روسيا تُخرج إيران من «المنطقة الآمنة»... وتُفكك قاعدة الزقف الأميركية

معارضون لدى السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي في درعا (وكالة نبأ)
معارضون لدى السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي في درعا (وكالة نبأ)
TT

روسيا تُخرج إيران من «المنطقة الآمنة»... وتُفكك قاعدة الزقف الأميركية

معارضون لدى السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي في درعا (وكالة نبأ)
معارضون لدى السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي في درعا (وكالة نبأ)

اتفقت روسيا وأميركا والأردن على مذكرة تفاهم تضمنت مبادئ إقامة «المنطقة الآمنة» في درعا وريفها بينها «عدم وجود قوات غير سوريا» في إشارة إلى «حزب الله» وميليشيات تدعمها إيران بعمق 30 كيلومتراً من حدود الأردن، في وقت لعبت موسكو دور الوسيط بين واشنطن من جهة وكل من طهران ودمشق لرسم خطوط التماس قرب حدود العراق؛ ما أسفر عن تفكيك قاعدة الزقف الأميركية شمال معسكر التنف.
وكشف مسؤولون غربيون لـ«الشرق الأوسط» أمس، عن أن المحادثات الأميركية - الروسية - الأردنية التي بدأت في عمان منذ منتصف مايو (أيار) الماضي أسفرت نهاية الأسبوع الماضي عن الاتفاق على مذكرة تفاهم ثلاثية، فيها مبادئ «المنطقة الآمنة» جنوب سوريا.
وكان الوفد الأميركي، الذي ضم عسكريين ودبلوماسيين، اقترح ضم مناطق تشمل القنيطرة ودرعا وريف السويداء، بما فيها مناطق سيطرة القوات النظامية التي تمتد مثل اللسان من دمشق باتجاه درعا من دون الوصول إلى حدود الأردن، في حين طلبت عمان ضم شرق السويداء إلى المحافظات الثلاث البادية وصولاً إلى معسكر التنف في زاوية الحدود السورية - العراقية - الأردنية. لكن الجانب الروسي، رسم حدود هذه المنطقة بحيث تقتصر فقط مناطق سيطرة المعارضة وخطوط التماس مع قوات النظام.
عليه، اقترحت المذكرة على عناوين رئيسية، بينها «عدم وجود قوات غير سوريا» في جيب عمقه 30 كيلومتراً، ووقف النار بين القوات النظامية وفصائل «الجيش الحر»، أي تمديد الهدنة التي أعلنت قبل يومين. ونصت أيضاً على وقف العمليات الهجومية من الطرفين وتجميد القصف والغارات على مناطق المعارضة، إضافة إلى وجود مجالس محلية وإدخال مساعدات إنسانية وعودة اللاجئين من الأردن وإطلاق تبادل تجاري بين الطرفين ووجود «مجالس مؤقتة» للمعارضة بانتظار الحل السياسي بموجب القرار الدولي 2254.
في المقابل، يحق للنظام رفع العلم الرسمي ووجود رمزي له والمؤسسات العامة في المناطق والوصول من مدينة درعا إلى معبر الرمثا على حدود الأردن؛ ما يسمح لدمشق بـ«نصر معنوي» وفتح طريق التجارة الذي يخدم أيضا البضائع القادمة من لبنان إلى الأردن وعمقها. هنا، طرح سؤال عن كيفية انتقال المعارضين بين «الجيبين» الخاضعين لسلطة المعارضة شرق «اللسان» وغربه.
ويتعهد الطرفان، النظام والمعارضة، محاربة التنظيمات الإرهابية في إشارة إلى «جيش خالد» التابع لـ«داعش»، إضافة إلى «جبهة النصرة». وأعلنت أمس «هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل بينها «فتح الشام» (النصرة سابقا) نيتها الاستمرار في عملية «البنيان المرصوص» في درعا، في وقت استمرت طهران بالدفع لتعزيز وجودها ضمن القوات النظامية. وأفيد بتعرض موالين لإيران لغارات غير معلنة.
وتحويل مذكرة التفاهم إلى اتفاق يتطلب المزيد من المحادثات الثلاثية من جهة والتفاهمات بين موسكو وكل من طهران ودمشق. وقال المسؤولون الغربيون أمس إن الأمور التي لا تزال قيد التفاوض تتناول آلية الرد على الخروق. وبين الأفكار أن تتعهد روسيا معاقبة قوات النظام وحلفائها مقابل تعهد أميركا بمنع «الجيش الحر» من الهجوم ومحاسبته. وخطوط انتشار «القوات غير السورية» ونقاط التماس بين النظام والمعارضة ومراكز الرقابة والحظر الجوي أمور تقنية تتطلب محادثات إضافية بين العسكريين والأمنيين.

الزقف مقابل حاجز
في موازاة ذلك، قال المسؤولون إن موسكو كثفت اتصالاتها العسكرية في الأيام الأخيرة لإنجاز صفقات صغيرة بين واشنطن وطهران وضبط التصعيد ذلك عبر الخط الساخن بين الجيشين الأميركي والروس «الذي لم ينقطع أبدا، بل خفض مستواه». إذ إن الجيش الأميركي أقام قاعدة له في التنف قرب حدود العراق بدائرة عمقها 55 كيلومتراً مع موافقته على بقاء حاجز للقوات النظامية ضمن هذه الدائرة من طريق تدمر ونقطة السبع بيار. ثم أقام الجيش الأميركي قاعدة أخرى في الزقف شمال التنف باتجاه البوكمال لتعزيز حماية قواته وحلفائه من «الجيش الحر» الذي يحارب «داعش».
وبحسب المسؤولين، فإن معلومات استخباراتية أظهرت وجود قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني في الميدان وإعطائه تعليمات لميليشيات تابعة لطهران للتقدم و«اختبار» الموقف الأميركي. هنا اتصل مسؤول في قاعدة التنف بقائده في الكويت الذي اتصل بدوره برئيس الأركان جون دونفورد للحصول على تفويض باستعمال القوة و«الدفاع بالقوة». فكان الرد الأميركي بإسقاط طائرات استطلاع وقصف قوات برية ثم إسقاط قاذفة سوريا قصفت «قوات سوريا الديمقراطية» في ريف الرقة، إضافة إلى نشر «منظومتين من راجمات الصواريخ المتطورة في التنف. وأوضح مسؤول غربي: «لتخفيف التصعيد طلبت روسيا من الجيش الأميركي تفكيك قاعدة الزقف مقابل خروج حاجز القوات النظامية السورية من داخل الدائرة التابعة لمعسكر التنف».
واذ استمرت واشنطن في السيطرة على معسكر التنف ما أدى عملياً إلى قطع الطريق البري التقليدي من بغداد إلى دمشق عبر معبر التنف - الوليد، فإن إيران ردت بأمرين: الأول، دفعت ميلشيات تابعة لها وقوات نظامية سوريا للالتفات على التنف وصولاً إلى حدود العراق شمالاً والالتقاء بـ«الحشد الشعبي» والالتفاف على المعسكر من الطرف العراقي. الثاني، بدء شركات إيرانية في بناء طريق جديدة التفافية وراء الموصل إلى الحدود لربطها بالطريق إلى دمشق بالتزامن مع إطلاق صواريخ إلى دير الزور. وأوضح المسؤول: «إيران تختبر أميركا في أكثر من مكان بحثاً عن خاصرة رخوة في موقف واشنطن التي ردت إلى الآن على كل اختبار بأنها مستعدة لاستخدام القوة للدفاع عن قواتها وحلفائها من العرب والأكراد في التنف وريف الرقة مع استمرار المحادثات مع موسكو للتوصل إلى اتفاق على المناطق الآمنة».
وفي حال أنجز اتفاق الجنوب، بحسب المسؤول الغربي، هناك احتمالان: الأول، تكرار ذلك عبر توقيع اتفاق أميركي - روسي - تركي لإقامة «منطقة آمنة» في إدلب وريفها عبر تطوير مسار «آستانة» بعد اجتماع 4 و5 الشهر المقبل. الثاني، أن يكتفي النظام باتفاق الجنوب وينسق مع إيران وروسيا للسيطرة على إدلب ومناطق «خفض التصعيد» الأربع أو فرض تسويات من جانب واحد عليها. ونُقل عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في موسكو قبل أيام أن الحل هو بـ«المصالحات» مع المعارضة حيث أنجزت قاعدة حميميم إلى الآن مئات «التسويات» في سوريا.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.