استعبد والقردة السوداء هي القوّة الحاكمة.
في «فجر كوكب القردة» قبل ثلاثة أعوام، اختلفت الرسالة. في عهد باراك أوباما بدا هذا الفيلم مجازيا لحد التقارب بين موضوعه وبين حروب الشرق الأوسط. في ذلك الفيلم هناك شح في المياه لدى البشر، ووفرة في الماء لدى القردة.
وكما أنّ هناك دولاً معتدلة وأخرى متطرفة، فإن القردة في ذلك الفيلم كانت بين معتدلة حيال البشر ومتطرفة. والمتطرفون يسودون لبعض الوقت ويتم وضع المعتدلين في السجون. لكن الفيلم في النهاية ينحو إلى ضرورة السلام بين الآدميين والقردة، وهي الضرورة التي تحل محل النهاية السعيدة عادة في الكثير من أفلام الصراعات. هذه القراءة المقتضبة هنا لا تحل محل قراءات أخرى، لكنّ تاريخ هذه السلسلة مرّ بعصور وأزمات واقعية مختلفة (كما برؤساء جمهورية أميركيين متعددين) بحيث عكس كل منها مجازاته المختلفة.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.