قصة الهاربين من جحيم «بوكو حرام»

في أغلب الأحيان فصلوا الأطفال عن آبائهم... واليوم باتوا يعيشون في مخيم للمشردين

قصة الهاربين من جحيم «بوكو حرام»
TT

قصة الهاربين من جحيم «بوكو حرام»

قصة الهاربين من جحيم «بوكو حرام»

وصل الجنود إلى القرية واقتحموا أكواخها الطينية التي يفترش أرضها مجموعات من اللاجئين النيجيريين.
عاش اللاجئون حالة فرار دائم من جماعة «بوكو حرام» المتطرفة، وفي المرة الأخيرة تمكنوا من الفرار عبر مجرى أحد الأنهار الجافة الذي يمثل الحد الفاصل بين بلادهم والكاميرون. واستقر اللاجئون في قرية ماجينا، حيث عملوا في زراعة الفاصوليا ونبات «الدخن». وصف اللاجئون المكان بأنه «آمن»، لكن في شهر مارس (آذار) الماضي، وصل الجنود الكاميرونيون إلى المنطقة.
أخذ الجنود في الإمساك باللاجئين بصورة عشوائية، ودفعوا بهم إلى شاحنات عسكرية، وفي أغلب الأحيان فصلوا الأطفال عن آبائهم، بحسب شهود العيان. أدرك اللاجئون عندئذ أنهم عائدون إلى أخطر المناطق في نيجيريا. واليوم باتوا يعيشون في مخيم للمشردين ببلدة بانكي التي شهدت إحد أكبر المجاعات التي ضربت العالم.
وفي السياق ذاته، قال مسؤولون بالأمم المتحدة: إن المنظمة الدولية ستتذكر دوما ما حدث للاجئين في تلك الليلة، وما سيلاقونه في الأيام المقبلة نتيجة لتلك «العودة القسرية». فعلى مدار الشهور القليلة الماضية، تعرض نحو 5000 لاجئ نيجيري للمطاردة والاعتقال في القرى الكاميرونية وفي معسكرات اللاجئين، وطردوا إلى منطقة كثيرا ما تعرضت إلى هجمات المتمردين. ويقدر بعض مسؤولي الإغاثة أن العدد الحقيقي للاجئين الذين أجبروا على العودة إلى بلادهم في هذه الظروف منذ عام 2013 بنحو 10.000 لاجئ، في حين نفت السلطات الكاميرونية أن تكون قد أقدمت على اتخاذ مثل هذا الإجراء.
ويقدر عدد اللاجئين بمختلف أنحاء العالم بنحو 20 مليون لاجئ، يواجه أغلبهم اعتداءات متواصلة ومعاملة سيئة من الدول المضيفة وحماية متراجعة من المنظمات الإنسانية الدولية التي أنشأت منذ عقود عدة بهدف حماية من يعانون مثل هذه الأوضاع. ويعتبر الترحيل القسري الذي تعرض له هؤلاء اللاجئون في الكاميرون من أشد الإجراءات، وأكثرها قسوة في التعامل مع الباحثين عن مأوى.
غير أن هناك الكثير من الدول التي تتخذ إجراءات أقل حدة، لكنها تمثل مصدر قلق للمعنيين بحقوق اللاجئين. فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، أجبرت باكستان مئات الآلاف من لاجئي الحرب الأفغان على العودة إلى بلادهم على الرغم من الفقر المدقع والعنف الذي تمارسه الجماعات المتطرفة في بلادهم. وفي كينيا، أصدرت المحكمة قرارا يمنع الحكومة من ترحيل نحو 200.000 لاجئ يقيمون بمعسكر داداب الذي يضم أعدادا كبيرة من اللاجئين، أغلبهم صوماليون، إلى بلادهم التي مزقتها الحرب والمجاعة، في حين تقول جماعات حقوق الإنسان إن الكثيرين من اللاجئين يجري ترحيلهم قسرا رغم قرار المحكمة. وفي تركيا، اتهمت جماعات حقوق الإنسان الحكومة بترحيل آلاف السوريين، وهو ما نفته الحكومة.
وبحسب منظمات حقوق الإنسان، فإن اتفاقية حماية اللاجئين التي وقعتها 145 دولة عام 1951، من بينها الكاميرون، تحظر إعادة لاجئ الحرب أو المضطهدين إلى بلادهم إذا كانوا سيواجهون فيها تهديدات خطيرة، لكن تلك الاتفاقية لم تفعّل في أغلب الأحوال. وأوضح غيري سيمبسون، خبير الهجرة بمنظمة هيومان رايتس وتش، أن «الكثير من الدول الفقيرة التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين لسنوات طويلة، مثل كينيا وباكستان وتركيا، أقدمت مؤخرا على إعادة مئات الآلاف من اللاجئين والباحثين عن اللجوء السياسي إلى بلادهم»، مضيفا: «يبدو أنهم يحذون حذو الدول الغنية مثل أستراليا، ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي عملت مؤخرا على وضع العراقيل للحد من تدفق المزيد من اللاجئين».
من جانبه، تسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين للوصول إلى اتفاق مع الدول التي تعيد اللاجئين إلى بلادهم لضمان عودتهم الطوعية، غير أن تحرك المفوضية لإنقاذ اللاجئين النيجيريين في الكاميرون جاء متأخرا.
وتبدو جمعيات الإغاثة حائرة من الأسباب التي دفعت هذه الدول لاتخاذ مثل هذا الإجراء القسري. وأفاد بعض مسؤولو الأمم المتحدة بأن اللاجئين جرى ترحيلهم قبل عملية عسكرية كبيرة مرتقبة، فيما قالت جمعيات إغاثة أخرى أن الكاميرون، التي تعد أحد أفقر دول العالم، فاض بها الكيل من استضافة النيجيريين، زاد العدد على 3300.000 لاجئ هارب من الحروب في جمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا.
من جانبها، رفضت الحكومة الكامرونية تصريحات المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين بشأن العودة القسرية، حيث صرح ريتشارد إيتوندي، مدير وحدة البروتوكول بوزارة العلاقات الخارجية الكاميرونية في مقابلة عبر الهاتف، قائلا: «أؤكد لكم أنه لم يحدث ترحيل قسري للاجئين».
بالإضافة إلى الآلاف الذين جرى ترحيلهم قسرا من الكاميرون، تمكنت السلطات الكاميرونية من إقناع أعداد كبيرة من اللاجئين بالعودة بعد أن أوهمتهم بتحسن الأوضاع في بلادهم، وهو ما اتضح زيفه لاحقا، حسب شهادات بعض العائدين الذين لم يجدوا مأوى بعد عودتهم وفوجئوا بالزحام الشديد ونقص الطعام والماء.
والشهر الحالي، عبّر مدير المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين، فيليبو غراندي، عن «قلقه الشديد» من طوفان اللاجئين النيجيريين العائدين من الكاميرون والذي سيتسبب في «وضع خطير بسبب نقص الاستعدادات لاستقبالهم».
كان سلوك الجيش الكاميروني في ترحيل اللاجئين النيجيريين فظا بدرجة كبيرة، حيث قاموا بإزاحة مجموعة كبيرة من النساء والأطفال في غارة واحدة شنتها وحداته على قرية كورونا؛ مما أجبرهم على النوم على الأرض بمبنى غير مكتمل بشارع مدمر ببلدة بانكي النيجيرية.
فر أبا غوني (76 عاما) من بلدته منذ نحو ثلاث سنوات على دراجته الهوائية، وأخذ يتنقل بها فوق الرمال من بلدة إلى أخرى. وولد غوني ببلدة بانكي التي يبلغ تعداد سكانها نحو 150.000 نسمة، والتي تحيطها مساحات من الأرض الخصبة التي تبعد نحو كيلومتر واحد من الحدود الكاميرونية. وفي سبتمبر (أيلول) 2014. هاجمت جماعة «بوكو حرام» المتمردة القرية مستخدمة شاحنات ضخمة ودراجات نارية وأخذت تطلق النار عشوائيا وتضرم النار في المباني. عندئذ قرر غوني الفرار من القرية في جنح الليل، وتبعه زوجتاه وأطفاله التسعة. عاشت الأسرة في الأسابيع الأولى في العراء، وأخذت تقتات على الفاكهة التي يجدونها على الأشجار، وكلما شعر غوني باقتراب «بوكو حرام»، كان يهرب تجاه الكاميرون مستخدما دراجته.
اعتاد غوني منذ كان طفلا صغيرا أن يتنقل بين الكاميرون ونيجيريا من دون وثائق، وهو ما باتت «بوكو حرام» تفعله لاحقا، ويدرك غوني أنه كلما اقترب من الحدود الكاميرونية زادت فرص الأمان أمامه وأمام عائلته. وفي عام 2015، وصل غوني وعائلته إلى مدينة ماجينا، حيث سمح له أهل البلدة بزراعة قطعة صغيرة من الأرض، ومنذ ذلك الحين راقت له الحياة هناك. لكن الحكومة الكاميرونية استصعبت توفير سبل الحياة لكل تلك الأعداد من اللاجئين، وبخاصة بعد أن اشتكى سكان شمال الكاميرون من نقص الغذاء، وعزوا ذلك إلى تدفق اللاجئين النيجيريين.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.