بعد ثلاثيته: «قيامة الدم السوري» (2012)، و«أزهار القيامة» (2013)، و«كتاب النشور» (2014)، التي كتبها مع بداية الثورة السورية، وكان بذلك أحد أوائل الشعراء السوريين الذين وقفوا إلى جانب الثورة، ونشروا نتاجاتهم في مجموعات مطبوعة، يصدر الشاعر السوري فواز قادري، ابن مدينة دير الزور، مجموعته الرابعة منذ بداية الثورة السورية «مزامير العشق والثورة»، التي صدرت أخيراً عن دار «ألف ليلة وليلة»، بغلاف أنيق من تصميم الفنان عبد النبي فرج.
على امتداد نحو مائة وأربع وخمسين صفحة من القطع المتوسط، تأتي مجموعة قادري، وهي العاشرة (ترتيباً) ضمن سلسلة إصداراته، كأحد شعراء الثمانينات السوريين الذين التزموا برؤية إنسانية تجاه محيطهم في كل ما كتبه، على الرغم من ارتفاع أصوات الكثيرين من مجايليه، الذين طالما راحوا يدعون إلى لا وظيفية الفن، بينما انصرف هو في إنجاز ذلك النص الجديد الذي يحقق ثنائية الإبداع والالتصاق بالناس البسطاء العاديين.
لم يكترث الشاعر قادري بـ«السطوات» التي تهيمن على المشهد الإبداعي العام على امتداد عقود، وظل يكتب على طريقته مذكراً هنا بشعراء أعلام عالميين ومحليين، ممن كتبوا منطلقين من رؤى محددة، من دون إدارة الظهر لقضايا وظروف عصر كل منهم.
من هنا، يمكننا فهم سرعة استجابة قصيدة قادري لمتطلبات اللحظة، وهو أحد أوائل من كتبوا مثل هذه القصيدة/ الموقف، إذ أحدثت قصيدته «قصيدة غير طارئة إلى جنرال طارئ»، التي كتبها بعيد مسرحية التوريث لكرسي الرئاسة في بلده، دوياً كبيراً لأنه راح يستشرف الآفاق عبر رؤيته الشعرية، وكأنه كان يرصد هذه اللحظة المحرجة التي يمر بها إنسانه، فاستشاط غضباً، وراح يصرخ مستنكراً ما يحدث بأعلى صوته، وبما لا يخرج عن مفردات نصه التي زاوجت بين معجم الرومانسية والثورة، على طريقته الخاصة:
إلى الصديقات.. الأصدقاء.. الإنسان بنسخته الجديدة
الأجنة.. الفضاءات حتى تستكمل الحرية أجمل السبل
حليب الصدور.. المطر والطوفان
التراب.. الجذور.. الربيع بصورته الأخيرة
قلوب لم تترك مذاهب العشق.. القلوب التي نزفت طويلاً
إلى ملايين الأرواح في الحرائق.. الأنهار.. الفرات وإخوته
الطيور التي بلا أعشاش.. قطط وكلاب بلا وطن
سوريا البث المباشر!
اللعنة أيها العالم.. اللعنة.
لتتوالى بعد ذلك «مزاميره»: مزمور البدايات والتكوين - مزمور المعرفة - مزمور الأنوثة – مزمور عشق شعبي - مزمور مضيء يحرض قنديلاً طائشاً على الهذيان - مزمور مقاصل الورد - مزمور ثورة الهوامش - مزمور مقاصل البارود - مزامير الفرات الجارحة – مزمور عابر - مزمور الحرية الشاسع والأخير. هذه المزامير، وإن كان أكثرها يتخذ عنواناً مفصلاً في جسد المجموعة، فإنها - في النهاية - تشكل مفاصل نص طويل واحد عن الوطن، والدم، والحب، والفرات الجريح، ونشدان الحرية:
شمسك فاجأتني هذا الصباح:
مريضة هي اليوم
تنامين ويحرسك قلبي طوال الهذيان
انتظر المساء أي مساء
وحين يأتي وأنت لست فيه
دونك ماذا أفعل بالمساء؟
انتظر الصباح كل صباح
حين لا أسمع صوتك ولا أشم رائحة قهوتك
ماذا أفعل بالصباح؟
إنه لا يتلكأ في رسم صورته، أو لوحته، عبر استخدام تلك المفردات اليومية - حتى المتآكلة منها - التي تزيل مكياجاتها، ورتوشاتها، وأناقتها، لتكون لائقة بألم اللحظة التي يعيشها هو وذووه، بعد أن ضاق بهم مكانهم، وباتوا على قائمة أكثر المهجرين إلى خرائط الآخرين، ليكون نهر الفرات صورة روحه الكليمة. صورة مكانه، وصورة صديقه/ التوأم بشير العاني، الذي ذبح ونجله على أيدي إرهابيي «داعش»، وهو يفر من مدينته دير الزور:
مزمور يبحث عن أغانيك يا بشير
ينتظرك الكثير يا صديقي
لن يفرغ قلبي من الانتظار
يقول الفرات
فلا تقرعه بيد غيابك الدامية
أترك قلبي عادة مفتوحاً للأحباب والغرباء
لا تقرع الباب أشرب وردتك إلى الفرات
هناك يجتمع شجر كثير بانتظارك (ص108 - 109)
وإذا كان قادري أحد الشعراء أصحاب الموقف الذين كتبوا ضمن هذا الفضاء في زمن الرعب، فإنه يواصل عبر مجموعته الجديدة طريقه التي اختارها بنفسه، وكأن ما كتبه من قبل مجرد مقدمات لنص كان يدرك كنهه، من خلال نبوءة الشاعر، انطلاقاً من قراءته الصائبة للحظة والمستقبل على ضوء الماضي ذاته، وهو بهذا يعتبر من أكثر المخلصين ليس لتقنية قصيدة محددة فحسب، وإنما لرؤية حياتية لا تضحي بالمفهوم الجمالي، والتقنية الفنية للقصيدة.
استجابة القصيدة لمتطلبات اللحظة
فواز قادري أحد أكثر الشعراء الذين كتبوا عن الثورة السورية
استجابة القصيدة لمتطلبات اللحظة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة