تباينت التوقعات في روسيا خلال اليومين الماضين بشأن مستقبل الشركات الروسية في سوق الطاقة الأوروبية، وبينما قال مركز الدراسات الاستراتيجية: إن الحصة الروسية في تلك السوق ستتقلص لا محال خلال العقدين المقبلين، أشار خبراء يعملون في سوق الطاقة إلى أن الواقع يدل على العكس تماماً.
وبالنسبة للتعاون الروسي اقتصاديا مع دول الشرق الأوسط، يرى تقرير مركز الدراسات أنه على روسيا التحرر من «العقدة أو الحلقة السورية» سياسيا وعسكريا، وطرح مبادرات على مستوى المنطقة وشمال أفريقيا. ومعروف أن هذا المركز يديره وزير المالية الروسي الأسبق أليكسي كودرين، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس المجلس الاقتصادي لدى الرئاسة، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس المجلس، كلف مركز كودرين ومركزا آخر، بوضع استراتيجيات للتنمية الاقتصادية للسنوات المقبلة؛ بغية وضع استراتيجية شاملة للتنمية على أرضية أفكار يتم اختيارها مما ستقدمه تلك المراكز. ويدعو كودرين إلى إصلاحات سياسية واجتماعية شاملة في سياق رؤيته للتنمية الاقتصادية.
وصدر مؤخراً عن مركز الدراسات الاستراتيجية تقرير، توقع فيه الخبراء تراجع الوجود الروسي في أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي خلال العقدين المقبلين. وأكدوا على حاجة روسيا إلى تنويع اقتصادها، بما في ذلك تنويع أسواق الطاقة والصادرات الوطنية، وشددوا على ضرورة النأي بالنفس عن العمليات السياسية الداخلية في الاتحاد الأوروبي.
ويقول التقرير: إن «تواجد روسيا في أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي سيتراجع خلال العقدين المقبلين، ويرجع ذلك إلى تسييس التعاون في مجال الطاقة، وبحث الاتحاد الأوروبي عن مصادر بديلة، وابتكارات في قطاع الطاقة». ولفت خبراء المركز إلى أن الاتحاد الأوروبي سيبقى، على المدى الطويل، شريكا رئيسيا لروسيا في مجال التجارة والاقتصاد، على الرغم من الخلافات القائمة بين الجانبين حيال عدد من القضايا السياسية.
غير أن بعض المحللين العاملين في سوق الطاقة في روسيا لا يتفقون مع استنتاجات تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية حول مستقبل روسيا في سوق الطاقة الأوروبية. ويقول أليكسي غريفاتش، نائب مدير صندوق الأمن الطاقيّ الوطني: إن توقعات التقرير فاقدة للمبررات، وأكد أن حصة «غاز بروم» الشركة المحتكرة للغاز في روسيا، تتزايد بثقة في السوق الأوروبية، ويضيف: «فضلا عن ذلك، ونظراً لتراجع الإنتاج المحلي والصادرات من بعض الدول، فإن أوروبا بحلول عام 2035 ستحتاج إلى 70 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الروسي على أقل تقدير، ولا تستطيع المصادر الأخرى تغطية تلك الاحتياجات الإضافية».
ومع تأكيده أن «العامل السياسي» قد يعرقل بشكل أو بآخر نشاط «غاز بروم» في السوق الأوروبية، لكنه عبر عن قناعته بأن هذا الكلام «خطاب سياسي قديم»، بمعنى أنه لن يؤثر على وضع الشركة وموقفها في أوروبا، ولفت إلى أن «الواقع يقول إن حصة الغاز الروسي منذ عام 2010 ارتفعت في السوق الأوروبية من 23 حتى 33 في المائة. وهذه دينامية معاكسة لتوقعات مركز الدراسات الاستراتيجية».
وبالنسبة للتعاون الاقتصادي مع منطقة الشرق الأوسط، توقف تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية عند القضايا السياسية التي تؤثر بصورة سلبية على ذلك التعاون. وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى الأزمة السورية، باعتبارها زاوية حققت روسيا فيها إنجازات، لكنها حصرت نفسها في الوقت ذاته في تلك الزاوية، ويقول التقرير إن «روسيا بدخولها في الأزمة السورية، وسّعت بشكل كبير من نفوذها وتواجدها العسكري في المنطقة»، وإذ يؤكد أن «الانتقادات الروسية لتدخل قوى خارجية في العمليات الثورية لدول بعينها في المنطقة مبررة»، فإنه يشدد في الوقت ذاته على ضرورة أن «تخرج عن إطار المسألة السورية».
وعوضا عن ذلك يرى واضعو التقرير، أنه «يستحسن (على روسيا) تقديم مبادرة لتأسيس نظام أمني إقليمي عام. وهذه المبادرة يجب أن تكون معدة مسبقا على مستوى الخبراء ومتفق عليها مع شركاء روسيا الرئيسيين في المنطقة»، والخطوة الأولى لتنفيذ هذه المبادرة، يمكن أن تكون عبر «تنظيم مؤتمر دولي عالي المستوى حول نظام الأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
ويخلص التقرير إلى أن «المهمة الاستراتيجية يجب أن تكون في إنشاء مؤسسات إقليمية فاعلة يكمن هدفها الرئيسي في الحفاظ على السلام وحل النزاعات ومكافحة الإسلام المتطرف»، ويشدد أن «السلام في المنطقة هو الشرط الأساسي لنهضتها الاقتصادية»، وفي هذا الإطار، يدعو التقرير روسيا إلى «المساهمة بنشاط في إنهاء الحرب الأهلية في سوريا»، لكن «عبر اجتذاب الدول الإقليمية وغير الإقليمية للمشاركة البناءة في هذه العملية».
وفي التقرير ذاته الذي يتناول بشكل عام السياسة الخارجية الروسية وموقف روسيا دوليا لسنوات 2017 – 2024، يقول الخبراء من مركز الدراسات الاستراتيجية: إن الاقتصاد الروسي أضاع الكثير من الفرص نتيجة المواجهة مع الغرب، ويعربون عن قناعتهم بأن «المواجهة بين روسيا والغرب تساهم في تعزيز تهميش روسيا في المؤسسات والمشاريع الدولية، وهذا أمر محفوف بأوجه قصور خطيرة في المنفعة الاقتصادية»، ذلك أن روسيا في خضم تلك المواجهة مضطرة «لتشتيت قواها على منافسة عسكرية وسياسية زائدة عن حدها، مبتعدة بذلك عن مهام التحديث وتطوير البلاد».
وعليه، يرى التقرير أنه لا بد لروسيا من حوار مع الجانب الأميركي حول قضايا الاستقرار الاستراتيجي، ونزع التناقضات والخلاف حول الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، ويحذر التقرير من أن «المسار البديل هو سباق خطير في مجال التسلح الاستراتيجي».
تقرير استراتيجي: مستقبل روسيا الاقتصادي رهن سياساتها الخارجية
حذر من تراجع حصتها في سوق الطاقة الأوروبية
تقرير استراتيجي: مستقبل روسيا الاقتصادي رهن سياساتها الخارجية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة