ينتظر شاب مختبئ في إحدى غابات «غراند سانت»، شمال فرنسا، بفارغ الصبر موعد انتقاله إلى بريطانيا، وفي غضون ذلك يعيش، مثل مئات المهاجرين الآخرين، في ظروف سيئة بمكان قريب من مخيم دمّره حريق.
وعلت ابتسامة عريضة وجه الشاب الإيراني البالغ 18 عاما، قبل أن يؤكد بفرنسية جيدة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، أنه لا يخشى دورية وشيكة للشرطة التي «ستقوم بالتنظيفات»، لأن العناصر «يحترمون حدود واجبهم» في المخيم الذي سماه «الأدغال الصغرى»، في إشارة إلى مخيم «الأدغال» الذي استحال مدينة صفيح كبرى مقابل السواحل الإنجليزية في كاليه، قبل أن تفككه السلطات الفرنسية.
وقررت السلطات، في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، إخلاء المخيم وتفكيكه لتجنب أن يتحول «نقطة ترسخ» للمهاجرين، لكن هذا الأمر لم يكبح توافد المهاجرين الحالمين بعبور بحر المانش إلى بريطانيا.
ويمضي كثيرون منهم، كالشاب الإيراني، وقتهم في هذه الغابة في بويثوك على بعد مئات الأمتار من أنقاض مخيم «غراند سانت» الذي قضى عليه حريق في مطلع أبريل (نيسان).
وسعت الشرطة إلى تفادي إعادة بناء مخيم دائم، وسبق أن نفذت عمليتين لإزالة الخيام ومصادرة أواني الطهي وأمتعة النوم، لكن بهدوء. على عكس كاليه، حيث يسود التوتر العلاقة بين الشرطة والمهاجرين.
من جهتها، قالت كلير ميلوه، من جمعية «سلام»، إن الشرطة «تصادر التجهيزات، لكن من دون استخدام الغاز المسيل للدموع ولا اللجوء إلى الضرب مثلما جرى في كاليه». وتعزو الجمعيات ذلك إلى «تضامن» رئيس البلدية المنتمي إلى الحركة البيئية داميان كاريم، الناشط منذ فترة طويلة في ملف اللاجئين. وفي مطلع 2016، فتح كاريم بالتعاون مع منظمة «أطباء بلا حدود» مخيما في «غراند سانت» يطابق المعايير الدولية، ونقل إليه مئات المهاجرين بعدما كانوا يعيشون في ظروف مزرية.
وبعد احتراق تجهيزات المخيم، عاد نحو 300 شخص أغلبهم من الأكراد للإقامة فيه وسط ظروف مريعة، في وضع أكد كاريم أنه «لم يعد قادرا على تحمله». ولجأ كاريم إلى موقع «تويتر» لمخاطبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونشر صور أطفال يعيشون في ظروف عوز شديد وسط القاذورات وينام بعضهم على التراب، مطالبا «بالإنسانية والكرامة، الآن وهنا في فرنسا!».
كما كتب في رسالة مفتوحة إلى ماكرون: «عبر مطاردتهم (المهاجرون) كالدواب، فإننا نحولهم حتما إلى وحوش بشرية». وعندما لم يلق جوابا، جدّد تأكيد استعداده مجابهة الحكومة في سبيل تحسين ظروف حياة المهاجرين. وأوضح مصدر من المقربين منه أنه «في الوقت الراهن، لا نشهد مستوى التدفق الذي جرى في 2015. لكن ماذا بعد عدة أشهر؟ إذا احتجنا إلى إعادة تجهيز مخيم، فسنستخدم الموقع نفسه، لكنه سيكون بالأحرى مخيما للعبور، بالاستفادة من دروس تجربة المخيم السابق».
وأكّدت البلدية استعدادها، إن لم تتلق ردا قبل منتصف أغسطس (آب) المقبل، للتحرك منفردة، مؤكدة حيازة التمويل اللازم، ولو أنها ترى أنه يعود للحكومة أولا «تحمل المسؤوليات». غير أن الحكومة ترفض قطعا تشكل أي «نقطة ترسخ» على الساحل الشمالي، على ما أكد وزير الداخلية جيرار كولومب في كاليه في منتصف يونيو (حزيران) الماضي. كما أكدت الإدارة المحلية أنه «لا مستقبل في إنشاء مخيمات ذات ظروف صحية واجتماعية شديدة التدهور، تضاف إليها سطوة شبكات المهربين الإجرامية».
وأفادت السلطات بأن «نحو 350 مهاجرا» كانوا يخيمون في المنطقة، تم إيواؤهم منذ مايو (أيار) الماضي في مراكز استقبال موزعة في مختلف أنحاء البلاد. لكن كثيرين غيرهم ما زالوا مصممين على بلوغ إنجلترا، سواء في كاليه حيث يصل عدد المهاجرين إلى 600 بحسب الجمعيات، أو في «غراند سانت».
وقال السوري مراد، البالغ 38 عاما، إن «شقيقي يقيم في مانشستر، وهناك الأمر أكثر سهولة على مستوى اللغة». ووصل هذا المهندس الزراعي السابق شديد الأناقة إلى شمال فرنسا الأسبوع الماضي، بعدما عبر الحدود من إيطاليا، وأكد بثقة أمله في أن «يحل دوري قريبا».
مهاجرون يعانون من ظروف مزرية بعد إخلاء مخيمات بفرنسا
السلطات المحلية تناشد الحكومة تحسين أوضاعهم
مهاجرون يعانون من ظروف مزرية بعد إخلاء مخيمات بفرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة