آخر المسيحيين في الجولان السوري المحتل

في يونيو 1967 كانت نسبتهم 12 % من السكان

مسيحيون يحضرون قداس الأحد في كنيسة مارونية في قرية عين قينيا الدرزية في الجولان المحتل (أ.ف.ب)
مسيحيون يحضرون قداس الأحد في كنيسة مارونية في قرية عين قينيا الدرزية في الجولان المحتل (أ.ف.ب)
TT

آخر المسيحيين في الجولان السوري المحتل

مسيحيون يحضرون قداس الأحد في كنيسة مارونية في قرية عين قينيا الدرزية في الجولان المحتل (أ.ف.ب)
مسيحيون يحضرون قداس الأحد في كنيسة مارونية في قرية عين قينيا الدرزية في الجولان المحتل (أ.ف.ب)

تفتح كنيسة عين قينيا المارونية الصغيرة أبوابها في الجولان المحتل من إسرائيل منذ خمسين عاما أبوابها في المناسبات. ففي هذه القرية، بات الوجود المسيحي يقتصر على أفراد معدودين. الحروب الأهلية والطائفية والظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها كثير من دول الشرق الأوسط أدت إلى هجرات جماعية، وطالت بالأخص الأقلية المسيحية في الشرق الأوسط، التي ذكرت تقارير عدة أن أعدادهم في تناقص مستمر. وهذا ما بينه تحقيق للوكالة الفرنسية من الجولان السوري المحتل. كانت نسبة المسيحيين في الجولان 12 في المائة من السكان الذين وصل عددهم حتى يونيو (حزيران) 1967 إلى 150 ألف نسمة، بحسب الباحث سلمان فخر الدين. ويبلغ عدد سكان الجولان المحتل حاليا 22 ألف درزي، إلى جانب 25 ألف مستوطن إسرائيلي وصلوا بعد حرب 1967.
وبمناسبة انعقاد الاتحاد العالمي للكنائس الإصلاحية أدان الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير العنف ضد المسيحيين في الشرق الأوسط، وقال شتاينماير أمس الجمعة في قداس في كنيسة «نيكولايكيرشه» بمدينة لايبتسيغ الألمانية: «حرية العقيدة حق من حقوق الإنسان غير قابل للمساومة». وذكر شتاينماير أن الاضطهاد يعاني منه أفراد من عقائد كثيرة، «لكنه يصيب مجددا بقسوة مسيحيين في الشرق الأوسط والأدنى»، مضيفاً أنه يتعين تسمية العنف بوضوح بأنه ظلم، حتى لو كان لفت الانتباه وحده غير قادر على وقف الظلم.
ويجتمع الاتحاد العالمي للكنائس الإصلاحية حتى السابع من يوليو (تموز) المقبل في لايبتسيغ بمناسبة انعقاد الجمعية العمومية السادسة والعشرين للاتحاد، وينتمي إلى الاتحاد 80 مليون مسيحي إصلاحي - بروتستانتي من 225 كنيسة في 105 دول، منها دول شرق أوسطية.
كما علّق قاض أميركي قبل أيام كل عمليات ترحيل المهاجرين العراقيين غير القانونيين من الولايات المتحدة، قائلا إنهم يواجهون خطر التعرض للتعذيب أو القتل إذا عادوا إلى بلادهم. وبهذا القرار مدد القاضي الفيدرالي مارك غولدسميث نطاقَ تطبيق قرارٍ سابق شمل بصورة رئيسية عراقيين من المسيحيين الكلدانيين اعتقلوا في منتصف يونيو خلال حملة مداهمات نفذتها شرطة الهجرة في ميتشيغان (شمال).
في الأحد الذي زارت فيه وكالة الصحافة الفرنسية القرية السورية المحتلة، استقبلت الكنيسة مصلين قدموا من مدينة الناصرة في شمال إسرائيل. وتقع الكنيسة في زقاق صغير وتطل على سهول الحولة وبحيرة طبريا وتتسع لنحو مائة شخص.
وتشرف عائلة أديب عساف (57 عاما) التي تعيش في القرية إلى جانب نحو 1800 درزي في عين قينيا، على الكنيسة التي لا تفتح إلا عندما يزورها مسيحيون من الناصرة أو حيفا أو بلدات عربية أخرى في إسرائيل.
ويقول أديب عساف الذي تتكون عائلته من 12 شخصا لوكالة الصحافة الفرنسية «كان عدد المسيحيين في عين قينيا حتى عام 1967 نحو 600 نسمة والدروز 300 نسمة». ويوضح: «عند نشوب الحرب (حزيران 1967)، توجه مسيحيو البلدة وبعض العائلات الدرزية إلى مزارع شبعا في لبنان للاحتماء، بينما ذهب والدي وعمي مع عائلات درزية إلى بلدة مجدل شمس التي احتلت أيضاً. سمحت إسرائيل لهم بالعودة من مجدل شمس مع من تبقى من الدروز، بينما لم تسمح بعودة الذين توجهوا إلى لبنان أو الوطن الأم سوريا». ويشير إلى أن معظم أفراد عائلته الكبرى موجودون في سوريا، فيما فارق والده وعمه وجده الذين بقوا في عين قينيا الحياة. على أبنية عدة في القرية، يرفرف علم الدروز بألوانه الأخضر والأحمر والأزرق والأصفر والأبيض. في ساحة الكنيسة، تقول ثريا سمعان (72 عاما) بعد أن أنهت صلاتها: «جئنا من الناصرة لنصلي في عين قينيا لدعم الوجود المسيحي»، مشيرة إلى أنها تنتمي إلى جمعية «السبيل» التي تقوم بزيارة القرى الفلسطينية المهجرة وكنائسها في محاولة «للحد من هجرة المسيحيين من البلاد». وتتابع: «أولادنا يتعلمون خارج البلاد ويتزوجون هناك ولا يعودون.. إسرائيل تصعب عليهم ظروف الحياة هنا». وفي المنطقة كنيسة أخرى كبيرة تحتاج إلى ترميم، لكنها مغلقة لعدم وجود مصلين. واحتلت إسرائيل الجولان السوري في التاسع والعاشر من يونيو 1967.
في بلدة مجدل شمس الواقعة على جبل الشيخ، يقول إبراهيم نصر الله (80 عاما)، وهو مسيحي أرثوذوكسي، للصحافة الفرنسية: «نحن العائلة المسيحية الوحيدة في مجدل شمس، وهي مؤلفة من خمسة أشخاص. لي ابنتان تعيشان في سوريا ومعظم أفراد عائلتي هناك». لكنه يستذكر بحسرة: «أياما كنا نخجل فيها أن نقول هذا مسيحي أو مسلم أو درزي، فنحن عرب أولا وسوريون ثانيا ومسيحيون ثالثا».
ويروي إبراهيم نصر الله قصة الوجود المسيحي في مجدل شمس قائلاً: «قبل عام 1967، ترك المسيحيون مجدل شمس للعمل في مدينة القنيطرة التي كانت مزدهرة. المتعلمون منهم ذهبوا للعمل في دمشق. أنا نفسي عملت مدرسا في مدارس السويداء، وعدت لأعمل مديرا في مجدل شمس». ويضيف: «أنا مثل السمك لا أستطيع أن أترك المجدل. لو أتركها أموت». ويتابع نصر الله أنه بقي في البلدة مع عائلته «وعدد من المسنين والمسنات المسيحيين الذين توفاهم الله».
الكنيسة في مجدل شمس مغلقة. ويقول نصر الله: «عندما توفي والدي، جاء الكاهن إلى بيتنا وأقام الجناز». في عام 1984، «سمحت لنا إسرائيل بفتح كنيسة بانياس ليوم واحد لتعميد ابننا إلياس». ويحيط شجر الصنوبر بمقبرة مجدل شمس المسورة. ويتشارك الدروز والمسيحيون المدخل نفسه، وتفصل بين المقبرتين مساحة أرض خالية. وكذلك الأمر في مقبرة عين قينيا.
ويقول إلياس الذي يقيم في ألمانيا: «جئت في زيارة، أريد العيش هناك، هذه البلاد تخنق. عملت عشر سنوات في حيفا. لا يوجد لنا كعرب مستقبل فيها».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».