فاكهة الأترج من أنواع الفاكهة الغريبة والنادرة؛ إذ يصعب العثور عليها هذه الأيام في الأسواق العادية رغم أهميتها الغذائية والصحية والجمالية التزيينية وتاريخها الحافل منذ قديم الزمان. وأصبحت من فاكهة الماضي واحتل مكانها أخواتها من الحامض والبرتقال، رغم أنها كانت من موائد الملوك والأمراء. ولا عجب؛ إذ إن الناس لا يمكنهم طبخ الأترج أو الاستفادة منه إلا مربى ودواءً تقليديا لمعالجة الكثير من الأمراض.
الأترج من مجموعة الحمضيات التي تنتمي إلى الفصيلة السذابية. وهناك جدل دائم حول أصوله بشكل عام، فالبعض يقول: إن موطنه الأصلي يعود إلى جنوب شرقي آسيا، حيث يوجد بكثرة نبتة برية، وقد انتقل من هناك إلى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط التي أصبحت موطنه الثاني. ويقال أيضا إن موطن الأترج هو الهند، وبالتحديد على حدودها مع بورما في وديان جبال الهملايا. ويقال أيضا إن الأترج كان متوفرا في الخليج العربي أيام خليفة أرسطو طاليس ومصنف النباتات الأول ثاوفرسطوس القرن الرابع قبل الميلاد، ومن هناك انتشر في بلاد المتوسط.
وهناك نظرية أخرى تقول: إن ألكسندر المقدوني وجيوشه هو المسؤول عن انتشار الفاكهة المميزة نحو الغرب، حيث جلبها معه بعد غزوه باكستان التي كانت جزءا من بلاد فارس أيامه. وعلى ذلك يكون الأترج من باكستان قبل أن يصل إلى المتوسط وأوروبا، وبالتحديد مقدونيا وإيطاليا.
ويؤكد البعض أن مصر الفرعونية عرفته منذ أيام الفرعون العظيم تحتمس الثالث قبل 3000 سنة؛ إذ لا تزال رسومه على حيطان حدائق معبد الكرنك الشهير.
وعلى الأرجح أن الأترج جاء من صوب الهند وباكستان ومن بلاد فارس؛ ولهذا عرفه العرب قديما أيضا «وتغنى به شعراؤهم في مختلف العصور، منهم ابن الرومي الذي قال فيه في معرض الحديث عن أحد ممدوحيه: كل الخلال التي فيكم محاسنكم تشابهت منكم الأخلاق والخلق - كأنكم شجر الأترج طاب معاً حاملاً ونوراً وطاب العود والورق.
مهما كانت أصوله، فهو نبات محب للحرارة والماء، ويكره البرد؛ ولذلك وجد في المتوسط مناخه المناسب.
وعادة ما يصل ارتفاع شجرة الأترج إلى 5 أمتار على الأقل، وهي على ما يصفها البعض «ناعمة الأغصان والأوراق، أزهارها بيضاء وثمرتها تشبه الليمونة، إلا أنها أكبر بكثير ذات لون أصفر (يميل إلى البرتقالي عند النضج). للثمرة رائحة مميزة زكية ماؤها حامض».
الاسم العلمي للأترج هو سيتروس ميديكا - Citrus medica
ويطلق عليه بالإنجليزي اسم سيترون – citron، وهو متدرج من الاسم اللاتيني سيتروس - citrus (حمضيات) الذي يعتبر أيضا اسم جنس الفاكهة نفسها. ويطلق على الأترج بالإيطالية اسم سيدرو - cedro، وفي اليونانية ناليطيوس، أي ترياق السموم، وفي اليابانية بوشوكان - Bushukan للدلالة على النوع الذي يشبه الأصابع، أحيانا يطلق عليه اسم الليمون الفردوسي.
لفاكهة الأترج أسماء كثيرة ويسمى في اللغة الفصحى: «أترج وأُتْرجة وأُتْرنجة ومُتْكْ، وهو اللفظ الذي ذكر في سورة يوسف ويعرف في الشام باسم كُبّاد (بالضم) أو كَبّاد (بالفتح) وتُرُنج، وكذا في الإمارات ولكن الغالبية تسميها شِخاخ أو إِشْخاخ، وفي مصر والعراق (أُترج) كما يسمى تفاح العجم وتفاح ماهي وليمون اليهود؛ لأنهم يحملونه في أعيادهم. وعند عامة الفلسطينيين والسوريين يسمى بومَلي أو بومَلة، ويسمى في لبنان موملي». وفي السعودية يطلق عليه اسم ترنج أيضا والتنورج بالأمازيغية. ولا عجب أن الأترج لا يزال من أهم أنواع الفاكهة الشتوية في محافظة الأحساء في السعودية، حيث يهديها الناس إلى جيرانهم وأصدقائهم كتقليد قديم. وعلى الأرجح، أن العرب أخذوا الاسمين ترنج ونرنج (البرتقال المر) من الفارسية، وأدخل العرب هذه التسميات إلى إسبانيا والبرتغال بداية القرن الثامن. ويقال: إن اسم النرنج هو مصدر اسم البرتقال: «أورانج»- orange.
يعتبر من أنواع الفاكهة المقدسة عند اليهود؛ ولذا يزور اليهود بلدة أصادص بمحافظة تارودانت جنوب غربي المغرب، حيث مزارع الأترج، كل عام لاستخدامها في طقوسهم الدينية.
ويعتبر الأترج الموجود في مدينة أصادص المغربية أجود الأنواع في العالمي، ولأنه لم يطعم ويطلق على أجود أنواعه «العروسة» «وتصل قيمة الكيلوغرام الواحد إلى 100 دولار».
تحتوي قشور فاكهة الأترج على «زيت طيار والمكون الرئيسي ليمونين، والذي يشكل نسبة 90 في المائة من محتويات الزيت، وتحتوي القشور على فلافونيدات وكومارينز وتربينات ثلاثية وفيتامين (سي) وكاروتين ومواد بكتينية».
يكثر استخدام الأترج لفوائده الطبية ولعلاج الكثير من الأمراض. وتشير الموسوعة الحرة إلى أنه يستخدم في الطب الحديث بصفته عنصرا من عناصر فتح الشهية، كما هو الحال مع الفلفل الحار، ومساعدا على الهضم «ومنبها للجهاز الهضمي ومطهرا ومضادا للفيروسات وقاتلا للبكتيريا ومخفضا للحمى» وهو أيضا من العناصر التي تدعم جهاز المناعة وتعديل ضغط الدم، ويحارب الإنفلونزا والنزلات البردية، ويساعد الحنجرة والصدر على التعافي من الميكروبات.
المنافع الكثيرة في الأترج مركبة من أربعة عناصر على ما قسمها الأطباء العرب قديما: قشر، ولحم، وحمض، وبذر، ولكل واحد منها مزاج يخصه.
وقديما تقول القصة إن «بعض الملوك الأكاسرة سجنوا بعض الأطباء، وأمروا ألا يقدم لهم من الأكل إلا الخبز وإدام واحد، فاختاروا الأترج وسئلوا عن ذلك فقالوا «لأنه في العاجل ريحان ومنظره مفرح، وقشره طيب الرائحة، ولحمه فاكهة وحمضه إدام، وحبه ترياق، وفيه دهن».
وجاء ذكر الأترج في مدونات ثاوفرسطوس حول النباتات: «في الشرق وفي الجنوب هناك نباتات... في ماديا وفارس هناك الكثير من أنواع الفاكهة، ومنها ما يطلق عليه اسم ماديان أو التفاحة الفارسية. للشجرة أوراق مشابهة جدا ومطابقة لأوراق القطلب (شجيرة قاتل أبيه)، لكن لها شوكا مثل الأجاص البري... الفاكهة لا تأكل وهي ذات رائحة عطرة، وتوضع بين الثياب لمنع العث من أكلها، وهي أيضا مفيدة في حال شرب الفرد سما قاتلا... تزعج المعدة فيتم التخلص من السم، كما تساعد على تحسين رائحة النفس....».
مربى الكباد (الأترج) الحلبي
جاء في منتديات «لك» النسائية على شبكة الإنترنت، أن هذا النوع من المربيات ليس من النوع الذي يستخدم على الفطور، بل تعتمده «ربات البيوت الحلبيات صنفا من أصناف الضيافة التي تفخر ربات البيوت بتقديمها، وحتى تتباهى بمقدرتها على تحضيرها بنفسها دون اللجوء إلى شرائها من الأسواق». كما يحصل مع مربى النارنج ومربى القرع ومربى الجوز ومربى الباذنجان في حلب.
عملية تحضير مربى الكباد ليست سهلة، ولكن يمكن العثور على وصفتها الحلبية على شبكة الإنترنت، وتتضمن عادة التخلص من الحامض والقشرة الخارجية والحفاظ على قطع اللب لتكون المادة الأساسية للمربى الذي يعتبر أحد أجود أنواع المربى في العالم.