فجرت صيحة طفل سوداني، لا يتجاوز عمره عاما، لحظة احتضان قريبته: «ماما»، حزناً عميقاً في قلوب الحاضرين، وذلك أثناء تسليمه لذويه مع 7 أطفال آخرين أكبرهم في الثامنة، أعادتهم سلطات الأمن السودانية من سرت الليبية، بعد أن قتل آباؤهم وأمهاتهم المنتمون لتنظيم داعش في عمليات إرهابية، أو ألقت السلطات الليبية القبض عليهم واحتجزتهم هناك.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعيد فيها سلطات الأمن السودانية طفلاً فُقد أو قتل أبواه المنتميان لتنظيم داعش المتطرف في عمليات إرهابية بليبيا. فقد أعادت السلطات في مارس (آذار) الماضي طفلة عمرها 4 أشهر، قتلت والدتها آية الليثي، ووالدها، في عملية إرهابية في سرت الليبية. وقال العميد التجاني إبراهيم، مدير وحدة مكافحة الإرهاب في جهاز الأمن السوداني، خلال مؤتمر صحافي مقتضب في مطار الخرطوم أمس، إن جهاز الأمن ومنذ إرجاع الطفلة الأولى ظل يبذل جهوداً حثيثة لإعادة سودانيين في مناطق القتال في ليبيا، وتابع موضحا: «مرة أخرى نهنئ الشعب السوداني بعودة عدد من أبنائه من مناطق عمليات خارج السودان، وتعلمون أنه منذ عودة الطفلة (ل) من ليبيا، ظل جهاز الأمن والمخابرات الوطني يبذل جهوداً حثيثة في إرجاع ومعرفة بعض السودانيين الموجودين في مناطق القتال».
وأوضح العميد إبراهيم، أن جهاز الأمن نجح في إعادة 8 أطفال سودانيين كانوا في مناطق القتال بليبيا، وكشف عن جهود متواصلة تبذل لاستعادة 4 أطفال آخرين في مدينة مصراتة الليبية، وقال في هذا السياق: «اليوم رجع 8 من أطفال السودان الموجودين هناك كمجموعة أولى، وسيتم التواصل لإرجاع 4 أطفال موجودين في مصراتة»، وكشف عن عملية أمنية تمت بالتعاون بين الهلال الأحمر الليبي ببلدية مصراتة، أفلحت في إعادة الأطفال الثمانية. وأشاد المسؤول الأمني السوداني بما أسماه تعاون الجهات المعنية في ليبيا، وخص منها «مكتب النائب العام في بلدية مصراتة، وعمدة بلدية المدينة ورموزها، والسفارة السودانية بطرابلس والجالية السودانية»، وقال: «إنهم بذلوا جهداً كبيراً».
ولم يكتف العميد إبراهيم بالكشف عن انشغال جهازه باستعادة الأطفال، بل أيضا بالعمل على إعادة نساء سودانيات من هناك، وقال بهذا الخصوص: «لدينا جهود متواصلة لإرجاع عدد من السودانيات في ليبيا بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة الليبية».
ولم يكشف الأمن السوداني عن تفاصيل أوضاع آباء وأمهات هؤلاء الأطفال، واكتفى بالقول في تصريح جانبي لـ«الشرق الأوسط»، إن بعض الآباء والأمهات قتلوا في عمليات قتالية، فيما تحتجز السلطات الليبية البعض الآخر.
وقال آدم أبكر صغيرون، جد طفلين من الأطفال الثمانية المسترجعين لـ«الشرق الأوسط» لحظة تسلم طفليه: «إن آباء الأطفال خرجوا من البلاد دون أن تعرف الأسرة أين ذهبوا، ولم نستطع أن نقوم بأي شيء. ونحمد لله على أن الحكومة الليبية أبلغت نظيرتها السودانية بأن هناك أطفالاً، فقامت حكومتنا جزاها الله خيراً بالواجب».
من جهتها، تحفظت واحدة من بين امرأتين منتقبتين جاءتا لتسلم الأطفال العائدين، على اسمها وهويتها، وقالت: «جئت لتسلم أطفال أختي»، ورفضت تقديم أي معلومات عن مكان أبوي الأطفال، وما إن كانوا قد قتلوا في عمليات إرهابية في ليبيا، أو أنهم رهن الاحتجاز من قبل السلطات الليبية.
وبعيد استعادة الطفلة الأولى، كشف الأمن السوداني عن اختفاء 4 فتيات سودانيات من ذويهن في أغسطس (آب) 2015، واتضح لاحقاً أنهن التحقن بـ«داعش» في ليبيا، وتزوجن بسودانيين ينتمون للتنظيم، وذكر منهن التوأم أبرار ومنار، موضحاً أن اثنتين منهما قتلتا في عملية تحرير سرت المعروفة باسم «البنيان المرصوص»، إحداهن تدعى آية الليثي، التي أعيدت طفلتها في مارس الماضي، وأن السلطات الليبية أوقفت خلال العملية 6 فتيات سودانيات يجري التنسيق لإعادتهن و10 شباب، فيما نقلت مصادر صحافية وقتها أن السلطات الليبية اعتقلت التوأم أبرار ومنار عبد السلام. ومن المرجح ألا يكون الأطفال الثمانية الذين تمت إعادتهم أمس قد تحدروا من مجموعات السودانيين الذين تسللوا إلى «داعش» من الخرطوم، إذ إن أعمار بعضهم أكبر من تاريخ بدء مشاركة السودانيين في عمليات التنظيم الإرهابي في ليبيا.
وأعلنت ليبيا، أول من أمس، عن إعادة 4 فتيان و4 فتيات تتراوح أعمارهم بين 10 أشهر و9 سنوات، كانوا يعيشون مع آبائهم السودانيين الذين يقاتلون مع تنظيم داعش في مدينة سرت، منذ عام 2015، إلى بلادهم.
ومنذ عام 2015 اخترقت التنظيمات المتطرفة الجامعات السودانية، وجندت عدداً من طلابها، ومعظمهم دارسون في كليات طبية أو من خريجيها. ووفقاً لإحصاءات غير رسمية، فإن عدد الطلاب الذين التحقوا بـ«داعش» في ليبيا والعراق وسوريا يقترب من مائة طالب وطالبة، معظمهم يحملون جوازات سفر غربية. هذا عدا الذين تسللوا عبر الحدود والذين لا تعرف أعدادهم على وجه الدقة، لكن المركز الليبي لدراسات الإرهاب ذكر مطلع هذا العام أن عدد المقاتلين السودانيين في التنظيم الإرهابي بليبيا يبلغ 455، وأن السودانيين يحتلون المركز الثالث بعد التونسيين والماليين، من حيث العدد في التنظيم الإرهابي.
الخرطوم تستعيد أطفالاً سودانيين ينتمون لـ«داعش» في ليبيا
ترتيبات لإعادة فتيات من مصراتة بعد مقتل آبائهن في المعارك
الخرطوم تستعيد أطفالاً سودانيين ينتمون لـ«داعش» في ليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة