موصليون يبحثون عن جثث أقاربهم في المدينة القديمة

يتحدون الألغام والحواجز الأمنية

عراقيون في شارع مدمر غرب الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)
عراقيون في شارع مدمر غرب الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

موصليون يبحثون عن جثث أقاربهم في المدينة القديمة

عراقيون في شارع مدمر غرب الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)
عراقيون في شارع مدمر غرب الموصل أول من أمس (أ.ف.ب)

على أبواب الموصل القديمة التي دمرتها المعارك، يقف عبد الرزاق سلمان ويعرف أنه فقد كل شيء، إلا أنه ما زال لديه شيء من الأمل في العثور على جثث أقاربه الذين قتلوا بتفجير منزلهم.
يقول سلمان، وهو كردي، أثناء جلوسه وسط الأنقاض على أحد أرصفة المدينة القديمة: «كان لدي متجر صغير، عملت بكد مذ كنت في العاشرة لبناء بيتي، ولم يبق منه إلا كومة أحجار».
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فإنه رغم إعلان السلطات العراقية الاثنين تحقيق «النصر» على تنظيم داعش في الموصل، فإن من شبه المستحيل حتى الآن الوصول إلى المدينة القديمة، حيث لا تزال عمليات التمشيط وإزالة الألغام مستمرة. رغم ذلك، فإن بعض السكان الذين فروا من المعارك في المدينة القديمة، أقدم الأحياء في الجانب الغربي من مدينة الموصل، يريد تخطي الحواجز للدخول إلى المدينة، دون جدوى.
وكان سلمان قد فر مع زوجته وأطفاله الستة، ولجأوا إلى منزل أقارب لهم في محافظة دهوك الواقعة في إقليم كردستان، وها هو يعود اليوم إلى الموصل للبحث عن جثث خمسة من أقاربه، بينها جثة والده (90 عاما) ووالدته (70 عاما) وشقيقه الأصغر (22 عاما). ويذكر أنه «تم إجلاء جثتين والبحث متواصل عن الجثث الأخرى»، مشيرا إلى أن الدخول ممنوع، ولكنه يستعين بأحد أصدقائه العاملين في البلدية للقيام بالبحث. ويوضح الرجل الأربعيني أن «صاروخا سقط على منزل جاري ما أدى إلى مقتله وجميع أفراد العائلة، كما قتلت والدة صديقي».
انهمرت دموع سلمان وهو يتحدث عن ابنه البالغ ثلاث سنوات، قائلا: «لقد أصبح عدوانيا، فقد شاهد أمواتا. عندما تتحدث إليه أخته الكبيرة لتطلب منه شيئا لا يرغب فيه، يضربها بأي شيء يجده أمامه». ويتابع: «أخاف أن يصبح جميع هؤلاء الأطفال مجرمين عندما يكبرون».
في غضون ذلك، تخرق أصوات عجلات مدرعة تتنقل بسرعة كبيرة، سكون الموت الذي يسود المكان. يمر موكب عجلات عسكرية لقوات الحشد الشعبي للخروج من الحي، فيما تتعالى أصوات أناشيد وطنية عبر مكبرات صوت.
يقول سلمان بحزن واضح: «في البداية، كان لدي أمل في العودة، لكن الآن لا أفكر في ذلك أبدا»، متسائلا: «لماذا يجب أن أعود؟ الذكريات الجميلة؟ لرؤية كل هذا البؤس؟».
في هذه الأثناء، يقاطعه جاره قاسم جاسم الذي جاء من شرق الموصل مع اثنين من أعمامه، على أمل الدخول إلى المدينة القديمة، متسائلا: «هل نستطيع العبور؟». ويذكر جاسم الذي فر مع شقيقه نهاية شهر مايو (أيار)، من المدينة القديمة حيث فقد أربعة من أبناء إخوته وأخواته أن «قناصا (من المتشددين) أصابهم عندما كنا نركض» هاربين من هناك.
يعيش جاسم وعائلته على أمل العودة للعيش في المدينة القديمة، فيما فر مئات آلاف المدنيين هربا من المعارك التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وباتت غالبية مناطق المدينة اليوم «مدمرة بشكل كامل تقريبا»، وفقا للأمم المتحدة.
يقول علي محسن، وهو أحد أعمام جاسم، إن «منازلنا دُمرت، لكننا نريد أن نبقى هناك». ويضيف: «نستأجر حاليا شققا، وهي مرتفعة الثمن. إلى متى نبقى في المنفى؟». ويتابع محسن، وهو أب لثلاثة أطفال: «نحن هناك (في شرق الموصل)، لكن أرواحنا هنا».
بدوره، يحاول أحمد (26 عاما) في وقت لاحق الدخول إلى المدينة القديمة للبحث عن جثث أقربائه، لكن دون جدوى. وقبل أسبوع، استطاعت شقيقتاه الهرب من منزلهما، قبل أن يستهدف بضربة جوية. ويذكر الشاب الذي كان مهتما بمظهره وبدا شعره مصففا: «فقدنا إحدى أخواتي وزوجها وأبناءهما». ويضيف بحسرة: «ليس لدينا مستقبل في العراق، خصوصا للشباب، الجميع يريد الموت ولا رغبة لديه في الحياة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.