الرئيس الفرنسي يعرض خطته لإصلاح المؤسسات

ماكرون يعلن رفع حالة الطوارئ في الخريف المقبل

ماكرون يلقي كلمة أمام المشرعين في قصر فرساي أمس (إ.ب.أ)
ماكرون يلقي كلمة أمام المشرعين في قصر فرساي أمس (إ.ب.أ)
TT

الرئيس الفرنسي يعرض خطته لإصلاح المؤسسات

ماكرون يلقي كلمة أمام المشرعين في قصر فرساي أمس (إ.ب.أ)
ماكرون يلقي كلمة أمام المشرعين في قصر فرساي أمس (إ.ب.أ)

للمرة الثانية منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، عاد إيمانويل ماكرون إلى قصر فرساي التاريخي، الذي كان لقرون حتى الثورة الفرنسية مقراً للسلطة الملكية في فرنسا. في المرة الأولى، اختار ماكرون قصر فرساي لاستقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأمس لإلقاء خطاب «تأسيسي» أمام مجلس الشيوخ والنواب مجتمعين، وذلك قبل يوم واحد من خطاب الثقة الذي سيلقيه اليوم رئيس الحكومة إدوار فيليب في الجمعية الوطنية لنيل ثقة مجلس النواب. واعتبر سياسيون ومحللون أن ماكرون «سرق» الأضواء، وحوّل رئيس الحكومة إلى «منفذ بسيط» للسياسة التي يقررها ويرسمها.
وخرجت صحف أمس بعناوين ذهبت كلها في الاتجاه نفسه. فصحيفة «لوموند» المستقلة اعتبرت أن ماكرون «يرسي سلطة بلا منازع»، فيما عنونت صحيفة «لو فيغارو» اليمينية «ماكرون وموعد فرساي». ومن جانبها، شدّدت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية على ما تراه من نزعة أحادية لسلطة ماكرون، الذي وصفته بـ«الملك من غير منازع»، أي صاحب السلطة المطلقة، لكونه سيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن «سلطويته» في التعاطي مع السلطة الرابعة، أي الإعلام.
خطاب من تسعين دقيقة ألقاه الرئيس الشاب أمام 854 عضواً في مجلس النواب والشيوخ، فيما قاطعه نحو خمسين رفضوا «الرضوخ» لمطلبه، معتبرين أن دعوة المجلسين إلى فرساي «لا معنى لها».
وكان أشد المنتقدين جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حركة «فرنسا المتمردة»، الذي رأى في ذلك انتقالاً إلى نظام «الملكية الرئاسية». ودعا النواب الشيوعيون إلى التظاهر في مدخل القصر، فيما دعت حركة ميلونشون إلى التظاهر في باريس. وكان الناطق باسم الحكومة كريستوف كاستانير قد قارن بين خطاب ماكرون وخطاب «حالة الاتحاد» السنوي الذي يلقيه الرئيس الأميركي، مما دفع عدداً من المعلقين إلى الحديث عن «أمركة» النظام الفرنسي، وعن رغبة ماكرون في التشبه بباراك أوباما وجون كينيدي.
بيد أن هذه الانتقادات لا يبدو أنها تؤثر على أداء ماكرون، الذي اتسم خطابه في كثير من الأحيان بالمثالية والبلاغة والتركيز على قيم فرنسا ودورها في أوروبا والعالم. واستفاد الرئيس الجديد منه ليبرز فلسفة عهده، و«التحولات العميقة» التي يريد إدخالها على المجتمع الفرنسي. كما تحدّث في نهاية خطابه عن «الثورة» التي يود أن يكون بطلها، مستعيداً بذلك عنوان كتاب أصدره قبل الحملة الانتخابية. والعلامة الدامغة على كلمة الرئيس الفرنسي رغبته في بث «روح جديدة» في مجتمع يعاني بشكل عام من نزعة تشاؤمية. وذكر ماكرون أن الفرنسيين، من خلال اختياره رئيساً للجمهورية، وتوفير أكثرية مريحة له في البرلمان، إنما «اختاروا بلداً استعاد الأمل والتفاؤل، وهو عازم على السير قدماً».
ووعد ماكرون بالعودة إلى فرساي سنوياً لمراجعة وتقويم ما تحقق وما لم يتحقق، مما يدفع بالنظام الفرنسي نحو التحول إلى أن يكون أكثر رئاسية لأن رئيس الحكومة كان حتى اليوم الجهة التي تحاسبها الندوة البرلمانية، وليس رئيس الجمهورية. وجدير بالذكر أن ماكرون خرج من القاعة بعد انتهاء خطابه ولم يستمع، وفق ما ينص عليه الدستور، لردود رؤساء المجموعات والكتل في المجلسين على خطابه.
ما الذي حمله خطاب ماكرون؟ بالإضافة إلى الحديث عن المبادئ الكبرى التي ستقود عمل العهد الجديد، والتي تشمل الدفاع عن الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأخوة والتضامن وتمكين كل فرد من أن يجد مكانه في المجتمع، وبناء السلام، وإفراد المكان المناسب للقدرات الإبداعية، فقد تضمن الخطاب مجموعة من الإعلانات الهامة. فبينما لا يزال تهديد الإرهاب يخيم على فرنسا، أعلن ماكرون أن حالة الطوارئ المعمول بها منذ 19 شهراً سترفع في الخريف المقبل، وأنه بذلك يريد أن «يعيد للفرنسيين حرياتهم» لأنها «الشرط لوجود ديمقراطية قوية».
ويأتي هذا الإعلان في سياق سعي الحكومة الفرنسية إلى تقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب لتعزيز الإمكانيات المتاحة للقوى الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب. وترى الحكومة أن ما يتضمنه مشروع القانون ضروري للخروج من حالة الطوارئ، بينما تعتبر كثير من منظمات المجتمع المدني أن إقرار مشروع القانون ووضعه موضوع التنفيذ سيجعل فرنسا تعيش عملياً «باستمرار» في ظل قانون الطوارئ. ورد ماكرون على ذلك بأن الإجراءات التي يتضمنها مشروع القانون لا تسيء للحريات، بل إنها «تقويها»، وأن التدابير التي ستعطى للقوى الأمنية ستكون تحت إشراف القضاء.
وخلال حملته الرئاسية، أعلن ماكرون أنه يرغب في خفض عدد النواب والشيوخ. وأمس، كشف عن أنه يريد أن يكون الخفض بنسبة الثلث. وبرر ذلك بالقول إن العدد الأقل سيتيح عملاً أكثر نجاعة. والحقيقة أن ماكرون لم يكن الوحيد الذي يريد تقليص عدد النواب والشيوخ الكبير، الذي يصل إلى 908 أعضاء. ويرغب العهد الجديد في أن تطبق القاعدة الجديدة على الانتخابات المقبلة التي ستجرى النيابية منها بعد 5 سنوات، بينما تجديد نصف أعضاء مجلس الشيوخ بالانتخاب غير المباشر سيحصل في شهر سبتمبر (أيلول).
وفي أي حال، فإن ماكرون أعلن عن ورشة إصلاحية عميقة يريد الانتهاء منها خلال عام واحد، وهو بذلك يختلف جذرياً عن سياسة الرئيس السابق فرنسوا هولاند الذي سعى مثلاً إلى إصلاح قانون العمل في العام الأخير من ولايته. بيد أن طموح ماكرون ليس عددياً فقط، بل يريد كذلك «تبسيط» و«تهوين» العمل التشريعي والإسراع به، منتقداً بطأه وكثرة القوانين التي لا يصل كثير منها إلى مرحلة التنفيذ.
ويرى ماكرون أن مهمة المشرع لا تنتهي مع صدور القانون. لذا، فإنه يقترح العودة إلى بعضها بعد عامين، لتقويمها ورؤية مدى فعاليتها. وفي السياق عينه، لا يستبعد الرئيس الفرنسي الرجوع إلى الشعب، في إطار عملية استفتاء لإقرار بعض القوانين الخاصة بالإصلاحات الدستورية.
وأخيراً، فإن الرئيس الفرنسي عازم على الوفاء بأحد تعهداته؛ الخاص بإدخال جرعة من النسبية في الانتخابات التشريعية، لتحقيق مزيد من العدالة في التمثيل، ومن غير التخلي عن قانون الأكثرية الذي أتاح له أن يحظى بأكثرية مريحة في مجلس النواب الجديد. ووجه الصعوبة تكمن في التوافق بين المكونات الحزبية على هذه النسبة. وبينما تريد الجبهة الوطنية التي ترأسها مارين لوبان تطبيق النسبية الكاملة، فإن الأحزاب المؤهلة تقليدياً لأن تصل إلى السلطة تعارض هذا المبدأ، بحجة ضمان الاستقرار السياسي. لذا، ينتظر أن يثير التعديل المشار إليه كثيراً من الجدل في الأسابيع والأشهر المقبلة.
ويريد ماكرون «دماء جديدة» في الندوة البرلمانية والمجالس الأخرى. ومن هذا المنطلق، وبعد أن منع قانون دخل أخيراً حيز التنفيذ الجمع بين منصب نيابي وآخر تنفيذي في إدارة محلية، فإن ماكرون يريد وضع سقف لعدد الولايات النيابية، حتى لا يستطيع النائب أن يبقى في موقعه لسنوات طويلة، مما يقفل الباب أمام التجديد. ولا شك أن الرئيس الجديد بدأ العمل بهذا المبدأ، عندما رفض أن تضم لائحة مرشحيه نواباً مارسوا النيابة لأكثر من 3 ولايات. كذلك، عمد إلى تفضيل ترشيح الشباب والنساء القادمين من المجتمع المدني على ممتهني السياسة. وفي باب التجديد، يريد ماكرون إلغاء المحكمة المؤهلة وحدها بمحاكمة الوزراء ورئيسهم خلال ممارستهم لمهامهم.
وفي خطابه الطويل، لم يأت ماكرون على ما يريده في السياسة الخارجية. والاستثناء الوحيد تناول دفاعه عن أوروبا، التي «تحمي»، وعن دور فرنسا داخلها. إلا أنه بقي في إطار العموميات. كذلك، فإنه مر سريعاً على دور فرنسا في العالم الذي وصف وضعه الراهن بأنه «خطير»، بما في ذلك البيئة «المباشرة» التي تحيط بفرنسا. كما أعرب ماكرون عن دوره في الدفاع عن مصالح فرنسا، وعن أمن الفرنسيين بمواجهة الإرهاب والتعصب والراديكالية. إلا أنه شدد على الحاجة للمحافظة على «سبل الحوار والسعي إلى السلام»، وأن يكون التدخل العسكري للقوات المسلحة الفرنسية، في حال حصوله، متوازياً مع البحث عن حل سياسي للأزمات.
ويريد ماكرون، من باب الواقعية السياسية، أن يكون لفرنسا حواراً مع الجميع لتلافي قيام «دول فاشلة». وباختصار، يريد ماكرون أن يكون صوت فرنسا «مسموعاً في العالم». وفي موضوع الإرهاب، رأى ماكرون أن الرد عليه لا يكون في الداخل عبر «الحل الأمني» فقط، بل يتعين أن يتوازى ذلك مع خطط اجتماعية وتربوية وثقافية، بحيث يجد الجميع مكانهم داخل المجتمع الفرنسي. وبرأيه، فإن التخلي عن القيم هو بمثابة «انتصار» للإرهاب.



حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.