القوات العراقية تحرر مئات المدنيين في معارك الموصل القديمة

قلق أممي من ارتفاع عدد القتلى في صفوفهم

القوات العراقية تجلي بعرباتها مدنيين هاربين من معارك الموصل القديمة إلى مكان آمن أمس (رويترز)
القوات العراقية تجلي بعرباتها مدنيين هاربين من معارك الموصل القديمة إلى مكان آمن أمس (رويترز)
TT

القوات العراقية تحرر مئات المدنيين في معارك الموصل القديمة

القوات العراقية تجلي بعرباتها مدنيين هاربين من معارك الموصل القديمة إلى مكان آمن أمس (رويترز)
القوات العراقية تجلي بعرباتها مدنيين هاربين من معارك الموصل القديمة إلى مكان آمن أمس (رويترز)

فتحت القوات العراقية، أمس، ممرات لخروج مئات المدنيين لتمكينهم من الفرار من المدينة القديمة في الموصل، فيما تواصلت المعارك لاستعادة الحي التاريخي من أيدي متشددي تنظيم داعش الذين يقاومون في مواجهة أخيرة دفاعاً عن معقلهم الرئيسي الأخير في العراق.
وتوجه قوات عراقية دربتها الولايات المتحدة على حرب المدن هجومها إلى شارعين متقاطعين في قلب المدينة القديمة بهدف عزل المتشددين في 4 جيوب.
وعبرت الأمم المتحدة أمس عن قلقها من ارتفاع عدد القتلى المدنيين في المدينة القديمة المكتظة بالسكان، وقالت إن ما يصل إلى 12 مدنياً قتلوا، فيما أصيب المئات أول من أمس. وقالت ليز جراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق في بيان: «القتال شرس جداً في المدينة القديمة، والمدنيون يتعرضون لخطر شديد ويصعب تخيله. هناك تقارير عن أن آلافاً وربما عشرات الآلاف من الناس محتجزون دروعاً بشرية» لدى «داعش». ونقلت عنها وكالة «رويترز» أن «مئات المدنيين بينهم أطفال يتعرضون لإطلاق النار».
وتتطلع السلطات العراقية إلى إعلان النصر على «داعش» في الموصل في عطلة عيد الفطر. وذكر مراسل لوكالة «رويترز» من موقع قريب من جبهة القتال الأمامية أن طائرات هليكوبتر تقدم الدعم للهجوم البري بقصف تحصينات المتشددين في المدينة القديمة.
ويفتح تقدم القوات الحكومية ممرات للهروب للمدنيين المحاصرين في مناطق خاضعة لسيطرة «داعش». وخرجت أسر بأعداد قليلة ولكن متواصلة أمس يحمل بعضهم أطفالاً مصابين أو يعانون من سوء التغذية. وقالت إحدى الأمهات: «طفلي لم يتناول إلا الخبز والماء على مدى الأيام الثمانية الماضية». ووصل 100 مدني على الأقل إلى منطقة آمنة تسيطر عليها القوات الحكومية غرب المدينة القديمة خلال 20 دقيقة، وقد بدا عليهم التعب والجوع والخوف. ووزع عليهم جنود الماء والطعام.
ولا يزال أكثر من 100 ألف مدني يعتقد أن نصفهم من الأطفال محاصرون في بيوت عتيقة في المدينة القديمة في ظل نقص في إمدادات الغذاء والماء والرعاية الطبية.
وتقود وحدات دربتها الولايات المتحدة على حرب المدن القتال في متاهات الشوارع الضيقة بالمدينة القديمة متنقلين من منزل إلى منزل في مواقع أضيق من أن تسمح باستخدام عربات مدرعة. وتقول منظمات إغاثة والسلطات العراقية إن «داعش» يحاول منع المدنيين من المغادرة لاستخدامهم دروعاً بشرية. وقتل مئات المدنيين لدى محاولتهم الفرار من المدينة القديمة على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية.
إلى ذلك، قال محللون عسكريون إن حملة بغداد لاستعادة السيطرة على الموصل اكتسبت زخماً بعد تفجير «داعش» الأربعاء لمسجد النوري الكبير الذي يعود تاريخ بنائه إلى 850 عاماً مضت بمنارته الحدباء الشهيرة. ومنح تدمير المسجد للقوات حرية أكبر في شن هجومهم، إذ إنهم لم يعودوا قلقين من الأضرار التي قد تلحق بالموقع الأثري على الرغم من إدانات من السلطات العراقية ومن الأمم المتحدة لارتكاب المتشددين جريمة جديدة ضد التراث الثقافي.
وشن «داعش» الليلة قبل الماضية هجمات انتحارية في عدد من أحياء الموصل مخلفاً 27 قتيلاً وجريحاً من المدنيين وعناصر الشرطة المحلية في المدينة. واستهدف هجومان سوق حي المثنى في الجانب الأيسر، أما الثالث فاستهدف حي سومر في الجانب ذاته، وتصدت قوة حماية سوق المثنى لانتحاريي «داعش»، واشتبكت معهما وقتلت أحدهما، لكن الحزام الناسف الذي كان يرتديه انفجر وأسفر عن مقتل منتسبين اثنين من الشرطة، بينما بادر شرطي كردي يعمل ضمن صفوف الشرطة المحلية في الموصل إلى احتضان الانتحاري الثاني وإبعاده لمنعه من التفجير على المواطنين، ففجر الانتحاري نفسه، مما أدى إلى مقتل الشرطي الذي احتضنه.
في غضون ذلك، واصلت القوات العراقية خوض معارك استعادة السيطرة على المربع الأخير من مدينة الموصل، وبين قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت، لـ«الشرق الأوسط»: «قطعاتنا تتقدم بسرعة للقضاء على جيوب (داعش) فيما تبقى من مساحة المدينة القديمة»، لافتاً إلى أن قواته تتقدم من 3 اتجاهات نحو شارع الفاروق.
وبحسب معلومات قيادة الشرطة الاتحادية، خسر التنظيم حتى الآن نحو 60 في المائة من قدراته الدفاعية ومقراته الاستراتيجية، بينما سيطرت كتيبة القناصين التابعة للاتحادية على الأزقة والمفترقات في باب البيض.
وقصفت الطائرات المسيرة (الدرون) التابعة للشرطة الاتحادية رتلاً لمسلحي «داعش» أثناء محاولته الهروب من حي باب جديد باتجاه سوق السرجخانة، وأسفر القصف عن مقتل وإصابة العشرات من مسلحي التنظيم.
إلى ذلك، توفيت الصحافية فيرونيك روبير التي أصيبت الاثنين بانفجار لغم في الموصل شمال العراق، حيث كانت في مهمة صحافية لحساب مجلة للتلفزيون الفرنسي، متأثرة بجروحها، وفق ما أعلنت شركة «فرانس تلفزيون» الحكومية أمس. وبعدما أجريت لها عمليات جراحية في بغداد، نقلت الصحافية ليل الخميس الجمعة إلى مستشفى بيرسي العسكري القريب من باريس، حسبما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
وقتل الصحافيان الفرنسي ستيفان فيلنوف والعراقي بختيار حداد في الانفجار. وذكرت المجموعة السمعية البصرية في بيان: «ببالغ الأسى تبلغت إدارة الإعلام في فرانس تلفزيون لتوها وفاة الصحافية فيرونيك روبير». وكانت هذه المراسلة الكبيرة (54 عاماً) تقوم بتحقيق في العراق لبرنامج «موفد خاص». وأعدت تحقيقاتها الأخيرة عن العراق لحساب مجلة «باري ماتش».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.