قصر إلثام... جوهرة جنوب لندن المخفية

من أشهر غرفه «القاعة الكبرى»

قصر إلثام من الخارج - مدخل القصر - من أروع قصور لندن
قصر إلثام من الخارج - مدخل القصر - من أروع قصور لندن
TT

قصر إلثام... جوهرة جنوب لندن المخفية

قصر إلثام من الخارج - مدخل القصر - من أروع قصور لندن
قصر إلثام من الخارج - مدخل القصر - من أروع قصور لندن

من البديهي أن يهتم السائحون بمنطقة وسط لندن، لما تضمه من متاحف متنوعة، وقاعات عرض للأعمال الفنية، ومتنزهات. مع ذلك يوجد في الضواحي جواهر تحظى بقدر أقل من الشهرة جديرة بالزيارة؛ ويعد قصر إلثام، الذي يقع في جنوب شرقي لندن، واحداً من تلك الجواهر، حيث يمثل كياناً نادراً يجمع بين آثار القصر، الذي يعود إلى القرون الوسطى، وقصر لمليونير يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي.
تعود أصول القصر إلى عام 1480 عندما شيد الملك إدوارد الرابع القصر الأصلي، والذي أخذ الملوك المتعاقبين في توسيع مساحته لاحقاً. وكان يعد قصراً ملكياً مهيباً منذ القرن الرابع عشر حتى القرن السادس عشر حين كان يعيش فيه الملوك، ويقومون برحلات صيد في المتنزهات المحيطة به. كان الملك هنري الثامن، الذي اشتهر بزواجه لست مرات، يقيم في ذلك القصر في صباه. ومن الأجزاء المثيرة للاهتمام «القاعة الكبرى»، وهي بناء كبير له سطح خشبي مبهر، وكانت مخصصة لإقامة ولائم هائلة.
مع ذلك في بداية القرن السابع عشر، ابتعد القصر عن بؤرة الاهتمام، وأصبحت القاعة الكبرى تستخدم كحظيرة. لحسن الحظ تبدلت حظوظ القصر في ثلاثينات القرن العشرين حين تولى رجل صناعة ثري مسؤولية الموقع؛ وبعد قرون من الإهمال، تم تأجير القصر إلى ستيفن وفيرجينيا في عام 1933، حيث كان يبحث الزوجان عن عقار في منطقة ذات طابع ريفي، وقريبة في الوقت ذاته من وسط لندن. لذا كان قصر إلثام هو الخيار المناسب لهما، وقد استأجراه لمدة 99 عاماً من التاج البريطاني. وكلفا مهندسين معماريين اثنين شابين، هما سيلي وباجيت، بتصميم منزل عصري في موقع بعض مباني القرن التاسع عشر، مع الاحتفاظ بالقصر التاريخي قدر الإمكان.
ضمّ المنزل الجديد أفكاراً حديثة متطورة للخدمات، مثل نظام تدفئة تحت الأرض، ونظام صوت، يمكن من خلاله أن تصدح الموسيقى في أنحاء المنزل، ونظاماً للتخلص من الغبار، دون استخدام مكنسة كهربائية. وتم ترميم القاعة الكبرى المذهلة، وتم بناء منزل عصري جذّاب إلى جوارها، وهو مفتوح حالياً للجمهور. كانت النتيجة عملاً رائعاً يجمع بين تصميم القرن العشرين، وطابع القرون الوسطى المبهر الساحر.
من الممكن حالياً زيارة المنزل واستكشافه. وكما هو معتاد بالنسبة إلى زوجين بريطانيين، كان لديهما غرف نوم وحمامات. كان لحمام فيرجينيا جدران من بلاطات ذهبية اللون، التي تبدو قديمة الطراز هذه الأيام. لقد كانا من الرحّالة الرائعين، لذا توجد غرفة في المنزل مخصصة للتخطيط للرحلات التي يقومان بها، ومعلق على جدارها خريطة كبيرة. من الأجزاء الأساسية في المنزل غرفة الاستقبال، التي لها جدران من ألواح خشبية جميلة، وبها سجاجيد أنيقة. تم ترميم القاعة المذهلة، التي تعود للقرون الوسطى، واستخدامها كغرفة كبيرة للحفلات والترفيه عن الضيوف.
عاش الزوجان في المنزل خلال الحرب العالمية الثانية، وتم قصف المنزل بعدة قذائف، وكان من الضروري إخماد النيران به. أصابت عدة قذائف سقف القاعة، التي تعود للقرون الوسطى، مما أدى إلى اشتعال النيران في خشب أرضية القاعة. لحسن الحظ تم إخماد النيران، لكن ظلت آثار الحريق والدمار على بعض الأخشاب. كان الزوجان يلجآن أثناء الغارات الجوية إلى الغرف الموجودة في القبو والتي من الممكن زيارتها الآن.
يبدو أن الزوجان قد سأما القذائف، وانتقلا عام 1944 نحو الشمال إلى أسكوتلندا التي كانت أكثر هدوءاً وأماناً. في عام 1951 قرر الزوجان الانتقال إلى ما أصبحت فيما بعد زيمبابوي، حيث أقاما هناك إلى أن توفي ستيفن عام 1967. واستولى الجيش على المنزل، والأرض المحيطة به واستخدموا المكان كمدرسة للتدريب حتى تسعينات القرن الماضي حين تم تسليم العقار إلى هيئة التراث الإنجليزي المسؤولة عن مجموعة من المباني التاريخية، والتي قامت بترميم المنزل، والمساحة المحيطة به، وفتحته للجمهور.
يبعد القصر عن وسط لندن بنحو 10 أميال، ويقع بالقرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى ميدستون «إيه 20». أقرب محطة قطار للمنزل هي محطة موتينغهام، وهي تبعد عن القصر نحو 10 دقائق سيراً على الأقدام. عادة ما يتم فتح القصر للجمهور من الساعة العاشرة صباحاً حتى السادسة مساء خلال فصل الصيف، ومن العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساء في الخريف، لكن دائماً ما يكون مغلقاً أيام السبت، وخلال أشهر الشتاء لا يكون مفتوحاً إلا أيام الأحد. يوجد مقهى لطيف في الموقع، والحدائق الجذابة تستحق الزيارة. هناك ملعب جيد يناسب الأسر التي لديها أطفال، حيث يمكن لهم تحرير طاقتهم.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».