الكمون رمز الحب والإخلاص والبخل

سوريا من مواطنه الأصلية

الكمون رمز الحب والإخلاص والبخل
TT

الكمون رمز الحب والإخلاص والبخل

الكمون رمز الحب والإخلاص والبخل

الكمون من البهارات والمواد الرئيسية في كثير من المطابخ العالمية، وخصوصا المطابخ الشرقية مثل المطابخ العربية والهندية والتركية وغيرها. وهو جزء لا يتجزأ من المواد التي يحفظها الناس في مطابخهم لكثرة وتنوع استخدامه. وهي أيضاً جزء لا يتجزأ من بهارات الكاري وخليط الحر المطحون ولذلك يرتبط اسمه كثيرا بالمطابخ الهندية والمكسيكية والفيتنامية وولاية تكساس الأميركية وكوبا.
* تاريخ الكمون القديم
يعود تاريخ الكمون واستخداماته إلى أكثر من 5 آلاف سنة كما يؤكد المؤرخون، وبشكل خاص إلى أيام الفراعنة الذين استخدموه كبهار لتحضير المآكل وكمادة من مواد التحنيط الرئيسية التي اعتمدوا عليها لسنوات طويلة في هذا المضمار.
وهناك الكثير من النصوص الفرعونية واليونانية القديمة التي تشير إلى استخدامات الكمون وفوائده الطبية الكثيرة. أما الرومان وأهل اليونان القدماء فقد استخدموا الكمون كبهار أيضاً لتحسين طعم المآكل وكمادة من المواد الطبية والتجميلية رغم أنها كما يقال تجعل البشرة تبدو شاحبة مما يفيد في عمليات التجميل والتمثيل قديما وحديثا. ولا يزال بعض أهل اليونان يتركون أحد أطباقه على المائدة كتقليد قديم تقديرا لأهميته. ويقال إن أهل المغرب يواصلون حتى الآن التقليد نفسه.
ورد ذكر الكمون في أعمال أبقراط وديسقوريدس الطبية والنباتية. واعتبره المؤرخ بليني المعروف على أنه أكثر البهارات أو التوابل فتحا للشهية. واستخدم أبناء الحضارة السلتية التي كانت تمتد من كرواتيا إلى الجزر البريطانية في القرن الأول قبل الميلاد، الكمون في طبخ السمك وشيه.
وقد عثر علماء الآثار على حبوب الكمون في أحد المواقع الأثرية في تل الدير في سوريا، يعود تاريخها إلى 2000 عام قبل الميلاد. ولهذا السبب يعتقد الكثير من المؤرخين أن موطن الكمون في الماضي كان سوريا لأن الكمون يحب الأرض القاحلة والحارة وسوريا توفر ذلك للكمون بسهولة.
* الكمون في الفلكلور الشعبي
وتضيف الموسوعة، حول رمزية الكمون تاريخيا أنه «على الرغم من قيمته العالية كبهار، أصبح الكمون رمزا للجشع والشراهة في روما القديمة وقد كُنّي كلّا من ماركوس أوريليوس وأنطونيوس بيوس، وهما من الأباطرة الذين اشتهروا بالبخل والجشع، بأسماء لها علاقة ومرجع بالكمون... وخلال العصور الوسطى في أوروبا، كان يعتبر من البهارات الأكثر استعمالا وقد أضاف إلى جعبته صفة جديدة في ذلك الوقت وهي أنّه اعتبر رمزا للحب والإخلاص، حيث إن الناس قاموا بحمله في جيوبهم عند ذهابهم إلى مراسم الزفاف وقام الجنود المتزوجون بأخذ خبز الكمون المخبوز معهم إلى الحرب. وهو يعتبر مدعّما للحب، حيث استعمل في بعض التقاليد العربية كمثير للشهوة الجنسية عند مزجه مع العسل والفلفل». كما كان الرهبان في القرون الوسطى يزرعون الكمون في الأديرة لقيمته الطبية العالية.
كما «يُرمز إلى الكمون بصفات البخل، الجشع، الطمع، حب المال، فيقال عن الإنسان البخيل «أبو كمونة». وكان الكمون عند الإغريق يعطي هذه الصفة أيضاً. وكان هنالك إغريقي كان يلّقب على سبيل المزاح بالكمون، بسبب بخله، وشحه وجشعه بسبب الصفات التي اكتسبها على أثر أكله الكمون.
تاريخ الكمون والفولكلور يتضمن الاعتقاد بأن الكمون مرتبط بمفهوم «الاحتفاظ» و«الإخلاص» كما سبق وذكرنا، وينطبق هذا الأمر على الأشياء والطيور والناس. فاللصوص الذين يحاولون سرقة أي شيء يحتوي على الكمون سيبقون داخل البيت الذي يسرقونه. كما كان يتم إطعام الحمام والطيور الأخرى الكمون لمنعهم من الضالة. ولضمان عودة الرجال إلى ديارهم، كانت البنات تعطي الشباب خبز الكمون ليعودوا إليهن. ويقال إن الألمان الذين كانوا يعيشون بالقرب من الغابات كانوا يخافون من تناول الكمون لاعتقادهم بأن تطالهم أراوح الغابة.
ويقال إن الكمون جاء من إيران ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ولكنه زرع واستخدم قديما في الهند والصين والجزيرة العربية أيضاً. وحاليا يأتي معظم الكمون حول العالم من تركيا وباكستان وسريلانكا والهند وسوريا وأوزباكستان وطاجيكستان والمغرب ومصر وتشيلي والمكسيك.
وقد وصل الكمون إلى العالم الجديد أو إلى أميركا عن طريق الإسبان والمستعمرات الإسبانية التي تأسست بعد وصول كولومبس نهاية القرن الخامس عشر.
* الكمون نباتيا وعلميا
الاسم العلمي للكمون هو كمونيم - سيمينوم - Cuminum cyminum - وتنتمي بذور الكمون والكراوية والبقدنوس والشبث إلى نفس العائلة وهي فصيلة الخيميّات.
وتقول الموسوعة الحرة، إن الكمون «نبات عشبي حولي محدود النمو يصل ارتفاعه إلى 30 - 400 سم. أوراقه مركبة رفيعة لونها أخضر داكن ويحمل النبات أزهاراً صغيرة بيضاء مستطيلة تنشق كل منها بسرعة عند جفافها إلى ثميرتين منحنيتين. ولون الثميرة أخضر زيتوني ورائحتها عطرية وطعمها مر قليلا».
ومن أنواعه الكثيرة كما يقال، الكرماني والحبشي والكمون الحلو المعروف بالآنسون أو يانسون والأرمني وهو الكراوية بالإضافة إلى البنطي والكمون الأسود المعروف باسم حبة البركة، لكن هناك بعض الخلط أحيانا بين أنواع وأسماء البهارات والتوابل لتشابه شكلها.
* أصل التسمية
جاءنا اسم كمون الإنجليزي - Cumin من اللغة الفرنسية مباشرة ومن كلمة كمون - Cumin التي أخذها الفرنسيون من الإسبانية كومينو - Comino وهي مأخوذة من العربية كامون - Kammon أيام وجود العرب والمسلمين في الأندلس. ويرجح أن اسم الكمون العربي الذي جاء من سوريا انتقل إلى تركيا ثم إلى اليونان المجاورة والقريبة قبل يجد طريقه إلى إسبانيا
ولكن مثل كثير من الكلمات العربية الأخرى في اللغة الإنجليزية، تم الحصول على الكمون من خلال أوروبا الغربية بدلا من طريق اليونان. وتشير بعض النظريات إلى أن الاسم أو كلمة كمون - Cumin مشتقة من اللاتينية كومينوم - Cuminum واليونانية كومينون - ، ومع ذلك، لكن هذا الأمر مستبعد، إذ إن الاسم أو المصطلح اليوناني نفسه قد نقل من العربية. وهناك أشكال كثيرة لكلمة أو اسم كمون في كثير من اللغات السامية القديمة، بما في ذلك كامونو - Kamunu في الأكادية. ومع كل هذا على الأرجح أن أصل كلمة كمون واسمه جاء من إحدى اللغات السورية القديمة وأرجحها اللغة السومية وكلمة غامون - Gamun.
وهناك من لا يزال يربط أصل الكلمة بالمدينة الفارسية كرمان، التي كانت تنتج معظم الكمون بلاد فارس القديمة. بالنسبة للفرس، وهذا ليس مستبعدا، إذ إن عبارة «تحمل الكمون إلى كرمان» لها نفس المعنى مثل عبارة اللغة الإنجليزية «تحمل الفحم إلى نيوكاسل». كرمان التي تسمى محليا «كيرمون»، ستصبح «كومون» وأخيرا «كومين» باللغات الأوروبية.
في الهند وباكستان، يعرف الكمون باسم جيرا - jeera أو جيرا - jira أو أحيانا زيرا - zira في إيران وآسيا الوسطى، يعرف الكمون باسم زيرا - zira؛ وفي تركيا يعرف الكمون باسم كيميون - kimyon وفي شمال غربي الصين، يعرف الكمون باسم زيران - ziran. ويطلق عليه اسم الكيمون - kemun في الإثيوبية الأمهرية. ويطلق الناس على الكمون أسماء كثيرة منها الكراوية الرومانية والشمر، والسنوت، والرازيانج، والشمار، والبسباس، والشمرة، والشمر المر، والشمر الحلو، والحلوة، والحبة الحلوة، وحبة الحلاوة العربية، والشمر الكبير، وشمر الحدائق، والشمر الوحشي، السنوت، والشمر الزهري، حسب ما جاء في الموسوعة الحرة.
* طبياً
يفيد الكمون في كثير من الأمور الصحية، ويعتبر من المواد الغنية بالحديد وبالتالي يفيد في مجال مد الجسم بالطاقة، كما يعتبر الكمون مفيدا جدا للجهاز الهضمي إذ يحفز إفرازات إنزيمات البنكرياس. كما يساعد الكمون في الوقاية من السرطان وخصوصا سرطان المعدة وحماية الكبد من السموم. وبالإضافة إلى علاج الضعف الجنسي يحسن الكمون البشرة ويقي من النزلات البردية.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».