تنطلق من بوابة معركة رئاسة الجمهورية المقبلة التحالفات السياسية في الانتخابات النيابية اللبنانية شمالا حيث سيكون خلط الأوراق سيّد الموقف بين أبرز الأحزاب المسيحية في هذه المنطقة.
وفي حين يبدو الصراع شرسا بين الحلفاء السابقين «التيار الوطني الحر» و«تيار المردة»، يحمل «حزب القوات اللبنانية» راية الانفتاح مع «خصمه التاريخي» (المردة) من دون أن يقفل الباب أمام حليفه الحالي (الوطني الحر) مع إبقاء المصلحة الحزبية والسياسية فوق كل اعتبار.
من هنا، سيكون «القوات» بيضة القبان التي ستحسم المعركة في الشمال وتحديدا في دائرة «بشري – زغرتا – البترون – الكورة» بين رئيسي «المردة» و«الوطني الحر»، الطامحين للرئاسة، بحيث إن هدف كل منهما كسر الآخر، ليقطع الطريق أمامه إلى قصر بعبدا. مع العلم أن معركة وزير الخارجية جبران باسيل الذي خسر الانتخابات النيابية السابقة في دائرة البترون، لن تكون سهلة خاصة إذا حسم القرار بتحالف «المردة» و«القوات»، وهو الذي لم يخف استياءه من التقارب بين الحزبين الخصمين والذي كان آخره الزيارة التي قام بها وزير الصحة غسان حاصباني إلى دارة فرنجبة يوم أول من أمس، بحسب مصادر متابعة لـ«الشرق الأوسط». لكن في المقابل، لا يرى النائب في «الوطني الحر»، آلان عون، أن التقارب بين «المردة» و«القوات» يستهدف «التيار» الذي يملك الحيثية الكافية لخوض الانتخابات بالتحالف مع قوى أخرى أو منفردا في معظم الدوائر اللبنانية وبينها هذه الدائرة الشمالية.
وفي هذا الإطار، قال مصدر في القوات لـ«الشرق الأوسط» صفحة الماضي مع «المردة طويت» والتقارب يأتي ضمن مسار التعاون بين «القوات» و«المردة» الذي كان بدأ سابقا تقنيا ومناطقيا عبر لجان مشتركة لا سيما في منطقة زغرتا، وتوطّد أكثر من التعاون والانفتاح داخل المؤسسات وضمن الحكومة الواحدة وليس مستبعدا أن تنسحب أيضا على التحالفات الانتخابية إنما الحسم في هذا الأمر يبقى سابقا لأوانه.
تحالف بعد خصومة
مع العلم، أن الخصومة السياسية بين فرنجية و«رئيس القوات» سمير جعجع تنطلق من الحرب الأهلية وتحديدا اتهام «المردة» جعجع بالمشاركة في مجزرة إهدن عام 1978 التي أودت بحياة والد فرنجية ووالدته وشقيقته، رغم أنهما التقيا مرات عدّة كان آخرها في اللقاء التشاوري الذي دعا إليه الرئيس عون قبل أسبوعين.
وبانتظار توضيح صورة خريطة الانتخابات، يمكن القول: إن هناك ثلاثة احتمالات للتحالفات في هذه الدائرة حيث الصراع مفتوح بين باسيل وفرنجية، وهي إما «الوطني الحر مع القوات» أو «القوات مع المردة» أو أن يختار كل حزب أن خوض المعركة منفردا بالتحالف مع قوى وشخصيات سياسية في المنطقة.
وهنا ترى المصادر «القواتية» أن التحالف الانتخابي مع «المردة» ليس مستحيلا، مع تأكيدها على أن رسالة «القوات» في هذه المرحلة هي الانفتاح على الجميع عبر وضع الخلافات جانبا مع الاحتفاظ بالخيارات الاستراتيجية وإعطاء الأولوية للمصلحة العامة بما يتناسب مع أهداف هذا العهد الذي أسقط اصطفافات «قوى 14 و8 آذار».
من جهته، يشير النائب عن تيار المردة، سليم كرم لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك تقاربا إيجابيا مع «القوات» لكن لا يمكن اليوم الحديث عن تحالفات انتخابية، مؤكدا في الوقت عينه، «في السياسة لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة وبالتالي لا يوجد شيء مستحيل في التحالفات الانتخابية».
في المقابل، يرى النائب الآن عون لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المبكر الحديث عن تحالفات انتخابية ونحن لا نزال ندرس هذه الخيارات ولم نبدأ لغاية الآن بالتواصل مع الأحزاب، الحلفاء منهم والخصوم، وبالتالي لا يوجد شيء مستحيل في هذه الدائرة التي لا ينحصر الحضور فيها على الأحزاب الثلاث فقط»، مضيفا: «وبالتالي يمكن أن نلتقي مع حليفنا (القوات) أو حتى مع (المردة) الذي لا ننكر أن العلاقة معه بحاجة إلى ترميم قبل الحديث عن تعاون انتخابي أو مع قوى أخرى كما قد يكون القرار هو خوض المعركة بشكل منفرد».
وفي حين توصف «معركة الشمال» بين فرنجية وباسيل بـ«المعركة الرئاسية» ترى «القوات» نفسها خارج هذه المعادلة بحسب المصادر القواتية، «مع التأكيد على أن هدفها هو تعزيز حضورها داخل السلطة عبر الحصول على أكبر (كتلة قواتية)» في البرلمان حيث تتمثل اليوم بثمانية نواب أربعة منهم في دائرة «بشري – زغرتا - الكورة - البترون»، وهي أبرز المعارك المرتقبة بين الأحزاب المسيحية والتي يشكل فيها الناخبون المسيحيون نسبة نحو 90 في المائة.
ولا تنفي المصادر أن زيارة حاصباني إلى بنشعي كانت «رسالة انتخابية» قابلها «رسالة مماثلة»، مؤكدة أن «القوات» لا تضع أي «فيتو» على أي طرف ومستعدة للانفتاح على الجميع، وتعرف في الوقت عينه حجمها وقوتها الانتخابية التي منعت خلالها من إيقاف التسونامي العوني في الشمال. وتضيف: «في الشمال هدفنا المحافظة على تمثيلنا السياسي وعلى عدد النواب الأربعة وهو الهدف الذي يعمل عليه فرنجية، بثلاثة نواب، في حين أن معركة التيار الوطني الأساسية اليوم تتمثل بوصول باسيل إلى البرلمان إضافة طبعا إلى التمثيل النيابي».
من جهته، وصف حاصباني اللقاء مع فرنجية بـ«الإيجابي»، وقال في حديث إذاعي أمس: «القواعد مشتركة وكذلك المساحة، ما يفتح الطريق لاستعادة الحيوية والدينامية بالعلاقة الدائمة التي مرّت بصعوبات بحسب الظروف التي يمرّ بها لبنان».
وعن التحالفات الانتخابية، أكد أن «اليد ممدودة لكل مَن هو مؤمن بثوابت (القوات) للنهوض بالبلد، ولا أعتقد أن المرحلة الحالية تحتّم أي تموضع في اللوائح».