أعلن قادة ثلاث أحزاب سياسية كبرى من أقليات عرقية في أفغانستان، يشغل جميعهم مناصب رفيعة المستوى في الحكومة، من إسطنبول في تركيا يوم السبت تشكيل ائتلاف لإنقاذ أفغانستان من الفوضى، وأصدروا قائمة بالمطالب منها إجراء الرئيس أشرف غني لإصلاحات، وتوعدوا بتنظيم احتجاجات شعبية في حال عدم تلبية تلك المطالب. ويأتي هذا التطور المفاجئ بعد أسابيع من الاضطرابات السياسية والشعبية عقب تفجير إرهابي هائل في العاصمة الأفغانية في 31 مايو (أيار). وقد حفز ذلك الحدث مجموعة من القادة النافذين السابقين لجماعات مسلحة، كانوا خصوماً خلال الحرب الأهلية، على تكوين تحالف يمكن أن يمثل أخطر تحد أمام الرئيس غني وحكومته المترنحة منذ توليه السلطة في عام 2014.
وتم إصدار بيان المجموعة من أنقرة، التي توجه إليها عبد الرشيد دوستم، الرجل الأوزبكي القوي الذي لا يزال رسمياً النائب الأول للرئيس في حكومة غني، من أجل العلاج رغم كونه يخضع للتحقيق في كابل بتهمة الاعتداء الجنسي على أحد خصومه السياسيين. ونشر مساعدو دوستم البيان على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى الجانب الآخر زار القادة الآخرون، وهم محمد عطا نور، من طاجيكستان وحاكم إحدى الولايات، ومحمد محقق، من الهزارة ويشغل منصب نائب رئيس الحكومة، وصلاح الدين رباني، وزير الخارجية، وأحد أعضاء حزب «الجماعة الإسلامية» الذي يرأسه دوستم خلال الأسبوع الماضي لحضور حفل زفاف عائلي في منزل فخم قضى به أكثر سنوات المنفى.
وأوضحت المجموعة، التي أطلقت على نفسها اسم «ائتلاف إنقاذ أفغانستان»، أن هدفها هو «منع انهيار الحكومة، وتفادي دخول البلاد في حالة من الفوضى، واستعادة ثقة الشعب». كذلك طالبوا غني بمنح الوزراء وحكام الولايات، سلطة، والتوقف عن «استغلال» سلطته ونفوذه لتحقيق أغراضه الشخصية، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات التي تم التعهد بإجرائها منذ مدة طويلة، والالتزام بالدستور والقانون. كذلك دعا البيان إلى إعادة السلطة والصلاحيات الكاملة لدوستم، والتحقيق في هجوم الحكومة عليه. وجاء رد مكتب غني هادئاً على تلك المطالب الاستفزازية، حيث صرح شاه حسين مرتضوي، المتحدث الرئاسي، للصحف بأن الحكومة «ترحب بأي خطوة» تخدم مصالح البلاد، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن قادة الائتلاف «مشاركون في الحكومة»، مما يجعلهم «عرضة للمساءلة بشأن أي تقصير». وقال إنه إذا كان لدى هذه المجموعة أي خطط بديلة لتجاوز الوضع الحالي، ينبغي أن «يشاركوهم إياها».
لم يخرج أي تعليق من مكتب عبد الله عبد الله، رئيس الوزراء، الذي جافاه غني لأشهر كثيرة. الجدير بالذكر أن عبد الله، من حزب الجماعة الإسلامية، قد خذل شخصيات قيادية في الحزب مثل نور، بسبب التنازلات الكثيرة التي قدمها لغني في محاولة لإنقاذ الحكومة المتداعية.
على الجانب الآخر كان رد فعل شخصيات سياسية مختلفة ومراقبين متشككاً تجاه ذلك النبأ، حيث أشاروا إلى احتمال ألا يكون قادة الأقليات العرقية، الذين كان لديهم خلافات كثيراً مع غني وهم في السلطة، مهتمين كثيراً بإصلاح الحكومة بقدر ما هم مهتمون باستغلال الغضب والسخط الشعبي الموجود حالياً للضغط من أجل تحقيق مصالح سياسية خاصة بهم. كذلك أشاروا إلى الانتقادات، التي تم توجيهها إلى غني، الذي ينتمي إلى جماعة البشتون العرقية، بسبب تركز السلطة في أيدي حلفائه من جماعته العرقية والقبلية، وتهميشه للجماعات العرقية الأخرى.
وقال متحدث باسم قلب الدين حكمتيار، أحد أمراء الحرب السابقين الهارب والمنتمي إلى البشتون، الذي عاد إلى كابل مؤخراً بعد اتفاق سلام مع غني، إن التحالف الجديد «مثير للشكوك»، وربما يكون مهتماً بـ«المطالب الشخصية» أكثر من المطالب الشعبية. وتساءل المتحدث كريم أمين قائلا: «لماذا التزموا الصمت لفترة طويلة؟ لا يمكن أن تكون داخل النظام وتنتقده».
ودعا حكمتيار، في بيان منفصل يوم السبت، كل المواطنين الأفغان إلى التوحد ودعم حكومة غني في وقت الأزمة الحالي، حيث تعاني البلاد من ارتفاع معدل البطالة، وصراع طويل ممتد مع المتمردين. ويعد التفجير، الذي تم تنفيذه في 31 مايو، ضربة قوية لثقة الأمة في حكامها وقادتها.
من غير الواضح ما إذا كان قادة المعارضة العرقية، الذين يدعون إلى تنظيم مظاهرات في مختلف أنحاء البلاد بدءاً من يوم الاثنين، سوف ينجحون في الحصول على ما يكفي من الدعم من المحتجين، الذين انتشروا في شوارع كابل في شهر يونيو (حزيران) عقب التفجير الضخم، واندلاع الكثير من أعمال العنف بعده، أم لا.
الجدير بالذكر أن الجماعات قد أقامت معسكرات من خيام في الشوارع الرئيسية، التي طالب المتحدثون بتغيير أماكنها كل ليلة. وقامت قوات الأمن بتفكيك الخيام في 20 يونيو (حزيران)، لكن تعهدت الجماعات المحتجة بالنزول إلى الشوارع مرة أخرى بعد رمضان والعيد، الذي ينتهي خلال الأسبوع الحالي.
ورغم تشابه مطالب الكثير من المحتجين مع المطالب الواردة في بيان القادة العرقيين، كانت نبرة الحركة العفوية، التي تسمى «انتفاضة من أجل التغيير»، مختلفة تماماً. وطالبت الحركة التي تجمع الطلبة، والأكاديميين، والنشطاء الليبراليين، والتنظيمات النسوية، إلى جانب أسر ضحايا التفجير، بالعدالة، والأمن، ونظام حكم أكثر تفاعلا مع الشعب وأكثر استجابة لمطالبه. وكان الصوت الأكثر حزماً وصرامة في الائتلاف الجديد هو صوت نور، الحاكم الثري في الشمال، الذي كان يخوض مفاوضات مع غني مؤخراً من أجل الحصول على نصيب أكبر من السلطة. وخلال انتخابات 2014 التي كان تزويرها واضحاً، وزعم خلالها عبد الله عبد الله وغني فوزهما، هدد نور بإثارة اضطرابات عنيفة في حال إعلان فوز غني. وخلال الأسبوع الماضي، حذر نور، أثناء خطابه أمام جمع غفير في نهاية شهر رمضان في مدينة مزار شريف في الشمال، غني من عدم تلبية مطالب المجموعة قائلا: «سوف نخرج بالآلاف في كابل». وذكرت مصادر أمنية أن المجموعة تخطط لحشد قواها في عدة مناطق بعيدة، والتوجه إلى القصر الرئاسي.
*شارك وليد شريف في إعداد هذا التقرير